افتتاحية المرصد

أيام عصيبة ما زالت تمر بها سورية وهي تعاني من العنف الذي حصد العشرات من المواطنين/ات، إضافة إلى المئات من الجرحى، في موجة من العنف لم تشهدها سورية منذ عقود، وتثير الخوف والهلع في نفوس الناس على امتداد الوطن.

وبعيدا عن التنازع بين السلطة ومعارضيها حول مصدر هذا العنف، خاصة إطلاق النار على المتظاهرين العزل، فإنه تقع على السلطات السورية مسؤولية العمل بأقصى سرعة لكشف حقيقة من فعل ذلك، وإعلان أسمائهم، وتقديمهم فوريا إلى محكمة مدنية علنية وعادلة، سواء كانوا من أجهزة السلطة أو من غيرها، ومهما كانت صفاتهم الوظيفية. فكل عنف يمارس في المجتمع هو مسؤولية الدولة، ويجب على الدولة أن تعاقب عليه، وإلا تكون متواطئة وشريكة فيه.

فقد أثبت تاريخ العالم أن العنف هو حلقة مفرغة تأكل الأخضر واليابس، ولا توفر أحدا. والعنف يرتد على ممارسه بالقسوة والدمار نفسه الذي يمارسه فيه ضد غيره. وهذا العنف لم يأت من فراغ، بل هو مؤسس في كافة أشكال العنف وثقافته المنتشرة في سورية، خاصة العنف ضد النساء والأطفال. هذا العنف اليومي الذي يشكل الحلقة الرئيسية في مجتمعنا التي تبنى على أساسها كافة أشكال ومستويات العنف الأخرى.

فما دام المرء يلد وينمو ويعيش في مناخ يشجع على عنف يصل إلى حد القتل (مثلما في جرائم الشرف)، ويمر بكافة أشكال العنف الأخرى (تأديب الأطفال، سلب المرأة حقوقها واعتبارها جارية في قانون الأحوال الشخصية، التمييز في بعض العقوبات بين الرجل والمرأة...)، وما دامت الدعاية الدينية التي تروج للعنف ضد المرأة باسم الله مسموحة ومشجع عليها (لاستخدامها سياسيا)، وما دام قانون تدمير الجمعيات ما يزال ساري المفعول بما يحد من فعالية أي نشاط مدني لنبذ ثقافة العنف وتأسيس ثقافة حضارية تعتمد مفاهيم المواطنة والحقوق، وما دام قانون الطوارئ ما يزال يقبع شبحا أسود على حياة الناس حتى صار الكثير منهم لا يعرفون ما هو لشدة ما دخل في حياتهم/ن.. ما دام كل ذلك باق، فإن ثقافة العنف ستجد المزيد والمزيد من التربة الخصبة لتنمو، ولتزدهر، بل ولتكون "مشروعة" في عقول الكثير من الناس، وهو ما لا يشكل خطرا قائما الآن فحسب، بل أيضا خطرا كامنا مستقبليا يمكن أن يعاود الانفجار في أية لحظة.

ونحن في "مرصد نساء سورية"، نعيد التأكيد أن كل القوانين الاستثنائية، سواء المسماة كذلك (مثل قانون الطوارئ) أم المسماة بأسماء أخرى (مثل قانون الجمعيات، قانون المطبوعات..)، هي وسائل فعالة لتشجيع العنف، بما في ذلك عنف الدولة نفسها، ويجب أن تلغى كليا، وتشرع مكانها قوانين ديمقراطية عصرية تقوم على أساس المواطنة وحقوق الإنسان، وتثبت المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين/ات في سورية بغض النظر عن اللون والجنس والقومية والدين وأية اعتبارات أخرى. وهذا الطريق هو الطريق الوحيد، برأينا، القادر على الخروج اليوم من مأزق حقيقي لا ينفع فيه رمي المسؤولية هنا وهناك، والقادر على بناء مجتمع حديث ينهض بقيم حضارية تحترم وتساعد الإنسان كإنسان.

إن النساء والأطفال والمعوقين/ات هم ضحايا ارتفاع مستوى العنف في سورية. وهذا ما أثبته الواقع في جميع المجتمعات التي تعاني من العنف. وعدد القتلى وجنسهم وأعمارهم ليس هو المؤشر الأساس في هذه الحقيقة، فمقابل كل شخص يموت كضحية لهذا العنف، هناك آلاف النساء والأطفال والمعوقين/ات اللواتي يتعرضن لجرعة إضافية من العنف اليومي كنتيجة للاحتقان ولارتفاع مستوى العنف الدموي.

من جديد، نقدم تعازينا الحارة لأهالي جميع الضحايا الذين سقطوا في الأسابيع الأخيرة،
وندعو الجميع إلى إيقاف العنف عن أية جهة صدر،
كما ندعو السلطات السورية لاتخاذ موقف حاسم فوري بمحاسبة كل من تسبب بذلك، محاسبة علنية تؤكد لجميع الناس أن التفافات أخرى لن تحدث، وأن تبرئة ساحة هذا الشخص أو ذاك لن تتم بناء على علاقاته أو نفوذه أو ارتباطاته..

لنعمل جميعا من أجل "مجتمع خال من العنف والتمييز" جدير بسورية القرن الواحد والعشرين.


- افتتاحية مرصد نساء سورية، (ليتوقف العنف في سورية، وليحاسب مرتكبوه علنا مَن كانوا!)

خاص: مرصد نساء سورية

0
0
0
s2smodern