افتتاحية المرصد

تجنبنا دائما الدخول في النقاش المفضل لدى المتطرفين في كل من جانبي الحجاب، والذين (كلاهما) لا يهمه من المرأة سوى شكلها ومدى سيطرته عليها، أحدهما باسم الله، والآخر باسم الحرية. فهذا النقاش هو تعدي أصلي على حق المرأة الفرد بأن تقرر ما تلبسه.

وكل القول بأن الحجاب هو دليل فضيلة، أو أن رفضه هو دليل تحرر وثقافة.. هو ادعاء لا يدل على شيء قدر ما يدل على تجذر تهميش المرأة- الإنسان، المرأة- المواطنة في عقول هؤلاء. فهؤلاء لا يرون في المرأة سوى خادمة لتصوراتهم الخاصة.

لذلك قلنا سابقا أن الحجاب هو حق شخصي للمرأة المعنية. أن تعيش به أو تعيش دونه. ولا يعنينا من الأمر سوى تفصيلين:
- كل فرض للحجاب، مثلما كل فرض لرفضه، هو تعد على حق من حقوق الإنسان باختيار ما يلائمه من لباس.
- كل فرض للحجاب على الفتيات الصغار هو تعد سافر على حق الطفولة، وليس للطفل رأي مستقل تجاه هذا الأمر. وبالتالي فإن تحجيب الطفلات هو تعد سافر على حقوقهن بنمو عادي. متضمنا أشكال الفرض المختلفة التي تعتمد الترهيب والحرمان و..

لكن النقاش تطور اليوم ليتناول ما سمي بـ"النقاب"، والذي يدعي البعض أنه من الدين، أو من "الشريعة"..
وبما أن الدين ليس مجالنا، و"الشريعة" هي مجرد كلمة مطاطة يدخل كل ذي عُقدٍ عُقده تحتها بحيث جعلت هذه الكلمة لا تدل على شيء بقدر ما تدل على اندحار العقل لدى هؤلاء، ولا تؤدي غرضا قدر ما تؤدي الإساءة إلى هذا الدين، فإننا غير معنيون إطلاقا بأية محاججات حول علاقة النقاب مع الدين من عدمه.

ما يعنينا هنا هو أن النقاب مرفوض جملة وتفصيلا، مهما كانت مبرراته عند البعض. فهو ليس إلا مسحا كليا للمرأة من الوجود كإنسان، وتحويلها حقا إلى عورة "مستورة" متحركة.

فالوجه هو الإنسان. وهو الباب الأساس والرئيس للتواصل الإنساني، وهو هوية الشخص واسمه ودلالته. وحين إخفاء الوجه لا يعود من الإنسان شيء. بل يبقى فقط كتلة عمياء مجهولة لا يعرف أحد إن كانت أنثى أصلا أم ذكر! وبذلك فإن الإنسان تحت النقاب يختفي لصالح جسده. إذ لا يبقى منه سوى ما يؤكد أنه جسد أنثى، حتى لو تضمن غير ذلك.

كما أن النقاب شكل مرات عدة وسيلة تمويه فعالة لبعض الأذهان المريضة التي فرغت عقدها على شكل عنف إرهابي لا هم له سوى قتل الناس باسم الله.

لا إنسان بدون وجه. ولا إنسان مع النقاب. النقاب هو قتل للإنسان ببساطة شديدة.

النقاب يطابق تماما العري الكامل. وجهان لعملة واحدة. ولا فرق إطلاقا بين امرأة (أو رجل) عارية في الشارع من أي قطعة ملابس، وبين امرأة (أو رجل) ملتحفة بالنقاب. كلاهما لا ينتميان إلى الإنسان. كلاهما يقطعان أية صلة مع الآخر. كلاهما يؤكدان على أن من يقع في دائرتهما هو "موضوع جنس" فقط. كلاهما يعبران فقط عن الغريزة البهيمية بأسلوبين مختلفين.

الحجاب هو حرية شخصية، بغض النظر عن مرجعيته لدى البعض، فهو لا يمحق شخصية من يرتديه ولا وجهه الإنساني، ولا يقطع التواصل ولا يخفي هوية صاحبه/ته. بينما النقاب هو تعد سافر على المرأة أولا، بتحويلها كما قلنا إلى موضوع جنسي عار تحت ستار أسود، وهو أيضا تعد على كل الناس الذين على تماس مع من يرتديه، بإجبارهم على إلغاء الإنسان الذي داخل النقاب، والتعامل معه على أنه فقط إثم محجور.

من حق المرأة والرجل أن يكونا عاريين في منزلهما. ومن حقهما أن يتنقبا في منزلهما. ولكن ليس من حق أي منهما أن ينزل إلى الشارع، أو العمل، أو المدرسة عار، سواء كان عريه دون ثياب، أو بثياب تخفيه كليا.


بسام القاضي، افتتاحية نساء سورية، (الحجاب حق شخصي.. والنقاب عري آخر!)

خاص: نساء سورية

0
0
0
s2smodern