افتتاحية المرصد
الثورة السورية تجند الأطفال

استعرضنا في الحلقة السابقة وقائع سورية ما قبل انفجار ثورة الأخونج  التي أعلت راية الإسلام السياسي المعادي جملة وتفصيلا لحقوق المرأة، بل حتى لاعتباره إنسانا! بل هي مجرد "وعاء" إنجاب ومادة لمتعة الرجل!




وغطى عليهم بعض الذين يدعون المدنية والديموقراطية بادعائهم أن في ساحة القتال ضد الجيش العربي السوري أحدا سوى هؤلاء المجرمين! مقدمين خدمة جلى باسم المدنية والديموقراطية للأخونجية كما لأعداء سورية في المنطقة وفي الغرب.

اليوم سنستعرض بعضا من واقع الأطفال.

رغم مصادقتها على اتفاقية حقوق الطفل منذ تسعينيات القرن الماضي، فشلت سورية في أن تغير من قوانينها لتنسجم مع تلك الاتفاقية، كما فشلت في تقديم أي إضافة قانونية مهمة في مجال حقوق الطفل، وذلك تحت وطأة ثقافة ذكورية تحكم النظام السوري وتعتبر الأطفال "ملكا" لأبائهم، وثقافة إسلامية تعتبر الأطفال "مادة خام" يحق لآبائهم ولرجال الدين فعل ما يرونه مناسبا لكي يضمنوا "صوابهم" الديني!

بالتالي: تم طي مشروع قانون حماية الطفل من العنف الأسري في أدراج الهيئة السورية لشؤون الأسرة، ولم يجر أي تعديل فيما يخص المحاكمات الخاصة بالأطفال وإجراءاتها، وبقي الأطفال موضوع تنازع بين الزوجين المطلقين أو الذين قيد الطلاق دون أن يكون لهم أي رأي في قرار حضانتهم، وخسر العديد من الأطفال السوريين حقهم بالجنسية فقط لأن ولدوا لأب غير سوري رغم أن أمهم سورية..

وربما تكون النقاط المضيئة الأساسية في الجانب القانوني، وهي بالغة الأهمية رغم قلتها، متعلقة بإلزامية التعليم المجاني لتسع سنوات دراسية، وإلزامية الحصول على اللقاحات الأساسية، وإلزامية الفحص الطبي قبل الزواج (والمتعلق حصرا بمصلحة الطفل)، إضافة إلى منع تشغيل الاطفال تحت سن 15 عاما، وبإذن خاص فوق 15، ومنع شامل لتشغيلهم في الأعمال الليلية أو الشاقة أو ذات الأثر الصحي الضار كالمواد الكيميائية..

لكن الواقع كان مختلفا كثيرا عن القانون.
فواقعيا عممت المدارس مجانا لإثني عشر عاما دراسيا في كل منطقة من سورية. حتى لم يعد هناك إلا قلة نادرة من الأطفال (تحت 18 سنة) لا تجد مدرسة بالقرب من مكان إقامتها. وعلى نطاق واسع اتبع اسلوب "الترفيع" في السنين الدراسية الستة الأولى بحيث قلة نادرة من الأطفال الذين لم يتمكنوا من إنهاء هذه المرحلة بسبب "الرسوب". ورغم تعميم "التعليم المختلط" للمرحلة الابتدائية فإنه، واقعيا، تم أخذ العادات والتقاليد في الحسبان في الكثير من المناطق حيث خصصت مدارس (أو شعب في المدارس) منفصلة جنسيا.
وتمتع الأطفال جميعهم بالرعاية الصحية الاساسية مجانا. فجميع لقاحات الطفل المعتمدة عالميا تقدم مجانا في المشافي والمستوصفات والمركز الصحية، إضافة إلى حملات سنوية تقوم بها وزارة الصحة عبر فرق جوالة لتدارك أي نقص أو ثغرة في حصول الأطفال على اللقاح. وأنشأ مستشفى مجاني (ثم برسوم زهيدة) مركزي مخصص للأطفال بدمشق. واعتمد وجود طبيب مختص بالأطفال جزءا أساسيا من كادر كل "مستوصف" في سورية.

بالطبع، لم تمنع هذه البنية التحتية الأساسية من استمرار تسرب الأطفال من المدارس قبل ثورة الأخونج الإرهابية 2011، سواء بسبب الفقر الذي ازداد باضطراد إثر سياسات النظام بـ"تحرير" الأسعار التي قادها عبد الله الدردري تحت اسم "اقتصاد السوق الاجتماعي"، أو بسبب تهالك وفشل الآلية التعليمية التي طال اعتمادها على التلقين بدلا من التفكير والمشاركة، إضافة إلى الانتشار الملحوظ في السنوات الأخيرى قبل 2011 للأصولية الدينية، وهابية واخونجية، والتي تعادي كل تعليم غير تعليم مسوخ الجوامع الذين لا يكتفون بتجهيل الطفل، بل أيضا بتحويله إلى مشروع إرهابي عبر زرع الافكار العنصرية والمنحطة في رأسه وتصويرها على أنها "شريعة إلهية".
وتجدر الإشارة إلى أن نسبة كبيرة من الأطفال الذين كانوا متسربين من المدارس، (وكان المعيار الأهم هو الخروج من المدرسة عند أو قبل الصف السادس الابتدائي)، تعود إلى البنية الثقافة المتخلفة للعديد من البيئات الاجتماعية السورية، سواء القبلية منها أو الدينية، والتي لا ترى فائدة من بقاء طفلها في المدرسة بينما يمكنه الرعي أو الحصاد أو العمل في محل تصليح سيارات! وهي البنية نفسها المتخلفة التي أجبرت الكثير من الطفلات على ترك المدرسة ضمانا لعدم تمكنها من العلم والمعرفة، وبالتالي لبقائها مستعبدة من قبل مجتمعها الذكوري.

ولم يجر تطبيق قانون العمل فيما يخص الأطفال إلا فيما يخص القطاع العام. بينما بقي القطاع الخاص خارج كل رقابة بسبب الفساد الذي يشكل عمودا فقريا في آلية عمل النظام.

ومع ذلك، يمكن القول بثقة أن الأغلبية الساحقة من أطفال سورية قبل ثورة الاخونج حصلت على فرصة التعليم الطبابة بحد أدنى معقول، باعتراف جميع المنظمات الدولية المعنية والتي كانت جميعها تعمل في سورية للمساعدة على "رأب الفجوة" بين الواقع والإمكانية، وليس لأن الواقع كان بالغ السوء كما يحول خدم المخابرات الفرنسية والبريطانية اليوم أن يصوروه.

لا يمكن لعاقل مقارنة وضع الأطفال قبل انفجار ثورة الاخوج المجرمية وملمعيها من مدعي المدنية، بما هو واقع الحال الآن في المناطق التي يسمونها "محررة"، والتي تظهر بكل وضوح البون الشاسع بين رؤية الدولة السورية وفعلها الإيجابي والمدني رغم كل النواقص والثغرات، وبين رؤية وفعل الإرهابيين (حملة السلاح على الأرض أو حملة السلاح الإعلامي في باريس ولندن وبروكسل وغيرها).
وليس ما صار معروفا عن الطفل وحقوقه في دوما (حيث ميليشيا الإرهاب الإسلامي الوهابية)، أو في إدلب (حيث الأخونجية وشركائهم) إلا قمة جبل الجليد عن التدمير الممنهج للأطفال الذي تقوم به ثورة الأخونج حيثما وطأت أظلافها.


بسام القاضي
خاص، مرصد نساء سورية (مرصد نساء سورية (2016/7/23)

0
0
0
s2smodern