افتتاحية المرصد

بات مؤكدا أن العابثين بوطننا ومستقبله ماضون في إقرار مشروع قانون "تفتيت سورية، والحط من المرأة، واغتصاب الطفلات"! فقد قرر مجلس الوزراء مؤخرا تشكيل لجنة سرية أخرى "مطعمة" ببعض الأسماء المختلفة، وذلك بهدف حصري هو إجراء "بعض التعديلات" على المشروع الطائفي المسمى بـ"مشروع قانون الأحوال الشخصية"، وإقراره بأقصى سرعة ممكنة! و"بعض التعديلات" هذه،  هي أشد سوءا مما هو في المشروع الحالي، بل مما يمكن لغير من يريد تدمير هذا البلد، وبأقصى سرعة ممكنة، أن يتخيل!

إن هذا المشروع هو مشروع طائفي يلغي الدولة من أساسها، ويقيم مكانها سلطة قروسطية لرجال دين مفترضين لا يهمهم من الدين، (الإسلام حصرا، لأنهم يدعون تمثيله!) إلا أن يخدم جيوبهم وأموالهم المكتنزة واستثماراتهم وسلطاتهم على رقاب الناس وحياتهم. ولا يمكن أن يتفق هذا المشروع، حتى بتعديله، مع أي اساس من أسس الدولة. فحين يحكم قانون للأحوال الشخصية يجبر المرء على أن يكون من طائفة معينة، ودين معين، ويعامله على هذا الأساس، لا يبقى للدولة من وجود فعلي، حتى إن ملأت اسم "الدولة" أوراق العالم كله. وحتى بعد أن حذفت خانة "الدين" من الهوية الشخصية (ولا نعرف إن كان أمراء الظلام هؤلاء سيخرجون علينا  لاحقا بقانون جديد للهوية الشخصية يتضمن اسم الدين، واسم الطائفة، بل حتى اسم العشيرة داخل الطائفة!!، فهذا يتسق تماما مع مشروعهم الذي بدأ يظهر بتفتيت سورية إلى إمارات وممالك طائفية!).

وهذا المشروع يشرع صراحة وعلنا الحط من النساء السوريات، واعتبارهن كائنات خلقت لـ"ينكحهن" الذكور (والذكور هم النسخة المنحطة التي لم تستطع أن ترتقي إلى مستوى الرجولة، حيث الإنسانية والشراكة والمساواة)، بأجرة مقسمة على مرحلتين (معجل ومؤخر)، وبناء على ذلك شرع هذا القانون لكل ذكر أن يفعل ما يشاء بمن دفع لها "ثمن نكاحه لها"! بدءا من منعها من زيارة أهلها! مرورا بمنعها من تزويج نفسها مهما بلغت من العمر والشهادات والكفاءات والمناصب.. وليس انتهاء بحرمانها من العمل والتعلم والحياة الاجتماعية وغيرها.. عدا عن أي تفصيل آخر في الشراكة والمساواة! فاصحاب هذا الرؤى ما زالوا يعيشون وهم عالم الغابة، حيث يعتقدون أن من يستطيع أن يكشر عن أنيابه القذرة اكثر هو الأقوى وهو من يجب أن يسيطر!

وهذا المشروع، يقر باغتصاب الطفلات إقرارا صريحا، عبر السماح لمن سموه "القاضي" بتزويج المراهقة متى بلغت الثالثة عشرة من عمرها، إذا "ادعت" أنها بالغة! (وعلى القاضي أن "يتأكد" من بلوغها!! وإن كان عباقرة القرون الوسطى هؤلاء لم يخبرونا كيف له أن "يتأكد" من بلوغها واحتمالها)! بل ويقر اقرارا صحيحا بتشغيل الأطفال منذ سن الثالثة عشرة أيضا!.

بل إن هذا المشروع يحط من الرجال في سورية، ويحولهم إلى "حيوانات ذكورية" لا هم لها ولا قيمة إلا حني الرأس لتقبيل أحذية مدعي التدين، ليقرروا هم، وحسب عقدهم وأمراضهم النفسية ما هو "موافق للشرع" وما هو "مخالف له"! وفعل كل ما يريد من أجل إجبار أسرته على حني الرأس لتقبيل أحذيته! وهو بذلك يحرمهم، باسم "الشريعة"، من أي قيمة من قيم "الرجولة"!

إننا نرفض هذا المشروع جملة وتفصيلا. نرفض تمرير هذه الجريمة بحق المجتمع السوري تحت مسمى "التعديل"! نرفض أية محاولة من قبل "أمراء الظلام" لتمريره عبر تعديل بعض الكلمات فيه. فهو غير قابل للتعديل بإطلاق. فقد عرف من سوده أية جريمة يرتكب بحق كل رجل وامرأة وطفل في سورية، لذلك استخرج أبشع ما في جعبته حتى يبقى مشروعا تدميريا بامتياز فيما إذا خضع لأكثر من 80 % من التعديل! ومكانه الوحيد هو سلة القمامة التي يجب أيضا أن تخفى تحت سابع أرض حتى ينسى الناس أي انحطاط أرادوا أن يجرونا إليه، أية فتنة طائفية ودينية، أي عنف أسود، وأية حياة تحكمها النزعات الحيوانية بأسماء مزركشة.

إن مجلس الوزراء لم يجد حرجا أصلا من أن يحدد أياما قليلة للوزارات والجهات التي أرسل لها مسودة "قانون الطوائف التفتيتي"، وصلت إلى حد 3 أيام، ليبدو ملاحظاتهم "فيما إذا وجدت"؟ معتبرين أن الجريمة التي يخطط لارتكابها بحق سورية عبر هذا المشروع، هي أمر موافق عليه ومشروع إلى حد الإشارة: "إذا وجدت" ملاحظات! بل وممارسة أشد أشكال العنف ضد المجتمع السوري عبر جعل اللجنة والمشروع سريين لعامين كاملين جرى فيها صياغة أبشع ما يمكن تصوره.. كما لو كان الناس في سورية هم قطيعهم الخاص يخرجونه من الحظيرة متى شاؤوا.

وها هو يعيد الكرة مرة ثانية بعد أن خاف معدو هذه الجريمة من التفاعلات التي بدأت تظهر في سورية وتكشف خيوطها. عبر تشكيل تلك اللجنة (السرية مرة أخرى)، وهي لجنة مرفوضة أيضا بإطلاق:

فهذه اللجنة مرفوضة أولا لأن مشروع القانون الظلامي لا يمكن تعديله. فحتى لو جرى حذف 80 % منه، وتعديل الـ 20 % الأخرى، سوف يبقى قانونا طائفيا ظلاميا يشرع العنف ضد الرجل (عبر إخضاعه لسلطة رجل الدين)، والمرأة (عبر إخضاعها لسلطة الذكر)، والأطفال (عبر اعتبارهم حيوانات وجدت لتنجب باقصى سرعة اتباعا جددا للدين)!
وليس هناك من هدف لتكوين هذه اللجنة، وخاصة بهذه السرعة، سوى قطع الطريق على التفاعلات التي بدأت تظهر في المجتمع السوري، والتي كشفت بعين الحقيقة أية جريمة يجري التخطيط لها بحق المجتمع السوري، بل أيضا بحق الدولة السورية عبر استبدال مفاهيم وآليات الدولة الحديثة بمفاهيم وآليات "أمراء الحروب"!

وهذه اللجنة مرفوضة لأن أية لجنة ستتناول هذا الأمر الهام لا يجري إعلان أسماء أعضائها هي لجنة "مؤامرة". فمن حق الناس أن يعرفوا من هم هؤلاء الذين يريدون أن يجروا سورية إلى فتنة طائفية، ويشرعون العنف ضد المرأة، واغتصاب الطفلات؟ ويرمون تحت أحذيتهم عقودا من تطور المجتمع السوري لطالما افتخرنا بها، ولطالما حسدنا الآخرون عليها! بل من هم هؤلاء الذين يرتكبون جريمة قد تكون الأبشع في تاريخ سورية ضد الأديان (والإسلام بالذات، بما أنهم يدعون فقهم فيه)، عبر إظهاره كدين تمييزي عنصري عنيف ومتخلف..

كما أن هذه اللجنة مرفوضة لأنه، ومنذ 2003 حين أنشأت الهيئة السورية لشؤون الأسرة، بات من أهم مبررات وجودها أصلا (وفق قانون تأسيسها نفسه) أن تعمل على مشاريع القوانين المتعلقة بالأسرة بكل مكوناتها. والواقع أن تشكيل هذه اللجنة السرية منذ عامين، وبتجاهل مطلق للهيئة السورية لشؤون الأسرة، كان مقصودا بشكل واضح لا شك فيه من أجل قطع الطريق على عمل كل من يعمل من أجل مجتمع أفضل. والذين دفعوا باتجاه هذه اللجنة كانوا يعرفون حق المعرفة ما الذي يفعلونه. وهم من قاوموا بكل "سلطاتهم" أي تغيير يحسن من وضع المرأة والطفل في سورية، حتى بدرجات تكاد لا ترى!

بل إننا نحمّل، وبكل وضوح وصراحة، الحكومة السورية، وبشكل خاص غير حصري: رئاسة مجلس الوزراء، وزارة العدل، وزارة الأوقاف، المسؤولية التامة عن الفتنة التي يزرعونها في بلدنا، وعن كل الآثار المترتبة على هذا المشروع، بمجرد قبول صدوره عن اللجنة المذكورة. وتزداد هذه المسؤولية بالاستمرار بتبني مشروع الجريمة هذا، فكيف بمحاولة تمريره لينقض أسس الدولة الحديثة في سورية؟

إن محاولات من يريد جر بلدنا إلى فتنة وانحطاط أن يشرع رؤاه الظلامية باسم الدين، عبر الادعاء بتكوين لجنة جديدة لتعديل القانون، هي محاولات مكشوفة وباطلة بطلانا كليا. وأية نتيجة تصدر عن هذه اللجنة (التي نطالب بنشر أسماء أعضائها علنا، فهؤلاء مسؤولين أمامنا وأمام التاريخ)، مرفوضة كليا.
وإننا في "نساء سورية" ملتزمون بمناهضة هذا المشروع، جملة وتفصيلا، وكل الفكر الظلامي التفتيتي الذي يقف وراءه، وبغض النظر عن أية نتائج، إلى أن نخلص إلى الأبد منه، وننتقل للعيش في مجتمع حضاري منفتح ومتساو وخال من العنف والتمييز، وهو ما أكدنا دائما أنه ينسجم كليا مع جميع العقائد السامية، سماوية كانت أم أرضية. وأن العنف والتمييز هو شريعة غابة فقط، وليس أبدا شريعة دين، أيا كان، وأيا كان ما يقوله فلان أو علتان ممن باتوا يتكاثرون تكاثر الجراد النهم لالتهام كل الحياة المحيطة به.. تاركا حوله خرابا يبني عليه عرشه الوهمي..


بسام القاضي، افتتاحية "نساء سورية"، (إلى من يهمه الأمر: أوقفوا عبث "أمراء الظلام" بوطننا ومستقبله!)

خاص: نساء سورية

0
0
0
s2smodern