حياتنا الجنسية

هل احتفظ بالجنين أم أجهضه؟ سؤال قد يغير حياة المرأة بشكل جذري لكن معظم النساء حول العالم لا يملكن حرية هذا الاختيار، الأمر الذي دفع ببعضهن إلى اللجوء إلى أساليب إجهاض خطرة على حياتهن بينما يقاضي البعض الأخر منهن حكوماتهن.

عندما تحمل المرأة فإن هذا الحدث يحدد مسار حياتها مستقبلا، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل بإمكان المرأة أن تختار بحرية  بين الأمومة أو إجهاض حملها دون أن تتعرض إلى للعواقب ودون أن تعرض حياتها للخطر؟ إن النتيجة تحدد حياتها الجنسية وعلاقتها بالرجال والخط الذي تنوي المرأة السير عليه في حياتها المستقبلية، كما أنها تؤثر على حياتها المهنية وعلى إحساسها بقيمتها الذاتية.

مخاطر صحية عوضا عن حرية القرار
إن حرية القرار بشأن الحمل أو الإجهاض يبقى بعيد المنال بالنسبة لنساء كثيرات، وفي معظم الدول التي تسمى بالنامية يمنع الإجهاض منعا قاطعا، لكن عمليات الإجهاض تتم سرا رغم المخاطر الصحية الكبيرة في هذه الحالة. وبحسب دراسة حديثة نشرها معهد (غوتماخر Guttmacher-Institut) الذي يتخذ من مدينة نيويورك مقرا له، فإن نسبة النساء اللائي يتوفين جراء تلك العمليات يبلغ حوالي 70 ألف امرأة سنويا على مستوى العالم، فيما يعاني نحو ثمانية ملايين امرأة من المضاعفات الصحية.

إن الوضع مختلف في معظم الدول الصناعية، فالإجهاض يتم تحت إشراف طبي، لكن لا تزال هناك بعض الدول التي لا تسمح بذلك. وقبل أشهر قليله تطورت المواجهات بين مناهضي الإجهاض ومؤيديه في الولايات المتحدة الأمريكية إثر مقتل طبيب مشهور في مجال عمليات الإجهاض. لكن هناك أيضا دول ليبرالية في أوروبا مثل أيرلندا والبرتغال ومالطا تتمسك بمنع الإجهاض منعا تاما. وعلى العكس من ذلك تجبر النساء في الصين على الإجهاض إذ لا يسمح القانون هناك بإنجاب أكثر من طفل واحد. 

الحق في الصحة الإنجابية
خرج المؤتمر الدولي للسكان والتنمية الذي عقدته منظمة الأمم المتحدة في القاهرة عام 1994 بقرارات هامة منها حق كل إنسان في الصحة الإنجابية. وقد صادقت الدول المشاركة على هذا الحق كأحد الحقوق الأساسية في مجال الصحة. ويتمتع الجميع بموجب هذا الحق بحرية القرار بشأن الإنجاب؛ أي ما إذا كان المرء يرغب في الاستفادة من الإمكانية المتاحة له للتناسل، وله الحرية المطلقة في تحديد الوقت المناسب لذلك وعدد الأطفال الذين يرغب في إنجابهم.

إن حق الصحة الإنجابية الذي تم إقراره يتضمن حق الرجال والنساء في الحصول على المعلومات الضرورية بخصوص الإنجاب، وحقهم في الحصول على أساليب آمنة وفعالة ومعقولة التكاليف من الناحية المادية فيما يتعلق بتخطيط الأسرة. ومنذ المصادقة على حق الصحة الإنجابية يتمتع الإجهاض بالقبول على مستوى المنظمة الدولية وإن كان لا يتم دعمه كوسيلة لتخطيط الأسرة.

ووفق قرارات القاهرة فإن الإجهاض في حالة حدوثه، يجب أن يجرى على يد متخصص وتحت التعقيم الصحي اللازم. ولتنفيذ مقررات مؤتمر القاهرة حتى عام 2015 يتوجب على الدول الصناعية رصد مبلغ 5.7 مليار يورو، تخصص لنشر التوعية الجنسية ووسائل منع الحمل في الدول النامية.

أهداف مؤتمر القاهرة لم تتحقق بعد
وفي تصريح لها خلال زيارتها مؤخرا إلى العاصمة الألمانية برلين قالت مديرة صندوق السكان العالمي، ثريا أحمد عبيد، إن الأهداف التي وضعت خلال مؤتمر القاهرة لم تتحقق بعد. وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد أوقفت دعمها لكثير من برنامج تخطيط الأسرة في عهد الرئيس جورج بوش، وذلك من منطلق تعارض قرارات القاهرة مع قيمها المسيحية. وهكذا أوقفت أمريكا تمويل المشروعات التنموية في العالم الثالث التي تتعلق بالتوعية بأساليب منع الحمل. وبخلاف أمريكا هناك عدد آخر من الدول تتمسك بموقفها الرافض للإجهاض، بل إن بعضا منها مثل بولندا ونيكاراغوا والسلفادور، قام بتشديد قانون الإجهاض في السنوات الماضية.

شكاوي قضائية مطالبة بحق اتخاذ القرار
إن المطالب المنادية بحق أكبر للنساء في اتخاذ القرار بشأن الإجهاض في تزايد مستمر، وجاءت في هذا الإطار الشكوى التي رفعتها في دولة ملاوي المنظمة النسائية "Women in Law in Southern Africa" ضد حكومة البلاد. وتطالب المنظمة بإلغاء القانون الساري في ذلك البلد، والذي تواجه النساء بموجبه عقوبة قد تصل إلى السجن سبع سنوات في حال إقدامهن على الإجهاض. وفي المكسيك وضعت الحكومة مهلة محددة يتم بعدها قانونيا تجريم عمليات الإجهاض، وقد رفضت الهيئة القضائية العليا النظر في شكوى بهذا الخصوص. وفي المقابل قامت ثلاث نساء من أيرلندا بالتقدم إلى المحكمة الأوروبية بشكوى ضد قانون الإجهاض الصارم في بلادهن، وستنظر المحكمة في هذه القضية يوم التاسع من ديسمبر/ كانون الأول المقبل.

عدد حالات الإجهاض في تناقص
لا شك في إنه ستكون هناك على الدوام حالات يتم فيها إجهاض الحمل لسبب أو لآخر، لكن منذ سنوات يلاحظ أن هناك تناقصا كبيرا في عدد تلك الحالات، وبلغة الأرقام: بلغ عدد حالات الإجهاض بحسب معلومات دولية خلال الأعوام الأربعة عشر الماضية حوالي 4 ملايين حالة. وفي عام 2003 حملت حوالي 40 مليون امرأة في دول العالم النامية والصناعية دون أن ترغب في ذلك، وقررن إجهاض الحمل، ويأتي هذا بالرغم من تحسن مستوى التوعية وسبل الحصول على وسائل منع الحمل على المستوى العالمي. وكما تقول إحدى مستشارات الشؤون العائلية في ألمانيا "فطالما الناس يمارسون الجنس، فسيبقى هناك على الدوام هامشا لا يمكن عقلنته والسيطرة عليه".


أولريكه ماست- كيرشنينغ/ نهلة طاهر، مراجعة: عبده جميل المخلافي، ("طالما يُمارس الناس الجنس فسيبقى هناك شيء لا يمكن السيطرة عليه")

عن "دوتيشه فيلله"، (23/11/2009)

0
0
0
s2smodern