افتتاحية المرصد

أما ثلة المنافقين باسم الدين فقد باتوا واضحين لا يحجبهم غربال النفاق بعد أن خسروا حتى ورقة التوت، وشرعوا يروجون لقيمهم البغيضة المتمثلة بتأكيد العنف ضد المرأة والطفل (وخاصة الطفلة)! يحملون "أهلة وصلبانا"، ويرخون جفونهم في تمثيل سمج للإيمان لم يعد تنطلي على عاقل. فمن ذا الذي سيصدق أن أشد الرذائل (القتل، وقتل النساء خاصة) باتت شرعة الله؟!

وأما الحكومة الذكورية فلم تعد تستطيع أن تخفي هويتها الذكورية بعد سيل من القرارات التمييزية ضد النساء، والتي تختتم اليوم بالإبقاء على تشريع القتل، قتل الرجال للنساء، بدعم علني وصريح من الحكومة تساوم على مبرر وجودها الأساسي: حماية حق كل مواطن ومواطنة بالحياة، وإنزال العقاب الشديد بكل من يهدر هذه الحياة لأي سبب كان!!

اليوم العالمي للتضامن مع ضحايا جرائم الشرف
اليوم العالمي للتضامن مع ضحايا جرائم الشرف
هؤلاء جميعا هم شركاء على قدم المساواة في قتل النساء السوريات تحت مسمى "الشرف"، ذلك القتل الذي اعترفت الحكومة السورية نفسها أنه ارتكب 57 مرة خلال 2009! ونؤكد أن ما ارتكب في ذلك العام أكثر من ذلك بكثير! لكن حتى الرقم هذا، الرسمي، هو رقم كاف ليضع سورية (سورية التي وقعت على اتفاقية مناهضة كافة أشكال العنف ضد المرأة، واتفاقية حقوق الطفل، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، و....) ليضعها في مصاف المرتبة الأولى في قتل نسائها! فأي فخر لك أيتها الحكومة الذكورية؟ أي فخر لكل امرأة في هذه الحكومة التي تضعها هي، نفسها، على سكين الذبح!

29/10: اليوم العالمي للتضامن مع ضحايا جرائم الشرف
في مثل هذا اليوم من العام الماضي (2009) قرر قاض في محكمة سورية أن ينقض رأي قاضيين آخرين (قاضي التحقيق وقاضي الإحالة الذين رأيا في جريمة قتل أخ لاخته جريمة قتل عمد)، ويطلق رصاصة الرحمة على كل ما فعلته سورية خلال ثلاثين عاما، بأن يعطي هذا القاتل الحد الأقصى الممكن من تخفيض العقوبة، بحيث أنه خرج فورا من المحكمة إلى بيته، بعد أن تربع على عرش البطولة بحصوله على ثلاث سنوات سجن، كان قد قضاها أصلا أثناء المحاكمة!

وليس هذه إلا مثلا على ما يفعله القانون السوري بالنساء السوريات، وما تفعله الحكومة وبعض المعممين باسم الدين، في إشاعة رذيلة القتل وفاحشة تدمير الأسر عبر دفع الأخوة والآباء والأبناء والأزواج إلى قتل نساءهم! وقبل ذلك عبر تسهيل كل ما يجعل هذه الأسرة بنية مفككة مهشمة بالعنف الذي يروجون له باسم "الأخلاق"! وباحتقار النساء والتمييز ضدهن باسم "الله"!

آلاف النساء السوريات قتلن على مر العقود السابقة تحت هذا المسمى. وآلاف أخريات ينتظرن دورهن كل يوم بالقتل.

لم لا؟ ألسن يعشن في غابة اسمها سورية؟ ألم تفقد الدولة السورية وظيفتها الأساسية في حصر العقاب بها، عندما أباحت للذكور قتل النساء مع وعد بوسام البطولة؟ ألم يتحول بعض رجال الدين من أشخاص لهم دورهم الرائد في النهوض من أجل مستقبل خال من العنف والتمييز، إلى قتلة يحثون الذكور كل لحظة على قتل النساء اللواتي لسن إلا "فتنة في الأرض"؟!

آلاف النساء السوريات ينتظرن اليوم النتيجة الطبيعية للعنف الذي يمارس عليهن كل لحظة:
عنف قانون الأحوال الشخصية الذي يحولهن إلى جاريات لا يملكن حتى حق تزويج أنفسهن مهما بلغن من العمر؟ ولا يعطيهن أية قيمة سوى أن يكن عبدات مأجورات لذكر ما؟
وعنف قانون الجنسية الذي يعاقب أولاد كل امرأة سورية تجرأ قلبها على أن يحب شخصا من خارج قبيلة الذكور هذه، بحرمانهم من حقهم الطبيعي والأساسي والمدني بجنسية أمهاتهم/ن!
وعنف قانون عقوبات تحول (بسماحه للأفراد أن يقتلوا نساءهم مع وعد بوشاح البطولة) من قانون دولة إلى شريعة غاب!
أليست الغابة هي حيث يمكن لكل شخص أن يحصل على ما تمكنه قوته من الحصول عليه؟ أليس قانون الغابة هو حيث يسود قانون الفرد الأقوى، وحيث لا توجد دولة لتكون فوق الجميع وتحمي حياة الجميع؟
أليس هذا بالضبط ما يفعله قانون العقوبات السوري حين يقول أن من حق الذكور أن يقتلوا النساء ثم لن يعاقبوا  (أية سخرية مريرة أن تعدل المادة العار (548) بمادة عار أخرى (المرسوم 37 لعام 2009)، بدعوى أن القاتل هذا يتلقى عقابا 3 سنوات؟! (*-تصحيح: العقوبة حسب المرسوم هي سنتين فقط، وليست ثلاثة). هل هذه هي قيمة المرأة عند الحكومة السورية؟ هل هذه قيمة وزيرات الحكومة السوريات ومستشارات الرئيس؟ 3 سنوات فقط لأي فرد من عوائلهن يقتلهن؟ ومن أجدر بالشك والقتل منهن وهن اللواتي يمضين الوقت كله في عملهن الذي قد يوصل الليل بالنهار أحيانا؟)

من أجل آلاف النساء السوريات هؤلاء (مسلمات ومسيحيات ولا دينيات أيضا!)، أطلق "مرصد نساء سورية" اليوم العالمي للتضامن مع ضحايا جرائم الشرف! ليقول: كفانا عارا! كفانا انحطاطا! كفانا تخلفنا! فما انحطاط ولا فتنة ولا انحلال ولا عار أشد وأسوأ من القتل! فكيف القتل وقد شرع وصار مباحا للذكور؟!

وأيضا: من أجل كل النساء ضحايا القتل من قبل الذكور في كل العالم، مهما اختلفت التسميات. فتسميات مثل "جريمة شغف"  و"جريمة عاطفية" كما تحب بعض البلدان "الغربية" أن تضحك على نفسها، ليست إلا "جريمة شرف" كاملة المواصفات. وما قتل الذكور الأمريكيين، والسويديين، والفرنسيين، لشريكاتهم بالحياة تحت تلك المسميات إلا "جرائم شرف" قذرة بكل معنى الكلمة. لأجل أولئك أيضا اخترنا أن يكون "يوما عالميا" بامتياز.
 
ولنا أيضا، لنا جميعا أينما كنا، وأيا كان جنسنا: لم يكن العنف يوما إلى حلقة دائرية لا تستثني أحدا من آثارها المدمرة. يشهد الواقع اليومي على أي دمار يلحق بالأسرة التي تقتل احدى نسائها باسم "الشرف"! ويشهد كل بيت في سورية عن الآثار المدمرة للعنف (بأشكاله المختلفة) الذي يمارس داخل هذه الأسرة! ويشهد كل رجل توقف عن الكذب على نفسه كم يعاني هو، نفسه، من آثار عنفه الخاص!

لنا جميعا، من أجل مستقبلنا، يجب أن نقف لنقول: كفانا عنفا! لنخرج من همجية العنف إلى إنسانية اللاعنف. لنخرج من انحطاط التمييز إلى فضاء المساواة. لنخرج من معاناتنا اليومية من عنفنا وآثاره، إلى رحابة الحياة المشتركة بين أشخاص متساوون في الحقوق والواجبات، متساوون في الإنسانية، وبالتالي: قادرون على بناء حياة حقيقية سليمة وآمنة وأخلاقية وبناءة..

-  فلتغى المادة 548 بكل مسمياتها (المرسوم 37 لعام 2009).
-  وليحظر استخدام المادة 192 فيما يخص جرائم الشرف بحيث لا يمكن لقاتل امرأة أن يعاقب بأقل من خمسة عشر عاما تحت أي ظرف كان.
-  ولتشدد العقوبة دون إمكانية الاستفادة من أي عفو إذا كان القاتل هو الأب، أو الزوج، لاعتبارات العلاقة الوثيقة.
-  ولينص على عقوبة شديدة لا تقل عن خمسة أعوام لكل من يبرر هذه الجرائم أو يحرض عليها أو يتساهل معها أو يساهم في إخفائها.
-  وليعاقب بعقوبة لا تقل عن عشرة أعوام كل من يساهم في اتخاذ قرار القتل، ولتشدد إذا كان هذا الشريك في القرار يحظى بأي شهادة جامعية أو منصب في الحكومة.

وبعد ذلك.. لنرى كم سيبقى من "الذكور" في هذا البلد!

طريق العنف هو طريق لدمارنا جميعا.. فلنوقفه!


- افتتاحية مرصد نساء سورية، (29/10: والقتل ما يزال مستمرا برعاية من حكومة ذكورية ودعم من ثلة منافقين!)

خاص: مرصد نساء سورية

0
0
0
s2smodern