افتتاحية المرصد

لا يمكن الآن تجاهل حجم الجريمة التي ترتكبها وسائل الإعلام السورية (فهي التي تعنينا في وطننا)، بدءا من التلفزيون السوري بقنواته، مرورا بمواقع الانترنت وإذاعات الاف ام التي فقدت أدنى حس بالوطن، انتهاء بالفضائيات العربية والدولية، عبر تجييشها الطائفي المستمر، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، الأمر الذي بدأت آثاره تظهر على الأرض بشكل لا يقبل اللبس!

فادعاء هذه الجهة أو تلك أن "سورية ليست طائفية"، وأن الشعب السوري واحد، موالاة أو معارضة، صار الآن جزءا من لعبة التجييش الطائفي، إذ بات يعني: كل من ليس معي هوضدي! والآلية الإعلامية، والمصطلحات، وزاوية الكاميرا، واختيار الضيوف وشهود العيان، من الإعلام السوري والخارجي على السواء، لم يعد بريئا إطلاقا. بل هو جزء من سياسة تجييش واسعة تهدف إلى المزيد من استقطاب الناس، بما يعطي لكل جهة "المزيد من المبررات" لسلوكها وما تدعو إليه وتمارسه.

الكل مسؤول عن هذا التجييشلكن من يدفع الثمن هم أهلنا. الأسر السورية التي لم تتجاوز أصلا الانتماء الطائفي الذي بقي تحت السطح خلال العقود الماضية بألف شكل وشكل، إلا أنها تجاوزت "الكراهية الطائفية والمناطقية"، تقف الآن على عتبة تاريخية تهدد بالسقوط إلى هاوية لا قرار لها، ولن يدفع ثمنها أحد من رؤوس الموالاة أو المعارضة، بل سيدفع ثمنها الناس الذين باتوا اليوم يخشون على حياتهم من أقرب المقربين إليهم، ممن عاشوا معهم سنين وعقود!

هذا الخوف، لم يعد يقتصر على الخوف "الطائفي"،  بل إن التجييش القذر ذاك نجح حتى في بدء شرخ داخل العائلة الواحدة من خلال تخوين كل من له رأي مخالف في ما يجري! فإمكانية أن يكون لأخوين رأيين مختلفين بما يجري باتت شبه معدومة! إذ يسارع كل طرف إلى تخوين الآخر واتهامه بشتى الاتهامات التي لا تترك أثرها النفسي فورا فحسب، بل إنها تشرخ العلاقة على المدى الطويل أيضا!

بل إن هذا لم يعد "خوفا"، إنما حقيقة لا ينفع فيه الصراخ والزعيق أن هذه "دخيلة على مجتمعنا"! إنها حقيقية بدأت تطل برأسها الذي سيأكل الأخضر واليابس ما لم يشرع الجميع في إيقاف هذا المسار!

إن رسالة التخوين والعمالة التي يتبعها الإعلام القذر الموالي والمعارض، ويتبعها أشخاص يدعون حملهم شهادات عليا، ويدعون حملهم هموم الوطن، من الموالاة والمعارضة، هي رسالة واضحة لتجييش المجتمع أكثر فأكثر، ودفعه إلى المزيد من الاستقطاب. الأمر الذي يعتقد كل من هؤلاء أنه يخدم مصالحه. فيما هو لا يخدم سوى تخريب المجتمع السوري على المدى القصير والطويل، وفتح جراح قد لا يسهل دملها لسنوات وعقود.

ومن هنا، فإننا في "مرصد نساء سورية"، ندين بشدة جميع وسائل الإعلام السورية والأجنبية التي تستخدم هذا التجييش وتدفع باتجاهه تحت أي ذريعة كانت، ومهما كانت الكلمات المنافقة التي تقال عن حماية الوطن والحرية وغيرها..
وندعو المسؤولين عن هذه الوسائل إلى احترام الحد الأدنى من حقوق الإنسان. لأن ما يفعلونه يرقى إلى مستوى بث الكراهية والحقد!
بل ندعو كل الزملاء والزميلات في هذه الوسائل جميعا إلى رفض هذا التجييش حتى إن خسروا أعمالهم/ن. فلن يفيد عمل حين ستصل هذه الكراهية وذاك الاستقطاب إلى الحد الذي يبتغيه البعض.

إن لدينا الآلاف من الأمثلة يوميا على ما تفعله هذه الوسائل بكل قذارة، ضاربة عرض الحائط مصلحة المجتمع السوري، لصالح هذا الرأي أو ذاك.. ولن نستعرضها الآن لأنها واضحة وضوح الشمس.

المجتمع السوري بدأ يحصد نتائج تجييشكم القذر، وبدأ يخسر نفسه كمجتمع لصالح التطرف والتخوين والكراهية من كل الأطراف. ولا أحد، لا أحد إطلاقا، من مسؤولي الإعلام والعاملين/ات فيه، ولا من أصحاب الادعاءات المختلفة، بريء من هذا التدمير مادام مستمرا فيه!

ليتوقف هذا اللعب القذر، فهو أشد خطورة بآلاف المرات من هراوة السلطة متعددة الفوهات، أو هراوة المتآمرين متعددة الفوهات.. قبل أن لا ينفع ندم ولا ادعاء..

*- نداء خاص إلى من بقي فيه ذرة من كرامة في الإعلام السوري، خاصة الفضائيات: توقفوا عن بث أو نشر أية كلمة تتضمن الموت، الدم، الفداء، السحق... ولا حجة لكم بأن "الناس" يعبرون عن مشاعرهم بهذه الكلمات. نشركم هذه المفردات هو مشاركة صريحة منكم في بث الكراهية والعنف.


بسام القاضي، افتتاحية مرصد نساء سورية، (أوقفوا هذا التجييش القذر: المجتمع السوري يدفع ثمن العنف!)

خاص: مرصد نساء سورية

0
0
0
s2smodern