جرائم الشرف

سبق أن قلنا أن مشكلة جرائم الشرف في سورية، من الناحية القانونية، لا تتعلق بتفصيل أو آخر، ولا تتعلق بتعديل في الصياغة، بل هي قائمة أصلا على مبدئين أساسيين:

- حق القصاص (العقاب) هو حق حصري للدولة لا يجب التنازل عنه لأحد تحت أي ظرف.
- قتل الشرف هو قتل مبني على أساس التمييز الجنسي، وليس على أي أساس آخر.

 توصيات الملتقى الوطني حول "جرائم الشرف" 
من هنا، فإن التعديل الذي جرى مؤخرا، وطال المادة 548 من قانون العقوبات، لم يحل أي من المشكلتين السابقتين. فهو أولا تناول واحدة من مادتين هما "وساما الشرف" الذين يمنحان للذكور كلما قتلوا الإناث. وهذا التعديل لم يعدل حتى من طبيعة العقوبة. فمن المعروف أن الإجراءات الروتينية في التحقيق، ومن ثم في القضاء، تستهلك وقتا نادرا ما يقل عن سنة أو سنة ونصف. وبالتالي فإن حد السنتين كحد أدنى للعذر المخفف هي مجرد مناورة بحيث بقي العذر المحل ولكن تحت مسمى مختلف. بل حتى هذه المناورة حددت أن يكون هذا الحد الأدنى في حالة القتل. أما إذا صادف أن الفتاة لم تمت، ومهما كانت نتيجة محاولة قتلها، فإن القاتل يمكن أن يحصل على عقوبة قانونية بلا حد أدنى. يعني يمكن أن تكون يوما واحدا على سبيل المثال!

المسألة الثانية في التعديل أنه لم يطل المادة الأكثر خطورة في "جرائم الشرف"، والتي يستفيد منها العدد الأكبر من القتلة في سورية، وهي المادة 192 من قانون العقوبات السوري التي لا تضع أصلا أي اعتبار غير اعتبار أن يدعي القاتل أنه ارتكب جريمته النكراء بذريعة "الشرف"! وهو ما يحدث يوميا في سورية. فرغم الإحصاءات الرسمية التي أعلنت العام الماضي وقالت أن الجرائم المسجلة في سورية تقترب من 50 حالة سنويا، نعتقد أن العدد الحقيقي هو أكبر من ذلك بكثير. ويصل إلى نحو 200 جريمة.

إذا فإن مشكلة "جرائم الشرف" لا تحل بتعديل عابر، بل لا بد من معالجتها معالجة جذرية تقوم أولا على إلغاء تام بدون أي تحفظ للمادة 548، مهما كان اسمها، ووضع حظر نهائي على استخدام المادة 192 في أي جريمة بذريعة الشرف، إضافة إلى سلة المقترحات التي وضعها الملتقى الوطني حول جرائم الشرف، والتي تشكل مسارا متكاملا وصحيحا من أجل القضاء على هذه المشكلة نهائيا.

اليوم، نشر موقع "سيريانيوز" أخبار جريمة أخرى بعد سلسلة جرائم حدثت بعيد تعديل المادة 548 مباشرة، وتناولتها العديد من وسائل الإعلام (وهو ما يؤكد أن الحاجة هي إلى معالجة جذرية وليس إلى تعديلات)، قال فيها الزميل باسل ديوب الذي رصد الجريمة أنه تم قتل الفتاة "هناء -س" من قبل شقيقها الذي سلم نفسه للشرطة بحلب مدعيا أنه قتلها غسلا للعار.
وكانت الضحية "هناء"، حسب الزميل باسل، قد عادت إلى بيت أهلها من بيت زوجها إثر خلافات شديدة بينهما، وكانت قد تعرضت لضرب شديد من قبل أخيها منذ عادت إلى بيت أهلها، بينها مرة حضرت فيها الشرطة بناء على شكوى الجيران.
ولم يذكر الزميل باسل تفاصيل أخرى حول ما قصده القاتل بأنه قتلها "غسلا للعار".

"جرائم الشرف" في سورية، المؤيدة من القانون، ومن الحكومة السورية التي برهنت خلال السنوات الماضية عن وقوفها بحسم ضد النساء السوريات، وعبرت في مشروع القانون الاسود الأخير عن نواياها الكامنة في جعل النساء السوريات مرضعات مأجورات ومقدمات متعة، وهي الجرائم المؤيدة أيضا من رجال يدعون أنهم رجال دين، بينما هم في الحقيقة تجار للدين لا يهمهم سوى المزيد من الإثراء والسلطات على حساب المؤمنين الباحثين عن الصدق. ولا يهمهم أن تسحق النساء السوريات تحت وطأة ذكوريتهم، ولا مانع يردعهم من مئات الآيات التي تؤكد المساواة بين الرجل والمرأة، بين المؤمن والمؤمنة، ويسعون إلى تفسيرات باطلة لتجعل من المرأة عبدة لنزواتهم الجسدية (جنسية وتناسلية وغيرها)..
هذه الجرائم لا تنفع معها محاولات لتعديل هنا أو هناك، بل فقط وقوف المجتمع السوري، الحكومة السورية، صفا واحدا ضد هذه الجرائم، وأول ذلك هو تطبيق تام ودقيق وصارم لتوصيات الملتقى الوطني حول جرائم الشرف الذي عقد في تشرين أول 2008.
بل إنه يجب أن تشمل العقوبة جميع المحرضين على القتل، سواء كانوا من أقارب الجاني، أو كانوا شخصيات اعتبارية مثل مسؤوليين ومسؤولات في الحكومة، رجال دين، مدرسين في الجامعات. بل إن العقوبة يجب أن تشدد على هذه الشخصيات الإعتبارية وتنفذ فورا بسبب من تأثيرهم الخاص على الناس.


نساء سورية، (القتل باسم الشرف مستمر، وحماية القتلة قانونيا مستمرة!)

خاص: نساء سورية

0
0
0
s2smodern