جرائم الشرف

أصدر السيد الرئيس بشار الأسد في الأول من تموز الجاري، المرسوم التشريعي رقم 27 لعام 2009 القاضي بإلغاء المادة 548 من قانون العقوبات والاستعاضة عنها بالنص التالي:
"يستفيد من العذر المخفف من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته، في جرم الزنى المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر، فأقدم على قتلها أو إيذائها أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد على ألا تقل العقوبة عن الحبس مدة سنتين في القتل".

يعدّ إصدار المرسوم التشريعي هذا خطوة إيجابية تسجل لسورية في التصدي لمناهضة العنف ضد المرأة، والاقتراب من نصوص قانونية خطيرة ومتجذرة تحمل الكثير من الملفات التي ينبغي إعادة صياغتها بجرأة ومسؤولية بهدف إعلاء سيادة القاون أولاً، وإدانة المجرم ثانياً. ونلاحظ أن المادة 548 ومضمونها لم يتم إلغاؤهما تماماً، بل رفع إدانة القاتل من أشهر إلى سنتين في حال حدوث الجريمة.
وكان من المتوقع أن يصدر المرسوم باعتبار الجريمة الواقعة تحت ذريعة "الشرف" جريمة كاملة بكل المعايير، يحكم على مرتكبها بالعقوبة اللازمة، بناء على أساس محاكمة موضوعية موثقة بالأدلة، لتكون رادعاً في وجه القاتل وحماية الضحية التي هي المرأة.
والسؤال: هل يكفي السجن سنتين فقط لمجرم قتل روحاً بريئة، مهما كان نوع الدافع لهذا الفعل؟ إنه عمل يجسد الاعتداء الفعلي على حقوق الإنسان وكل المواثيق الدولية الإنسانية التي أقرتها سورية. وتكمن وراء هذه الجرائم أسباب مختلفة منها:
* محاولة تزويج الفتاة بالإكراه من شخص لا تحبه.
* الطمع في نصيبها الشرعي من الإرث.
* الرغبة والغريزة في التحكم بحياتها كأنثى.
* الأخلاق والعادات المذمومة والمتخلفة.
* الاندفاع الأعمى الجنوني حالة سماع أخبار ملفقة دون التأكد منها.. إلخ.
* سفاح ذوي القربى والتخلص من الضحية.
فالقوانين يجب أن تتغير وفقاً للمقتضيات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فلماذا تبقى الأمور الحياتية المتعلقة بالمرأة والعائلة السورية متأرجحة ما بين الواقع المعيش وقوانين الأحوال الشخصية وقانون العقوبات، الذي صدر قبل ستين عاماً ليستمر في فرض تشريعات على المجتمع الذي أصبح مختلفاً جذرياً. ولم يعد من المقبول أبداً عقلاً ومنطقاً وواقعاً اجتماعياً واقتصادياً استمرار العمل بأحكام المادتين 548 و192 ويجب حذفهما من قانون العقوبات.
فالمادة 548 أعطت الحق لنصف المجتمع بقتل نصفه الآخر، وقسمته إلى قسمين: مجرم وضحية، وخرقت بشكل مريع جميع المواد الدستورية وقوانين الجزاء والعقاب بمنحها الرجل امتيازاً غير مبرر وغير منطقي لأخذ حقه بيده وغسل عاره بنفسه، وتكريس شريعة الغاب. فهو القاضي والجاني والحكم، وهو يمتلك السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية. (من مداخلات الملتقى الوطني لجرائم الشرف المنعقد في سورية عام 2008 بحضور ممثلين عن وزارتي العدل والأوقاف ونقابة المحامين والمفتي العام للجمهورية العربية السورية وعدد من أعضاء مجلس الشعب والهيئة السورية لشؤون الأسرة والمنظمات النسائية الأهلية).
أما المادة 192 التي تعد الدافعَ الشريف سبباً مخففاً للعقوبة، فهي تتيح لفاعل الجريمة أن يستفيد من العذر المخفف في حال ارتكابها. فالعذر المحل موجود في أغلب القوانين العربية التي تتعامل مع الرجل والمرأة على حد سواء، بينما قانون العقوبات السوري يتعامل مع العقوبة المقررة للجرم الواحد بشكل مختلف. والسؤال: لماذا جميع ضحايا جرائم الشرف من الفتيات أو النساء؟ فهذه الجرائم فيها شريك من الرجال، وقلما يكون مصير هذا الشريك نفس مصير الفتاة، فهو يُترك لشأنه غالباً، وهو تمييز واضح ضد المرأة، وهذا يتناقض مع التشريع والمنطق الإنساني وعدم اعتبار المرأة إنساناً لها من المشاعر والكرامة والكبرياء ما يماثل الرجل على الأقل أو ما يفوقه.
وهناك الحالة المريبة، حالة الشك والاشتباه، التي جرى النضال منذ سنوات من أجل إزالتها من قانون العقوبات، فهي حالة عامة جداً لا يمكن تأطيرها بحدود واضحة، كما يتصف القانون عادة. فالحالة المريبة منافية للقاعدة القانونية، والشك يفسّر لمصلحة المتهم، فلا جريمة دون يقين، ولا عقوبة دون جريمة، وأصبح من غير المقبول بقاء ما يسمى حالة الريبة في القانون، بينما جميع القوانين العربية خلو منها والذي يبرر ضرورة حذفها:
* صعوبة تحديد ماهية الريبة وصعوبة إثباتها.
* استغلال هذه المادة في القانون للتخلص من مسؤولية الضحية، ومنها:
- رؤية الفتاة أو المرأة في مكان ما مع شخص ما وقد يكون ذلك مصادفة.
- خروجها من المنزل دون إذن وتحديد الجهة التي تذهب إليها.
- تصديق بعض الأفكار الملفقة ضدها نتيجة الدس والافتراء.
وأخيراً لايوجد شيء اسمه جرائم شرف، وإنما هو من المصطلحات التي عرفت بين الناس، ويُقصد بها كل جريمة يرتكبها شخص باسم الشرف أو بدافع منه.
ومصطلح جرائم الشرف يحمل تناقضاً غير منطقي، فهو يضيف الشرف الذي هو القيمة التي يكسبها الإنسان نتيجة التزامه المبادئ السامية أو المثل العليا التي تمثل الجريمة التعبير العملي لمدى الانحطاط الأخلاقي والقانوني لدى الفرد أو المجتمع.
وهل يحتاج مجتمع يسعى نحو التنمية والتطوير والتحديث إلى غسل العار فعلاً؟ أم إلى غسل العقول التي أصبحت عاراً على مجتمعنا من المنظور الإنساني؟


زينب نبّوه، (جريمة وشرف متناقضان يلتقيان على خرق الدستور وحقوق الإنسان)

تنشر بالتعاون مع جريدة "النور"، (15/7/2009)

0
0
0
s2smodern