جرائم الشرف

جرائمُ الشرف مصطلحٌ واسعُ الانتشار في الصحافة، باعتبارها مادةً غنيّةً ينكبُّ الصحفيون على البحث عنها، لنشرها وفضحِ وقائعها في صفحاتِ الحوادث التي تلاقي رواجاً واهتماماً أكثر من الصفحات الثقافيّة وغيرها.

نقض المصطلح:

أولاً لا يوجد شيء في القانون اسمه (جريمة شرف)، بل يوجد (جريمة قتل- جريمة إيذاء- جريمة سرقة...)، وفي مكان آخر يوجد ما يعرف بالأعذار المُحِلَّة والأعذار المُخفِّفة للعقوبة، ومن هذه الأعذار المخفِّفة للعقوبة هناك الدافع الشريف (مادة 192 قانون العقوبات)، ومن خلال التزاوج  بين كلمتي (جريمة + شرف) نشأ عندنا هذا المصطلح الإعلامي، والذي أرفضه كونه يخلط بين الجريمة كفعلٍ شائن وبين الشرف كخُلُقٍ نبيل، فلا يمكن للجريمة أن تكون شريفة؛ كما لا يمكن للشرف أن يدفع للجريمة.


لمحة قانونية:

 نصت المادة 548 من قانون العقوبات والمعدّلة بالمرسوم التشريعي رقم /37/ للعام 2009:

( يستفيد من العذر المخفّف من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر، فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد، على ألا تقل العقوبة عن الحبس مدة سنتين في القتل).

يعتبر هذا المرسوم التشريعي خطوةً إيجابيةّ كبيرة للتخفيف من هذه الجرائم، وذلك بعد إلغائه العذر المحلّ الذي كان يعطى سابقاً للجاني واكتفائه بالعذر المخفف، لكن غاية المرسوم بالردع العام لم تتحقّق بعد بشكل ملموس، فالجرائم لا تزال مستمرّة، فإذا تأملنا المادة  548 –المقتبسة أصلاً من قانون العقوبات الفرنسي القديم، حيث لم يعد لها وجود في القوانين الفرنسية- لنرى مدى انسجامها مع روح التشريع؛ سنجد أنّها تخالف واحداً من أهمّ المبادئ الذي تبنّته التشريعاتُ الوضعيّةُ وهو مبدأ الحقِّ العامّ القائل بحقِّ الدولة وحدها في معاقبة فاعل الجريمة، فالمادة تعطي الحق لغير الدولة بإيقاع العقوبة، علماً بأنّ المجني عليها لا تكون مرتكبةً أيّ جريمة قانونية إلا في حالة واحدة هي عندما تكون متزوّجة أي جريمة الزنا (مادة 475).

وهذا العذرُ المُخفِّفُ ممنوحٌ فقط للرجل ضد المرأة، أما المرأةُ فلا تملكُ شيئاً من ذلك، والقانون الفرنسي أعطى االعذرَ المخفِّف للزوج على زوجته فقط، مراعاةً لسورة الغضب الشديدة التي تفقده السيطرة على تصرفاته بنسبةٍ كبيرةٍ وقتَ مفاجأته زوجتَه، أما القانون السوري فقد توسّع في إعطاء العذر المخفف.


موقف الشريعة الإسلامية:

في الشرع الإسلامي لا يقام حدّ الزنا إلا بوجود أربعة شهودٍ عيانٍ من الرجال أو ثمانية من النساء، يقومون بحلف اليمين أمام القاضي، ثم يقام الحدّ من قبل وليّ أمر المسلمين (حاكم البلد) ولا يحقّ لأي شخصٍ غيره إنزال العقوبة أو تنفيذ الحد الشرعي.

فعلى من يدّعي التزامه بالدين وبشريعة الله أن يعلم أن الجاني في جريمة الشرف هو قاتلٌ آثمٌ في نظر الشرع الإسلامي ويقام عليه حدّ القتل.


الآثار الاجتماعية:

إن استمرار تطبيق القانون الذي يحمي الجاني في جريمة الشرف منذ العهد العثماني إلى يومنا هذا، قد كرّسَ في المجتمع فكرة (حراسة المرأة)، وفكرة (حراسة المرأة) تظهرُ المرأة بإحدى هاتين الصورتين: فهي إما أفعى خبيثة تنتظر أقلّ فرصةٍ لتلدغ من الظهر، أو هي قطّة عمياء تنقاد بسهولةٍ وكيفما اتّفق.


فعندما نعطي الرجلَ الحقَّ في قتلها، نعطيه تبعاً لذلك سلطةَ مراقبتها وحراستها وتقييدها، إضافةً لمحقِ حريّتها ومسخ شخصيتها وإتباعها بشخصيّته، وهكذا تتكرّس عبوديّةُ المرأة للرجل والتي تخرقها دائماً رغم حراسته، وهذه العبودية موجودةٌ فعلاً عند بعض الشرائح في المجتمع.


إن فشلَ الرجل في حراسته للمرأة هو الدافعُ النفسي والاجتماعي لقتلها، والرجل يفشل دائماً في ذلك فيظنّ أنّ جريمةَ القتل ستمحو العار أو الخطأ الأخلاقي- الاجتماعي الذي وقع، لكن الحقيقة غير ذلك فهو يردُّ على خطيئةٍ أخلاقية- اجتماعية بجريمةِ قتل، وهذه الجريمة ستشكّل خطأً اجتماعياً.. وخَلَلاً أخلاقياً.. وقلقاً إنسانياً أكبر من فعل المجني عليها، وهذه الجريمة الأكبر ليست حلاً للجريمة الأصغر بل هي مجرّدُ غطاءٍ اجتماعيٍّ لها، وهي أقبح منها أخلاقياً وإنسانياً.


هل نحلم بالتغيير؟

إذا اعتبرنا –جدلاً- أن الأفكار الحقوقيّة بنىً فوقيّةٌ تعكس العلاقات الاقتصادية - الاجتماعية في البنى التحتيّة، نرى أن هذه المادة التي تطبّق منذ العهد العثماني إلى اليوم (مع تعديلات بسيطة في كل مرحلة سياسية) ليست سوى انعكاسٍ لما يريده الناس، ولما تمثّلهُ قيمُهم ومعتقداتُهم، فإذا افترضنا وجودَ رغبةٍ عند المُشرِّع في إلغاء هذه المادة....

فالسؤال الأول: ما هي ردّة الفعل المتوقّعة من الناس؟

والسؤال الثاني: إذا تغيّر القانون.. هل ستتغيّر أفكار الناس ومعتقداتهم؟!!


عبد الكريم بدرخان، (جرائم الشرف.. إلى متى؟)


خاص: نساء سورية

0
0
0
s2smodern