قضايا الطفولة

لاشك أن الأطفال هم الأكثر تضرراً نتيجة الحرب والأزمة التي تعصف بالبلاد، من التشرد والنزوح واللجوء الذي فرض عليهم نتيجتها، وعلى المستويات كافة، وخاصة على مستوى التسرب من التعليم، إضافة إلى الاستغلال المباشر في العمل، نتيجة الوضع الاقتصادي المعاشي السيء وتدهوره، الذي دفع بجزء كبير منهم ليكونوا معيلين لعائلاتهم، وخاصة في بلدان اللجوء، اعتباراً من تشغيلهم في الأعمال غير المشروعة كالتسول المنظم، إلى الاتجار بهم، وليس انتهاءً بالاستغلال الجنسي، ناهيك عن أن العمل في سن مبكرة يوقف نمو الطفل وتطوره.



الطفولة وسورية المستقبلفي تقرير لمنظمة الامم المتحدة للطفولة اليونيسيف، في الربع الثالث من عام 2015، أن 4 من أصل 5 أطفال سوريين يعانون الفقر، وبأن هناك 2.7 مليون طفل سوري خارج المدارس، كما أن أعداداً متزايدة من الأطفال يعملون في ظروف عمل خطرة، على صحتهم الجسدية والنفسية.

وفي تقرير آخر، في الشهر التاسع من العام نفسه   لن يتمكن أكثر من مليوني طفل سوري من الانضمام إلى المدارس، وبأن هناك 400 ألف طفل آخر معرضين لترك المدرسة، نتيجة الحرب والعنف والنزوح.

ترهيب وتجنيد للطفولة
كما أشار التقرير إلى أن بعض المجموعات المسلحة تقوم بتجنيد الأطفال، لاستخدامهم في القتال أو لتسجيل المعارك أو لأغراض دعائية، وقد وثقت الأمم المتحدة 278 حالة مؤكدة لتجنيد الأطفال دون الثماني سنوات، خلال عام 2014 وحده، وذلك عبر أساليب الترهيب والترغيب، حيث يمنح هؤلاء 400 دولار أمريكي جراء التحاقهم بتلك المجموعات، بعيداً عن رغبة أهاليهم وذويهم غالباً.

معاناة مختلفة
وتحدثت تقارير عن وجود أكثر من مليون طفل سوري لاجئ خارج سورية، 50% منهم بعمر دون الخامسة، ومن بين البقية أكثر من 200 ألف غير ملتحق بالتعليم، وخلال مسح أجري خلال ستة أشهر فقط على الأطفال اللاجئين تبين وجود أكثر من 800 ألف من هؤلاء يعانون من أزمات نفسية، وفي الأردن وحدها هناك 78% من الأطفال لا يحصلون على شهادة الميلاد، مما يفقد هؤلاء الجنسية والحقوق بالرعاية والتعليم لغياب الاثباتات الشخصية للأهل، أو الزواج الذي لا يسجل بالمحاكم، كما أن 5-10% من الأطفال السوريين يعملون.

وخلال تقييم أجري على 11 محافظة أردنية يوجد 47% من 186 أسرة لديها طفل أو أكثر تعتمد عليه جزئياً أو كلياً في دخلها، كما هناك 680 متجراً في مخيم الزعتري في الأردن يوظفون الأطفال، عدا عن الأطفال الذين يعملون في مهن مختلفة، كالعمل على العربات التي تنقل البضائع، أو البيع على الطرقات وأمام اشارات المرور، كما إشارت تلك التقارير عن وجود 3700 طفل سوري في كل من الأردن ولبنان يعيشون دون أحد آبائهم أو كليهما، نتيجة اللجوء وتمزق العائلات جراء الحرب والأزمة الدائرة في البلاد، كما تغاضت السلطات التركية عن عمالة الأطفال السوريين دون السن القانوني المعتمد لديها، بحجة فسح المجال أمامهم للعمل والإعالة نتيجة الواقع الاقتصادي المعاشي للاجئين لديها، مما وسع من دائرة الاستغلال للأطفال بالعمل بأبشع صوره أحياناً هناك.

مؤسسات وكادر تعليمي
هناك أكثر من 5000 مدرسة في البلاد خرجت من الخدمة، إما لأنها تعرضت للدمار والأضرار الكبيرة، أو لأنها باتت مراكزاً لإيواء النازحين، وفي بعض الأحيان يتم استخدامها كمقار عسكرية للمسلحين، كما تزايدت خشية الآباء من إرسال أبنائهم إلى المدارس بسبب المخاطر سواء على الطرق أو في المدارس نفسها، وقد تم تسجيل تعرض 60 مدرسة للقصف خلال عام 2014 وحده، كان بعضها متعمداً، وقد شارك الأطفال، في دفع تلك الضريبة، المدرسين والكادر التعليمي بشكل عام، حيث ترك ما يعادل 25% من المدرسين وظائفهم، للأسباب العامة والخاصة نفسها.

آثار سلبية
وقد خلقت الحرب والأزمة آثاراً سلبية واضحة، ليس على مستوى البنى التحتية المدمرة وحدها، ولا على مستوى التشرد والنزوح واللجوء، ولا على مستوى أعداد الضحايا والمصابين والمعاقين والمختطفين والمعتقلين والمغيبين، كما ليس على مستوى تدني مستويات المعيشة لما دون حدود ومستويات الفقر، بل والأهم من ذلك كله على مستوى مستقبل سورية والسوريين، وذلك لما يمثله أطفال سورية من أهمية ودور بهذا المستقبل، الذي سيكونون فيه هم القادة والفاعلين، والنسبة الكبيرة منهم هم ضحايا مباشرين لتلك الحرب والأزمة الآن، وعانوا ما عانوه من نتائجها ومفاعيلها، وخاصة على مستوى الالتحاق بالتعليم والتسرب منه، كما أن الكثير من هؤلاء وخاصة في بلدان اللجوء، دون شهادة ميلاد وبالتالي دون جنسية، ونسبة كبيرة منهم تعيش دون أحد الآباء أو كليهما، مع كل الآثار النفسية السلبية التي سترافق هؤلاء، وخاصة في مراحل المراهقة.

طفولة وصور
أكثر الصور التي يتم تداولها وبثها عبر القنوات الاخبارية أو على شبكات التواصل الاجتماعي هي لأطفال سوريين، مشردين أو مصابين أو بقايا أشلاء طفولة هنا وهناك، على طول الرقعة السورية وخارجها في بلدان اللجوء، كنتيجة لواقع المأساة التي عاشها ويعيشها هؤلاء، حيث تعكس تلك الصور الواقع المزري الذي يعيشه ملايين الأطفال السوريين من آلام وأحزان وتشرد وجوع، وحتى الموت جوعاً أو برداً أو غرقاً أو تحت الأنقاض، نتيجة الأعمال الحربية وتداعياتها.

طفولة مستهدفة ومفقودة
الهجمات العشوائية على المناطق الآهلة بالمدنيين هي السبب الرئيسي في زيادة أعداد القتلى والمصابين من الأطفال، التي تحصد كل منها العشرات منهم في كل مرة وكل استهداف، بين قتيل وجريح ومعاق، ناهيك عن الأضرار النفسية الجسيمة التي تلحق بهم وسترافقهم لمدة ليست بالقصيرة أو المحدودة، بل ربما لا تفارقهم أبداً، حيث وبظل الحرب والأزمة وجد الأطفال أنفسهم في مرمى الاستهداف والنيران، دون معرفة أو إدراك لما يجري من حولهم، وقد نشأ الكثير منهم وهم لا يعرفون اللعب وسبل التواصل الاجتماعي مع أقرانهم، كما أنهم لا يعرفون الصف المدرسي، كما أن غالبية الأطفال السوريين فقدوا خمسة أعوام من طفولتهم حتى الآن عملياً، أما بعض من اختبر المدرسة والتعلم والصف والتواصل مع الأقران، فان جلهم أثبتوا تلك القدرة على التحمل، كما يعبر الكثير منهم عن رغبته في إكمال تعليمه، رابطاً رغبته تلك بتحسن الظروف وانتهاء الحرب، وعودة كل منهم إلى مدرسته في مدينته أو قريته.

الآثار النفسية
يعاني غالبية الأطفال السوريين من صدمة الحرب، واضطرابات ما بعد الصدمة، ومن صعوبات التعايش والتأقلم وخاصة مع بيئات بلدان اللجوء، إضافة إلى الاضطرابات النفسية التي لا تنتهي بصعوبات التحصيل العلمي، مع صعوبات في التركيز والتعلم وأحياناً لمشاكل في النطق، ومن هذه الاضطرابات الخوف المستمر والعزلة والاضطرابات الانفعالية الحادة والاكتئاب والتوحد، واضطرابات ذهنية تصل حدود الفصام والصرع، وتكون تلك الأعراض أكثر ظهوراً عند المراهقين منهم.

وقد أشارت إحدى الدراسات في ألمانيا، على الأطفال السوريين اللاجئين هناك، والتي شملت 100 طفل إلى وجود 1 من أصل كل 5 أطفال يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة، وأن 60% منهم يعانون من مشاعر العزلة في بلدان اللجوء، كما أن 25% منهم يعانون من مشاعر التمييز، ما يزيد عملياً من الصدمات النفسية لدى هؤلاء.

إجراءات لابد منها
إن الدعوة للوقف الفوري للهجمات العشوائية على المناطق المدنية الآهلة بالسكان، ليست فقط من أجل الحفاظ على الممتلكات العامة من مدارس ومشافي ومرافق عامة وبنية تحتية، بل من أجل حماية هؤلاء المدنيين، وخاصة الأطفال، من ويلات الحرب وتداعياتها وآثارها السلبية، القريبة منها والبعيدة، كما أن بذل المزيد من الجهود من أجل وقف انهيار المؤسسات التربوية والتعليمية، ومن أجل الحفاظ على الفرص المتاحة أمام الأطفال في الوصول إلى التعليم، عبر إعادة تأهيل المدارس المتضررة وتجهيزها بمتطلبات الاستيعاب، واستقطاب المدرسين والكادر التعليمي والتربوي وتحديداً اختصاص الإرشاد والتوجيه النفسي، من الأهمية بمكان باللحظة الراهنة، وبالمستقبل القريب والبعيد.

أطفال اليوم منتجي ثروات الغد
الأمل بالمستقبل يتجسد عملياً بأطفال اليوم، لذلك يجب التركيز على الدعم النفسي والاجتماعي، والصحي والمعيشي، وزيادة فرص الالتحاق بالتعليم للملايين من هؤلاء، مع تعزيز التماسك والترابط الاجتماعي، كي يستعيد هؤلاء ثقتهم بالمستقبل، الذي سيكونون هم أنفسهم نواته الفاعلة فيه، إذ إن الاهتمام بالطفولة، وحمايتها وإنقاذها، يعني بشكل مباشر ذاك الاهتمام بالجيل القادم من قادة ومعلمين ومهندسين وأطباء وحماة للبلاد، والمدافعين عن السلام والدافعين باتجاه ازدهار المجتمع وتقدمه ورفاهه، من عاملين ومزارعين ومنتجين للثروات المادية فيه، ما يعني أهمية وجود خطط تكتيكية عاجلة، واستراتيجية عامة، لمعالجة الآثار السلبية على الطفولة بظل الحرب والأزمة وتداعياتها، من أجل سورية الوطن والمستقبل.




سمير علي، موقع "قاسيون"، 2016/12/11

0
0
0
s2smodern