جرائم الشرف

اليوم، 29 تشرين الأول، هو اليوم العالمي للتضامن مع ضحايا جرائم الشرف، وهو اليوم الذي أطلقه مرصد نساء سورية بمناسبة الحكم الذي صدر على أحد القتلة باسم الشرف، حين قرر قاض سوري تعليق "وسام العار" على صدر القاتل، احتفالا بانتصار الثقافة الذكورية المتوحشة التي قضت على حياة امرأة سورية بكل همجية، بعد أن قرر مجموعة من الذكور الهمج، كما هي العادة في كل جرائم الشرف، أن تقتل لأنهم أدنى أخلاقا وشرفا من أن يحتملوا أنها إنسان مثلها مثلهم في كل خير وشر.

وجرائم الشرف ليست سوى تعبيرا واضحا عن النتيجة المنطقية والواقعية لسلسلة العنف والتمييز التي يمارسها المجتمع الذكوري السوري، برعاية وحماية من الحكومة التي تبقي قوانين العار لتحمي القتلة، وبتأييد من مجموعة من تجار الأديان ممن يرون في هذه الجرائم تكريسا لسلطاتهم ما داموا هم يشاركون في "تبريرها".
جرائم الشرف في سورية تحصد سنويا نحو 200 امرأة سورية محرومة أصلا من حقوق المواطنة. فبدءا من لحظة ولادتها، وحتى لحظة مماتها، مرورا بكافة تفاصيل حياة المرأة السورية، هي مجرد وعاء إنجاب، ومادة جنسية يمتلكها الذكر (الأب، والاخ، والزوج، والابن) بموجب قانون الأحوال الشخصية سيء الصيت، وقانون العقوبات الذي شرع قتل النساء! إضافة إلى قانون الجنسية الذي يحرم عشرات آلاف السوريين والسوريات من الجنسية السورية لأن امهاتهن تجرأن على الزواج من خارج قبيلة الذكور السوريين!
كما أن الحكومة السورية رفضت حتى اليوم إقرار قانون للحماية الأسرية من العنف الذي أكدت دراسة صادرة عن الهيئة السورية لشؤون الأسرة (2010)، ان ما يقارب 50 % من النساء السوريات يتعرضن له!
واليوم، مع الأزمة الدامية التي تمر بها سورية، تتعرض النساء السوريات إلى عنف جديد واسع النطاق، هو عنف "الاستغلال السياسي". فآلاف النساء السوريات أجبرن على "النقاب" كوسيلة للتعبير عن معارضة النظام السوري! وآلاف منهن استخدمن كدروع بشرية بوضعهن (مع الأطفال) في مقدمة بعض المظاهرات في مناطق الصراع المسلح! وعشرات تعرضن للاغتصاب والتهديد بالاغتصاب والتحرش الجنسي كوسيلة للانتقام من النظام، أو لإشاعة الخوف والفوضى كجزء من المعركة ضد النظام السوري! وهناك قصص كثيرة لم نستطع التأكد من معظمها (تأكدنا من بعضها) عن حدوث الاغتصاب والتهديد بالاغتصاب من قبل هذه المجموعات الإجرامية!
ومن الجهة الأخرى عشرات النساء تعرضن لأشكال مختلفة من العنف والتحرش والتهديد بالاغتصاب فقط لانهن معارضات للنظام السوري، أو لأنهن قمن بالتظاهر السلمي! وهناك قصص كثيرة (لم يتسنى لنا التأكد منها) عن تهديد بالاغتصاب داخل أقبية أفرع المخابرات السورية!
كما أن الأوضاع التي تعيشها النساء اللاجئات هاربات من العنف في مناطقهن الأصلية، تكرس عنفا بحد ذاته نظرا للأوضاع المتردية التي يعشن فيها (لبنان، تركيا، الأردن). وللضغوط الشديدة التي يعانين منها سواء من النظام السوري (الخوف والتهديد) أو من اللاجئين أنفسهم (العنف الجسدي والتحرش والتهديد بالاغتصاب). وهذه الأوضاع لا يتحمل مسؤوليتها النظام السوري فحسب، بل أيضا كل مشارك في العنف الدامي في سورية، سواء كان مشاركا بالفعل أو بالقول. كما يتحمل مسؤوليتها الذكور أنفسهم الذين يجبرون النساء اللاجئات على تحمل مسؤوليات لا تطاق.
وهذا العنف الجديد المرتبط بالأزمة السورية أجبر آلاف النساء السوريات، بشكل خاص العاملات في مجالي التعليم والصحة، إلى ترك أعمالهن نهائيا، أو التوقف عن متابعتها بعد تقديم طلبات نقل وظيفية، خوفا من العنف الدامي الذي يحيط بهن، وخوفا من التهديدات التي يتعرضن لها.
ويضاف اليوم خطر حقيقي يتهدد ليس المستقبل الذي نأمله ونعمل من أجله فيما يخص المواطنة المتساوية بين جميع الرجال والنساء في سورية بغض النظر عن أي اعتبار، هو خطر المساومات السياسية التي يجري الحديث عنها بين النظام السوري ومعارضته الأصولية.
فالنظام السوري كان قد أثبت مرات عدة استعداده الدائم للتضحية بحقوق النساء على مذبح المصالح السياسية المشتركة (أحيانا) مع الأصولية السياسية. وقد فعلها مرات عدة خصوصا منذ عام 2005 (وقت خروج القوات العسكرية السورية من لبنان).
والأصولية السياسية (خاصة الأخوان المسلمين والسلفيين) يضعون النساء نصب أعينهن كأحد أهم القضايا التي يريدون السيطرة المطلقة على ملفها. ولا يخفون إطلاقا تصوراتهم الظلامية بتعزيز حرمان النساء من حقوقهن كمواطنات. فقد سبق للأخوان المسلمين أن اعتبروا مشروع قانون الأحوال الشخصية الطالباني (2009) نوعا من التنازل لما تريده أمريكا! بما يعني أن ذلك المشروع الطالباني هو أقل بكثير مما يعد به الأخوان المسلمون! وهم لا يخفون قناعاتهم بأن النساء هن تابعات للرجال يخضعن لرغباته ونزواته وسلطاته، وإن غلفوا ذلك بتأسلمهم بعد أن حولوا الإسلام إلى ايديولوجيا تخدم ذكوريتهم.
هذا الخطر يزداد أهمية في ظل صمت جميع القوى المجتمعية والسياسية اليوم عنه. فسواء كانت هذه القوى موالية أو معارضة للنظام السوري، تتفق جميعا على الصمت المطبق على الحقيقة البسيطة أن الديمقراطية لا يمكن أن تكون في ظل تمييز صارخ كالتمييز بين الرجال والنساء، والتمييز بين أتباع عقيدة دينية وأخرى، والتمييز بين المؤمنين واللادينيين. ربما بما يعكس حقيقة أن اضطهاد النساء واستعبادهن هي عقيدة بحد ذاتها يتفق عليها جميع هؤلاء، بغض النظر عن صراعهم على كراسي السلطة.
 واعتبار إيقاف النزيف الدموي الجاري في سورية اليوم أولوية هو أمر صحيح بكل تأكيد. لكن اعتبار هذه الأولوية دون الأخذ بالحسبان أولوية لا تقل عنها أهمية ولا مصيرية هي أولوية حق النساء بالمواطنة الكاملة عبر التساوي التام في الحقوق والوجابات، يعني بكل وضوح: أن الذكور سيستمرون في السيطرة على حياة النساء وتقرير مصيرهن والتحكم بحيواتهن، تحت شعارات جديدة لا تختلف بشيء عن الشعارات القديمة إلا بمدى جدتها.
والمؤسف أن حتى أشخاص عرفناهم كعلمانيين/ات ومدنيين/ات تحولوا اليوم إلى غيبيين يضعون أياديهم بأيادي مجرمي الأخوان والسلفليين وغيرهم متناسين أي مستقبل ترسم هذه القوى خاصة فيما يخص النساء والأطفال.
العنف والتمييز ضد المرأة هو أولوية تمس نصف سكان سورية، والديمقراطية التي تنكر أو تتجاهل حق النساء بالمواطنة المتساوية (المساواة في الحقوق والواجبات) هي ديكتاتورية أخرى لا تختلف بشيء عن مثيلاتها. وإغماض العين اليوم عن ما يجري للنساء السوريات باسم الأمن والأمان، أو باسم الحرية والديمقراطية، هو انتهاك صارخ وفادح لحقوق المواطنة، وتكريس فظ وصريح للديكتاتورية وانتهاك حقوق الإنسان.
في اليوم العالمي للتضامن مع ضحايا جرائم الشرف، يؤكد مرصد نساء سورية استمراره بالعمل ضد كل شكل من أشكال العنف والتمييز ضد المرأة، ومن أجل مجتمع خال من العنف والتمييز تحت أي مسمى ولأي سبب.


افتتاحية مرصد نساء سورية، 29/10/2011، (اليوم العالمي للتضامن مع ضحايا جرائم الشرف: لا مواطنة مع العنف والتمييز ضد المرأة).
خاص: مرصد نساء سورية


0
0
0
s2smodern