جرائم الشرف

هل هنالك قانون في الارض يبرر لقاتل جريمته على مستوى الشبهة أن المقتول اقترف ذنبا ما؟ لا نتحدث هنا عن جريمة مكتملة الأوصاف، بل عن مسألة نسبية أصبحت، بحكم العرف، قضية منتهية! وباتت بحاجة إلى معالجة جذرية.

إنها ما يعرف بـ"جريمة الشرف". والتناقض يبدأ من العنوان بحد ذاته. فكيف يمكن أن يجتمع الشرف مع الإجرام؟! ومن يحدد بالضبط معايير "الشرف"؟ وهل السرقة، على سبيل المثال، وتحت أي عنوان، هجرت قاموس الشرف صحبة مفردات أخرى؟ وهل اختصر جسد المرأة مسالة الشرف برمتها حتى أصبح ما دون ذلك من موبقات مسألة تقبل الجدل؟!

لنتوقف عند هذه الظاهرة التي تنتشر في المجتمع السوري. فهنالك مادة في القانون السوري أجمع من يهتم بهذا الشأن أنها مادة تسللت إلى أروقة المحاكم ذات ليلة من ليالي الاستعمار الطويلة.. المادة تعطي الجاني، والذي يتمتع بكثير من "الشرف" كما يدعي، الحق في إزهاق روح إنسان آخر إن اشتبه بوقوع فعل الزنا!
ولو نعلم هنا أن التشريع الإسلامي قد نص على جلد الزاني والزانية متلبسين، وبالدليل القاطع، مئة جلدة! فهل مئة جلدة في أزمان غابرة يعادلها اليوم عملية القتل؟!
من أين جاء هذا التشريع اذن ؟!

وما يزيد الأمر غرابة أن التشريع ذاته فرض عقوبة قطع اليد على السارق! فما المعادل اليوم لقطع اليد؟!!
يلاحظ هنا أن العقوبة على فعل الزنا جاءت في التشريع أخف وطأة من العقوبة على جرم السرقة! وان كانت عقوبة قطع اليد لم يتم العمل بها لسبب أو لآخر فلماذا تم مضاعفة درجة عقوبة الزنا؟ ومن أين جاء هذا الحق بالقتل؟
ألا تحتاج القوانين السورية إلى ثورة تشريعية وخاصة في مسائل تتعلق بحياة الإنسان؟! وإذ لا يمكن بأي شكل أن يكون فعل السرقة الذي يتم تحت جناح الفساد، أي "الشطارة"، مبررا لا من الناحية القانونية ولا الاجتماعية ولا الأخلاقية، بل أكثر من ذلك فقد تبلور لدينا في المجتمع السوري فكرة تقول بأن من تتاح له فرصة للإثراء ولا يستغلها بأي وسيلة كانت هو "غبي وساذج وليس ابن هذا الزمان"! وان تم القبض على أي فاسد متلبسا فالعقوبة.... مدعاة للسخرية! فهي لا تتعدى "كف يد السارق" وفصله من العمل! ربما ليتسنى له الوقت ليتمتع بما سرقه! أما إذا كان هذا السارق أو الفاسد نفسه قد ارتكب "جريمة الشرف"، فيصفق المجتمع له ويعتبره بطلا ومثلا، حتى ولو كان زانيا!

لقد بلغ العري الأخلاقي في المجتمع حدا كبيرا. إذ لا يقتصر الأمر على "أنسنة" السرقة وتشريعها، بل امتد إلى أمور شائنة أخرى!
ومازالت مسألة الشرف صامدة وعصية على الفهم، بل تحظى بشعبية اجتماعية تتعاظم مع الوقت! ولا يمكن انتظار أن يقوم المجتمع بتقويم نفسه منفردا.
من هنا تبرز ضرورة تحرك المشرعين لفرض قانون يلغي هذه المادة التي تعطى أسبابا تخفيفية للقتل بدافع الشرف، إذ لن يأتي اليوم الذي يعترف فيه المجرم بفداحة فعلته، بل هناك ضرورة دائما لوجود من يلف الحبل حول عنق القاتل.


آصف محمد، (تصبحون على شرف!)

خاص: نساء سورية

0
0
0
s2smodern