جرائم الشرف

كثيراً ما نسمع ونقرأ عن حدوث الحوادث التي تسمى جرائم الشرف وخاصة في بلدنا سورية، ولطالما دار جدل حول هذا النوع من حوادث القتل وتجاذب المتجادلون أطراف الحديث بين أخذ ورد،

التضامن مع ضحايا جرائم الشرفولقد كان آخر ما قرأت عن أخبار تلك الجرائم ما حصل من جريمة مؤسفة في حمص مؤخراً ونشر عنها عكس السير تحت عنوان "هربت من بيت أهلها إلى "حبيب" تزوجها وطلب منها العمل قي الدعارة.. شقيقان يقتلان شقيقتهم ويطعنان زوجها في جريمة "شرف" في حمص".

في هذه المساهمة سأحاول أن أوضح بشكل جلي الرؤية التي أراها صحيحة لمثل هذا النوع من حوادث القتل متمثلاً رأي الشرع الإسلامي (دين الأغلبية في سوريا)، طبعاً الباب مفتوح أمام باقي الإنتماءات والأطياف الموجودة ليعبروا عن موقفهم تجاه الموضوع.

لا شك أنه ثمة ظروف متعددة لوقوع القتل بدافع الشرف وأستطيع أن أعددها بأنها ثلاث حالات:
1- قتل امرأة لمجرد الشبهة بأنها تربطها علاقة غرامية مع شاب غريب بشكل غير شرعي دون الجزم بوجود علاقة جنسية بينهما، وتحدث الشبهة أيضاً بغياب المرأة عن البيت لفترة معينة دون أن يعلم مكانها.
2- قتل امرأة بسبب وقوعها في الزنا في وقت سابق ففي هذه الحالة القاتل متأكد من أن تلك المرأة قد زنت ولا يوجد شبهة بهذه الحالة، والحالة الخاصة من هذه الحالة هي تعرض المرأة للاغتصاب.
3- قتل امرأة بسبب ضبطها وهي بحالة ممارسة الزنا مع عشيقها وهنا ربما يقتل معها شريكها أيضاً في نفس اللحظة التي ضبطا بها يمارسان الزنا.

وطبعاً الحالتان الأولى والثانية هي الأكثر وقوعاً وبنسبة كبيرة، أما الحالة الثالثة فهي نادرة الوقوع.

نأتي الآن للحديث عن تلك الحالات وأحكامها.
- بالنسبة للحالة الأولى وهي قتل المرأة لمجرد الشبهة فلا شك أنها جريمة بشعة وظالمة ولا إنسانية ولا يقبل بها دين ولا شرع، ويجب أن يتم إنزال أقسى العقوبات بالجاني – شرعاً حكمه القصاص أي عقوبة القاتل الإعدام -.

- وكذلك الأمر بالنسبة للحالة الثانية وهي ارتكاب جريمة قتل عن سبق إصرار وتصميم وترصد بحق امرأة بسبب وقوعها بخطأ شائن كالزنا، فهي أيضاً جريمة بشعة لا يقبل بها دين ولا شرع ولا تبررها أية مبادئ أخلاقية إنسانية، وهنا أيضاً عقوبة القاتل شرعاً هي الإعدام، فوفق الشرع الإسلامي لا يحق لأحد أن يحاكم تلك المرأة ويحاسبها مهما ارتكبت من أخطاء وذلك بسبب أن الرجل والمرأة متساويان بالثواب والعقاب وباب التوبة مفتوح لكليهما وبالتساوي، فالمرأة التي سبق وارتكبت الفواحش والزنا فباب التوبة مفتوح أمامها والله يقبلها بمجرد أن تتوب، وليس من حق أي فرد أن يحاسبها ويعاقبها، ولا ننسى أنه في الشرع الإسلامي عقوبة الزنا قضائياً تقع على الرجال والنساء سواء بسواء ولا يتم إثباتها إلا بوجود أربعة شهود عدول صادقين خالين عن أي مخل بالمروءة يشهدون بأنهم رأوا الزنا بعيونهم دون أي مواربة وإلا تسقط عقوبة الزنا عن المتهمين ويعاقب كل من يخوض بعرضهما بالجلد ثمانين جلدة وتسقط عنه العدالة ولا تقبل له شهادة في القضاء بعد ذلك، والشرع عندما فرض تلك العقوبة على من يخوض بأعراض الناس دون دليل فهو ضمن بذلك أن لا يعاقب أحد بتهمة الزنا ظلماً، والقاعدة الفقهية تقول: تسقط الحدود بالشبهات، ولذلك نجد أنه حتى تطبيق عقوبة الزنا أمر صعب الحدوث، ولا ننسى أن نقول أن تطبيق العقوبات والحدود هو مسؤولية السلطة القضائية ولا يحق للأفراد أن يطبقوا العقوبة بمفردهم على الإطلاق.

ولا أنسى أن أنوه أن قتل المرأة بسبب تعرضها لحادثة اغتصاب هي جريمة لا يمكن للعقل تخيل مدى بشاعتها ولا يرتكبها إلا كل متوحش متجرد من الإنسانية والرحمة ولا يصله بالمبادئ الأخلاقية أي صلة وتجب بحقه أقسى العقوبات جزاءً لما ارتكبت يداه.
 
وتجدر الإشارة إلى أن الشرع الإسلامي يعتبر زنا الرجل أشد وأعظم سوءاً من زنا المرأة، فزنا الرجل مساوٍ لقتل النفس في الدرجة بينما زنا المرأة هو أخف درجة من زنا الرجل، وقد قال الفقهاء أنه لو أكره رجل على الزنا تحت تهديد القتل لا يجوز له أن يزني ولو أدى ذلك لقتله، وذلك لأنه لا تنطبق عليه القاعدة الفقهية التي تقول: " يرتكب أهون الضررين إتقاء لأشدهما "، فالضرارن هنا متساويان وبالتالي يبقى ما كان على ما كان ولا يزني ولو قتل، أما المرأة فالحالة بالنسبة لها مختلفة، فزنا المرأة أخف درجة من القتل ولذلك لو طلب من امرأة أن تزني تحت تهديد القتل فيرخص لها الزنا لأن القاعدة " يرتكب أهون الضررين إتقاء لأشدهما " تنطبق عليها.

- أما الحالة الثالثة وهي عندما يضبط الرجل زوجته وهي تخونه وتمارس الزنا مع عشيقها رأي العين فقام بقتلها أو قتله أو قتلهما في نفس اللحظة فلهذه الحالة تفصيل سنأتي عليه بعد قليل.

دعوني أعرف لكم بعض الأمور.
العِرض: بكسر العين هو موضع الذم والمدح في الإنسان.
الصّيال: مصدر صال يصول، إذا قدم بجراءة وقوّة، وهو: الاستطالة والوثوب والاستعلاء على الغير، ويقال: صاوله مصاولةً، وصيالاً، وصيالةً، أي: غالبه ونافسه في الصّول، وصال عليه أي سطا عليه ليقهره، والصّائل: الظّالم والمعتدي، والمصول عليه هو المظلوم والمعتدى عليه.

هناك بحث في الفقه الإسلامي يصنف تحت باب يسمى الصيال، يبحث هذا الباب في الدفاع المشروع عن النفس أو العرض أو المال ويشمل الدفاع عن نفسه أو عن غيره.

ما يعنينا الآن هو الدفاع عن العرض حتى نتمكن من مناقشة الحالة الثالثة للقتل بدافع الشرف.

سأنقل لكم الآن رأي الفقهاء المجتهدين حول قضية الصيال:
أجمع الفقهاء على أنّه يجب على الشخص دفع الصّائل – أي المعتدي - على عرضه وعرض غيره، لأنّه لا سبيل إلى إباحته، ومثل الزنا في الحكم مقدماته كالقبلة والمعانقة في وجوب الدفع حتى لو أدى إلى قتل الصّائل فلا ضمان عليه.

وطبعاً المفهوم من هذا الكلام هو محاولة رجل معتدي (صائل) اغتصاب امرأة رجل آخر (أو أخته أو ابنته أو حتى قريبته...إلخ) فالواجب على زوج تلك المرأة أو أخيها أن يدافع عنها ويصد ذلك المعتدي، وطبعا دفع المعتدي ليس فقط عن عرضه بل حتى عن عرض غيره كجاره مثلاً.

و المرأة المصول عليها من أجل الزنا بها، يجب عليها أن تدفع عن نفسها إن أمكنها ذلك، لأن التمكين منها محرّم، وفي ترك الدّفع نوع تمكين، فإذا قتلت الصّائل عليها - ولم يكن يندفع إلا بالقتل – فليس عليها شيء.

ولو قتل الرجل رجلاً، وادعى أنه وجده مع امرأته، فأنكر ولي المقتول فالقول قول الولي، لما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه سئل عن رجل دخل بيته، فإذا مع امرأته رجل، فقتلها وقتله، قال علي: إن جاء بأربعة شهداء – ليثبت إدعاءه عليهما بالزنا -، وإلا فليعط برمّته – أي يقع عليه القصاص -، ولأن الأصل عدم ما يدعيه، فلا يسقط حكم القتل بمجرد الدعوى.

نلاحظ من الصور السابقة أن الحديث بالمجمل كان عن الصيال بمعناه الحقيقي وهو اعتداء رجل على عرض رجل آخر، ولم يكن الحديث عن قتل بل عن دفع فإن لم يكن الصائل يندفع إلا بالقتل فلا شيء على الدافع، وكل الصور السابقة تركز على الرجل الصائل والمرأة بهذه الصور هي ضحية ولكن هناك حالة خاصة جداً من هذا الباب فيما لو أن الزنا تم برضى المرأة، وهذا ما نراه في الخبر المروي عن علي رضي الله عنه والقصة التي جرت بزمانه، فنجد أن علياً قد حكم بهذه المسألة فوجد أنه من حق الرجل أن يدافع عن عرضه ولكن بشرط أن يثبت الواقعة بالشهود كما رأينا.
إلا أنّ الفقهاء اختلفوا في البيّنة – الإثبات -:
فقال الجمهور: إنها أربعة شهداء، لخبر عليّ السّابق، ولما ورد أنّ سعد بن عبادة رضي الله عنه قال: يا رسول الله، أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلاً أأمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: نعم.

وفي رواية عند الحنابلة أنه يكفي شاهدان، لأن البينة تشهد على وجود الرجل على المرأة، وليس على الزنا.
والآن لنتحدث عن المسألة التي تهمنا في هذا السياق بناءً على ما سبق:
دفاع الرجل عن عرضه وكرامته مشروع ولذلك لو ضبط رجلاً وهو متلبس بحالة زنا مع زوجته برضاها فقتله أو قتلهما – لأنها مكنته من الزنا بها فهي بهذه الحالة بموضع المعتدي على العرض بزناها – فيكون الزوج في هذه الحالة بحالة دفاع مشروع عن العرض وتسقط عنه عقوبة القصاص بشرط أن يثبت الواقعة بالشهود، إما شاهدين – على قول بعض الفقهاء – أو أربعة شهود على قول الفقهاء الآخرين.

ونلاحظ أنه لا معنى لأن يقتل زوجته وحدها ويترك الرجل الزاني بها لأن الرجل الزاني بالمرأة هو الصائل الحقيقي وتكون الزوجة شريكته في الصيال لو أن الزنا تم برضاها.

ماذا نستنتج مما سبق؟؟
نستنتج أنه حتى الحالة الثالثة للقتل بدافع الشرف إذا لم يأت القاتل بإثبات يثبت صحة ادعائه بضبطه زوجته تزني مع رجل غريب ورآها رأي العين وقام بقتلهما في نفس اللحظة دون تأخير فيقع عليه القصاص في القتل وتكون عقوبته الإعدام، والإثبات كما ذكرنا هو شاهدا عدل على الأقل يشهدان بصحة إدعائه، وفي حال أتى بالإثبات فحينها ليس عليه شيء لأنه ارتكب فعل القتل وهو بحالة دفاع مشروع عن العرض مع عدم إغفال فقد السيطرة على التصرفات التي تصيب من يرى أن كرامته وشرفه وعرضه قد دنس أمام ناظريه، فالقتل هنا هو رد فعل آني لا واع من القاتل بسبب فورة النخوة والإحساس بانتهاك الكرامة وفورة الدم الآنية التي تحجب التفكير العقلاني والمنطقي وتفقد السيطرة على التحكم بالتصرفات للثأر لكرامته وعرضه وشرفه، طبعاً مع التأكيد على قضية أن القتل تم في اللحظة التي ضبطهما وهما متلبسان في حالة الزنا أما لو ارتكب جريمته بعد مرور وقت وزمن وانتهت واقعة الزنا وانتهى وضع التلبس والجرم المشهود فهذا لا يعطيه العذر.

ومن هنا نجد شرعاً أنه في حال ضبط الرجل زوجته وهي متلبسة بحالة زنا مع رجل آخر ولا يوجد شهود يشهدون على الواقعة فليس له أن يقتلهما حتى لا يعرض نفسه للقصاص، وهنا له أن يتقدم أمام القضاء بدعوى الملاعنة وهي أن يحلف أمام القاضي أربعة أيمان بالله أنه رأى زوجته تزني ويحلف يميناً خامساً أن لعنة الله عليه إن كان كاذباً، فيستدعي القاضي الزوجة فإن أقرت أقيمت عليها عقوبة الزنا، ولكن يمكنها أن تنكر التهمة بأن تحلف أربعة أيمان بالله أن زوجها كاذب باتهامه وتحلف يميناً خامساً أن غضب الله عليها إن كان صادقاً، وحينها لا يقع عليها شيء من العقوبة ويحكم القاضي بالتفريق بينهما.

من كل ما سبق نجد أن مفهوم جريمة الشرف السائد الآن هو مفهوم مغلوط ومبني على عادات بالية لا أساس لها ولا قداسة، والنسبة الساحقة من الجرائم التي تقع في مجتمعنا بدافع الشرف هي جرائم قتل حقيقية يستحق مرتكبوها أقسى العقوبات وهي الإعدام، وطبعاً حكم هؤلاء الشخصين الذين قتلا أختهما شرعاً هو القصاص والإعدام لأنهما سفكا دم أختهما بكل وحشية وبدون وجه حق، ناهيك عن أن محركهما مجرد الشبهة فلا أدري من أعطاهما حق سفك دم هذه الفتاة ومن نصبهما قاضيين وجلادين عليها وحتى لو أنها كانت قد وقعت بخطأ شائن فهل هما ممسكان رحمة الله وغفرانه عن هذه الفتاة؟ وهل باب التوبة مغلق دونها لأنها فتاة فقط؟؟

في هذا السياق لا بد أن ندعوا إلى ضرورة تثقيف الجيل الناشئ وتخليصه من العادات البالية التي لا يقر بها دين ولا مبدأ أخلاقي، فكم وكم من جرائم ترتكب تذهب ضحيتها عشرات النساء تحت ذرائع ومبررات لا يمكن القبول بها ولا تستند إلا لعادات همجية، يجب علينا أن نخلص مجتمعنا من تلك العادات البالية من خلال توعيتهم وتذكيرهم بالمبادئ السامية التي تدعوا إليها الأديان، ومن خلال نشر الثقافة البناءة والواعية، فمثلاًُ من أبشع العادات البالية تلك العادة التي ما زالت منتشرة في بعض المناطق وهي عادة المحرمة عند ليلة الدخلة بيوم الزفاف حيث تقف النساء والرجال أمام باب العروسين منتظرين خروج الفارس المغوار ليريهم الدم المهراق على قطعة القماش معلناً أنه انتصر بمعركته وحينها تنطلق زغاريد النساء وطلقات بندقيات الرجال، وكم وكم من فتاة قتلت ظلماً وعدواناً لأن البطل المغوار انتظر شلال الدم المهراق ولم يحظ بقطرة منه فراحت الشكوك والاتهامات تنهال على الفتاة البريئة وتنال من عفتها ليكون ذلك مبرراً بشعاً لقتلها، دون أن يكون لدى أولئك الجهال أدنى ثقافة جنسية تخبرهم أنه ليس كل الفتيات تنزفن في ليلة الدخلة بسبب الأنواع العديدة لغشاء البكارة فهناك أنواع من أغشية البكارة لا يمكن أن يحدث معها نزيف بسبب بنيته المطاطية التي تجعله مرناً غير قابل للتمزق وكذلك هناك أنواع من أغشية البكارة يكون رقيقاً جداً ولا يحدث تمزقه نزوفات دموية مرئية، لكن هذه المعلومات تغيب عن أذهان بعض الهمج فيسارعون إلى سكاكينهم وبندقياتهم ليهرقوا دم فتاة بريئة بكل ما تعلمهم الوحشية والهمجية من طرق بشعة في القتل.

في النهاية أسجل مطالبتي للمعنيين بالأمر بضرورة الأخذ بزمام المبادرة والتي تخص موضوع جرائم الشرف وذلك بتطبيق عقوبات رادعة وصارمة تسد الذرائع على من يستغلون هذا القانون لارتكاب جرائم بشعة بحق النساء، فلا يحق لأحد أن ينصب من نفسه حكماً وجلاداً على امرأة مهما يكن الخطأ الذي ارتكبته تلك المرأة شائناً فالله غفور رحيم والرجال والنساء سواء بسواء أمام الله في الثواب والعقاب، ناهيكم عن الأعداد الكبيرة من النساء اللاتي يقتلن وهن بريئات وقد قتلن بدافع الشبهة ليس إلا، فأظن أن الوقت قد حان لنضع حداً لتلك الجرائم البشعة التي تقع.


ثبت الجنان، (القول الفصل فيما يسمى جرائم الشرف)

تنشر بالتعاون مع موقع "عكس السير"، (19/12/2009)

0
0
0
s2smodern