حق الجنسية

تم لفت انتباهي إلى مقال نُشِر في موقعكم الأغر يوم 12 نيسان 2010 بتوقيع المرصد بعنوان "الجنسية أساس المواطنة، فهل السوريات مواطنات؟ نقاش مع الأستاذ فادي عرودكي" نوقِش فيه مقالي الذي نُشِر في موقع سيريانيوز بتاريخ 25 آذار 2010 بعنوان "الجنسية لأبناء السوريات: بين العنصرية والحفاظ على الهوية".

وبسبب طريقة عنونة مقالكم و- ما أعتبره – بعض المغالطات الواردة فيه، رأيت أنه من واجبي نحو القراء أن أرسل لكم ردا أبيّن ما يلزم تبيينه وتمنيي عليكم أن تنشروا الرد في نفس الصفحة التي نُشِر بها مقالكم إتاحة لعرض مختلف الآراء بشكل حر وموضوعي يعطي القارئ فرصة الحكم – وهو حق لي عليكم على كل حال.

بداية، أود أن أحييكم أخذَكم على عاتقكم الدفاع عن قضايا المرأة العربية في سورية، التي ظُلِمت كثيرا وما زالت تظلم إلى لحظة كتابة هذه السطور للأسف الشديد. كذلك أريد تهنئتَكم على الرد الهادئ على مقالي بعيدا عن التشجنات الانفعالية غير المفيدة أو تحويل النقاش إلى هجوم شخصي، والذي ميّز (أو ربما "عاب" هو المصطلح الأصوب) كثيرا من التعليقات التي وصلتني في سيريانيوز. ومع ذلك فإني عاتب لحدة ردكم في بعض المقاطع وإلى التصعيد التضخيمي في مقاطع أخرى.

أولا، إن افتراضكم، أو في حقيقة الأمر بناء مجمل ردكم على، أنني أنكر "مواطنية" المرأة السورية وما يندرج تحت ذلك من إنكار كل حقوقها كمواطنة هو مغالطة كبيرة جدا لا أجد لها مبررا ولا أفهم كيف توصلتم إليها إلا في حالة عدم وصول فكرة مقالي. وإن كنتم توصلتم إلى نتيجتكم هذه بناء على معارضتي لما تسمونه "حق" المرأة السورية في منح أبنائها الجنسية السورية، فإني أود أن أذكركم أن هذا "الحق" ما زال موضع خلاف وبالتالي فإن معارضته لا يعتبر قدحا في مواطنية المرأة السورية. المضحك المحزن في آن أنكم حكمتم على مقالي مسبقا دون محاولة فهم وجهة النظر التي عرضتها، ولا أدل على هذا من الجملة الأولى في ردكم حيث ذكرتم أن كاتب المقال "رفض فيه إقرار حق الطفل السوري المولود من مواطنة سورية" معتبرين أن ابن السورية سوري وكأنه صدر قانون بذلك أو حصل توافق وطني على هذه النقطة! جملة كهذه تدل على الطرف الذي استخدم عاطفته ورفض استخدام العقل، فمقالي استعمل تعبيرا محايدا "ابن السورية المولود لأب غير سوري" بينما أبيتم إلا أن تفرضوا رأيكم وتحكّموا عاطفتكم مانحين الجنسية لابن السورية من تلقاء أنفسكم، وأنتم – الإعلاميون - أدرى بمدى تأثير الكلمة والتلاعب بالألفاظ على الجمهور المستقبل، قراءً ومشاهدين، فالحياد والموضوعية والدقة واستخدام العقل لا العاطفة مطلوبة في مثل هذه القضايا الهامة، وغير ذلك ما هو إلا تجييش عاطفي.

فضلا عن ذلك، أنا لم أنحُ إطلاقا نحو تحميل مؤيدي ومؤيدات هذا "الحق" مسؤولية الطعن بالهوية الوطنية أو عدم الحرص على الوطن، بل على العكس تماما، أبديت تعاطفي الشديد والكامل مع هذه المطالب، بل وقلت حرفيا أنني "أتضامن مع أسبابها ودوافعها الإنسانية تضامنا كاملا، واعتراضي الوحيد هو على اعتقاد المطالبين بها أن الحل الوحيد لإنهاء المشاكل والصعوبات التي تواجه السوريات في سبيل أبنائهن هو بمنح الأبناء جنسية الأم، بينما الحلول عديدة" ولكن ما زال يتبين لي أن هناك من يريد قتل الناطور، لا الحصول على العنب! قلت أن مشكلتي هي مشكلة مبدأ، فلا يمكنني فهم أن يكون الطفل مزدوج الانتماء/الجنسية بمجرد ولادته. مسألة الولاء الوطني هي نقطة تنمو وتكبر في الطفل مع مضي سني عمره، ونحن في المجتمعات الشرقية جُبِلنا على أن يكون انتماؤنا أبويًا، لذلك في حالة اختلاف جنسيتيْ الأبوين فإن ولاء الطفل (العربي) يكون عادة لوطن الأب. هل طريقة التنشئة هذه أمر صائب أو غير صائب، ليست هذه القضية هنا، ولكن هذا ما يحدث على أرض الواقع. ومن هنا كانت مقارنتي (الأب الحمصي والأم الشامية) لأن ما يصح على الوطن الصغير (سورية) يمكن قياسه على الوطن الأكبر (الوطن العربي) فالثقافة واحدة والتنشئة متشابهة، وهي لم تكن مقارنة سطحية إطلاقا بل مثال عملي يمكنكم أن تحولوه إلى دراسة ميدانية .. وأنا مستعد أن أسلّم لكم بأي نتيجة تصل إليها دراستكم بشرط أن تكون موضوعية.

ولا بد لي من الاعتراف هنا بأن ثغرة كبيرة توجد في طرحي، وتكاد تكون الثغرة الوحيدة، وهي ابن السوري المتزوج من غير السورية. وأقرّ أيضا أن جملتي الأخيرة بمقالي الأخير يجب أن تكون موجهة أيضا لابن السوري من أم غير سورية سواء بسواء. وأنا أعترف بأن حالات كثيرة نراها هنا في الغرب – وأنا مقيم في الولايات المتحدة – طابعها العام عدم اكتراث أبناء السوريين بوطنهم الأم (وهناك حالات يكون كلٌّ من الأب والأم فيها سوريين، ومع ذلك بسبب تنشئة الابن في الغربة فإنه يفتقد لذلك الانتماء الوطني). ولا يمكن أبدا أن يُعتبر ذلك وضعا سليما ليقاس عليه منح الجنسية لابن السورية المتزوجة من غير السوري، بل إننا نعمّق المشكلة في هذه الحالة. المطلوب هو وضع أسس يُبنى عليها كيفية منح الجنسية السورية، وهذا ما اقترحته في نهاية مقالي السابق. وسألتموني إن كنت أوافق على منح الجنسية السورية لمن كان كِلا والديه سوريين فقط، وأجيبكم بأني ذهبت إلى أبعد من ذلك وقلت بأني على استعداد أن أتقبل فكرة منح الجنسية السورية لأبناء السوريات حصرا، فتنعكس الآية وليس لدي مشكلة بهذا. اعتراضي الوحيد هو على استحالة وجود انتماء مزدوج بمجرد الولادة فالطفل سوف يميل حتما إلى انتماء على حساب آخر، والانتماء هو أساس منح الجنسية، والشخص الذي لا يشعر بالانتماء لوطن لا يستحق جنسيته. وبالتالي كي أجيب على سؤالكم فإني بالتأكيد أوافق على أن تكون المعاملة متساوية، فيُعامل ابن السوري من غير السورية كمعاملة ابن السورية من غير السوري (على الرغم من أن شيئا كهذا سوف ينتج أزمة "معدومي جنسية" فكل دول العالم تمنح الجنسية لأبناء الذكور وليس كل دول العالم تمنح الجنسية لأبناء الإناث، وبالتالي ابن السوري المتزوج من امرأة لا تمنح دولتها جنسيتها لأبنائها سوف يصبح معدوم الجنسية .. أي "بدون"!!).

وبعيدا عن المزايدات والنقاشات الجدلية الفلسفية على حساب معاناة أبناء السوريات، فلنصل إلى نقطة نتفق عليها جميعا تحلّ المشكلة وتسهّل حياة المواطنات وأبنائهن وقد عرضت حلولا في نهاية مقالي الماضي، أهمها معاملة ابن السورية معاملة السوري دون إعطائه الجنسية. هل هناك حلول أخرى؟ حتما .. ولكن علينا أن نحكّم العقل ونحدد الهدف من إيجاد هذه الحلول؛ هل الهدف هو مجرد مزايدات وتنظير أم الهدف هو حل لمعاناة السوريات؟ وإن كنا نستطيع أن نحصل على إجماع وطني بحل وسطي يراعي جميع المخاوف، فلماذا يتم الإصرار على حلول قد تؤدي إلى مزيد من المشاكل في النسيج الإجتماعي السوري الذي يعاني من مشاكل كثيرة أصلا، وترفضها شريحة لا بأس بها من السوريين!

وأخيرا، أود التأكيد بشدة على امتعاضي الشديد من أولئك الذين يرفضون منح الجنسية لأبناء السوريات لأسباب عنصرية أو أسباب تستهدف حقوق المرأة السورية، ولا يسرني أبدا تأييدهم لي. أنا في خندق واحد مع المطالبين بحقوق المرأة، وسبق لي أن كتبتُ مطالبا بإلغاء العقوبات المخففة عن جرائم الشرف، وكتبت عن المواطَنَة وأهمية اعتبارها مقياسا للتعامل مع المواطن، وفي مقال آخر أفردت فقرتين كاملتين عن ريادة المرأة السورية مقارنة مع نظيراتها في المشاركة الديمقراطية في سورية المعاصرة، بل وقلت في مقالي الأخير بأنني "أؤمن بأنه يجب أن نصل إلى النقطة التي تتساوى فيها المرأة مع الرجل قانونيا بحيث يصبح ما له لها وما عليه عليها". نعم، هناك من يعترض على منح أبناء السوريات الجنسية لأسباب تمييزية ضد النساء، ولكن أسبابي مختلفة تماما وهي أسباب يشاطرني فيها نسبة من السوريين أعتقد أنها تستحق أن تؤخذ بعين الاعتبار بعيدا عن الاستغلال والتجييش العاطفي.

ختاما، أسعدني أن يجري هذا النقاش بيننا وأسعدني أكثر أن تتسع الساحة السورية لنقاش راقٍ حضاري حول موضوع هام جدا يتعلق بصلب النسيج الإجتماعي في سورية. وأتمنى من كل قلبي أن تُحَل معاناة السوريات وأبنائهن حلاً يشفي غليل صدورهن - ولكن ليس على حساب الوطن - وكم يسرّنا ذلك فالمرأة السورية غالية علينا وحقوقها مقدسة. أشكركم على توفير هذه المساحة لي لكي أفنّد وأوضّح، وأتمنى لكم التوفيق في القضايا المنصفة التي تناصرونها وتدافعون عنها.
تقبلوا مني خالص مودتي وتقديري،

**- لقراءة المقال موضوع هذا الرد، يرجى النقر هنا..


فادي عرودكي، (نعم، السوريات مواطنات .. رد على الرد)

خاص: نساء سورية

0
0
0
s2smodern