جرائم الشرف

مفهوم الشرف في العرف العام.. وبعد أن حصره التخلف الاجتماعي والثقافي في أوضاع المرأة حتى صار صداعاً مزمناً يعاني منه مجتمعنا العربي وبالطبع يلبس الشرف في معظم الأحيان ثوب الجنس نتيجة التربية التي كل من يتلقاها الذكر والأنثى في مجتمعنا فيضيق حتى يصل إلى مجرد نسيج واهٍ كبيت العنكبوت ويصير يرمز إلى الشرف المقدس وشرف العائلة وربما تجاوز مفهوم الشرف لدى البعض المتخلف إلى مجرد حديث عابر بين شاب وفتاة أو علاقة حب بريئة تثير لدى هذا البعض المتخلف الشبهة وتؤدي إلى موت الفتاة.

لا لجرائم الشرف
فيأخذ الشرف مفهوماً مزدوجاً فالذكر غير الشريف هو السارق والنصاب والمحتال وفيما عدا ذلك فهولا يعاب حتى لو مارس الجنس مع مئات النساء وأغوى العشرات بوعود كاذبة ويحمد الله أنه لا يملك غشاء بكارة. أما المرأة فعلى العكس يمكن أن تسرق وتقتل وتبقى مقبولة وشريفة طالما بقيت تصرفاتها ضمن إطار المفهوم الذكوري للشرف.
ولان هناك اعتقادا متوارثاً متخلفا بأن للرجل سلطة على المرأة فهو لازال يرصد تحركاتها وسكناتها ويراقب تصرفاتها ويخضعها لأحكام ومفاهيم عفا عليها الزمن وتخلفت عن ركب الحضارة.
ولا تزال بعض العادات والتقاليد البالية التي لا نجد لها مرجعاً دينياً ولا إنسانياً تفعل فعلها في الحد من انطلاقة المرأة إلى رحاب الحياة الإنسانية وفق ما تحمله كلمة إنسانية من معانٍ، وتمارس عليها أشكال مختلفة من الضغوط والعنف والتهميش والسلب لحقوقها في جميع مجالات الحياة الإنسانية ولعل من أبرز تلك الممارسات ما أصطلح على تسميته اجتماعيا بجرائم الشرف.
وجرائم الشرف وفق العرف الاجتماعي هي تلك الجرائم التي يزعم الفاعل أنه ارتكبها غسلاً للعار وباسم الشرف أو بذريعة الدفاع عن الشرف وإذا نظرنا إلى هذا المصطلح وجدناه ينطوي على تناقض كبير فهو يربط الشرف باعتباره القيمة التي يكسبها الإنسان نتيجة التزامه بالقيم والمبادئ والأخلاق النبيلة مع الجريمة التي تمثل التعبير لمدى الانحطاط الأخلاقي والاجتماعي والقانوني لدى الفرد والمجتمع.
والشرف مفهوم نسبي أختص به الإنسان دون سائر مخلوقات الله ولكل مجتمع إنساني مفهوم وقيم وقواعد تتوافق مع مفهومه للشرف.
فالإنسان مذ أوجده الخالق في أحسن تقويم كما بين في كتابه الكريم "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم.. التين4" وزوده بالعقل ليقيم مجتمعاً إنسانياً يليق بكرامته كما كرمه الله ولينسجم بسلوكه مع قوانين الخلق والحياة وسنن الكون والطبيعة كما سنها الخالق الذي جعل الخلق والحياة لجميع مخلوقاته الحية يصدران عن زوجين ذكر وأنثى "سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون.. يس 16". وبين أن الذكر والأنثى مخلوقان من نفس واحدة وأن لكل منهما نفس القيمة كإنسان "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها.. النساء 1".
إذاً فالذكر والأنثى متساويان بالحقوق حسب سنن الخلق كما سنها الله وكل ما يخالف وناقض سنن الخلق في سلوك الإنسان أو نظام المجتمع يؤدي إلى الظلم والظلام.
وتعتبر جرائم الشرف إحدى السلوكيات الاجتماعية التي تخالف وتناقض شرع الله وسنن الخلق، عندما تبيح للذكر قتل الأنثى تحت شعار غسل العار حتى لمجرد الشبهة بسلوك لم يعجب الذكر المعني.
أن مجتمعنا يحمل تناقضاً كبيراً بين أقواله وأفعاله بين ما يجوز وما لا يجوز. ففي حين يتخلى الذكر عن شرفه إذا وجد من تشاركه، أو لإتمام صفقة بيع ابنته باسم الزواج من ثري عربي مسن يمكن أن يكون أكبر من والديها، نجد هذا الرجل ذاته غسل عاره على حد زعمه إذا أقامت ابنته علاقة ولو بريئة لا تتوافق مع مفاهيمه الذكورية المتخلفة، هذه العلاقة قد تكون مجرد مشروع للزواج أو حتى زواجاً بغير رضا الأهل أو ربما شكاً في السلوك أو حتى لمجرد ثرثرة سمعها من المحيطين به وكأن الشرف لا يخطر ببالهم إلا إذا تعلق بسلوك المرأة وهذا طبعاً يتوافق مع نزواتهم الذكورية دون أي اعتبار للمرأة كإنسان يستحق الحياة ويحق له ممارسة حياته الإنسانية بكل جوانبها.
فلازالت المرأة أسيرة سجن من العادات والتقاليد البالية التي تعتبرها ملكاً للرجل، ولا زال في يقيننا أن الشرف مرتبط بالمرأة وان خضوعا ودونيتها هو دليل عفتها وشرف عائلتها، ولا زالت الفتاة في مجتمعنا تواجه تناقضاً كبيراً في التربية، ففي الوقت الذي تحذر فيه من الجنس وأن الحديث فيه عيب وحرام وتحذر من الرجال ومن الاقتراب منهم. نربى من جانب آخر لتكون جسداً وكيف تزين هذا الجسد وتكسوه وتعريه ليجذب الرجل..!!!!!
فتتلقى الفتاة تربية متناقضة هي سلسلة من الممنوعات والعيب والحرام فإن هي اختلط عليها الأمر بين الممنوع والمسموح كانت عقوبتها القتل دون أن يرف جفن لقاتلها ودون أن يخشى عقوبة تنزل به، لأن القانون رخص له القتل ومنحه المجتمع وساماً من مرتبة الشرف من خلال مفاهيم اجتماعية متخلفة تمثل أبشع صور التمييز ضد المرأة وقد أيد القانون هذه المفاهيم بمواد قانونية لتصبح ذريعة تبيح للذكر المتخلف قتل الأنثى لمجرد الشبهة ففتح له الطريق من خلال إعفائه من العقاب وأعطاه الحق ضمناً لينفذ عقوبة إعدام الأنثى خلافاً لأحكام القانون والشرع وبدون محاكمة بل اعتمادا على مفهوم متخلف للشرف وبحجة الغيرة على الأخلاق والدين مع أن الشرع لا يقر عقوبة الإعدام في جرم الزنا مثلاً والذي يستخدمه القاتل حجة لقتل الأنثى.
أخيراً وقبل أن أختم هذه المقدمة أود الإشارة إلى أنني وأنا بصدد الحديث عن جرائم الشرف وفق المفهوم الاجتماعي المتخلف لا أدافع عن الزنا ولست مع الانحلال الأخلاقي لكنني أؤمن أن لكل إنسان حقه في الحياة ولكل جريمة عقاب فكل من يرتكب جريمة لابد أن يعاقب عليها ولا يعفى من العقاب بحكم القانون ولا يحق لأيٍ كان أن يسلب آخر حياته بأية حجة كانت، لأنه إن بقي الحال على ما هو عليه في ظل قانون يعفي القتلة من العقاب فإننا لن نخَرج مجرماً واحدا من السجن بعد عدة أشهر بل سنخرج أجيالاً من المجرمين الذين سيرتكبون هذا الفعل بحق أخواتهم وبناتهم وزوجاتهم دون أن يردعهم ضمير أو تثنيه عقوبة.

الباب الأول: جرائم الشرف في قانون العقوبات السوري
الفصل الأول: المقصود بجرائم الشرف:
إن المقصود بجرائم الشرف محل البحث هي الجرائم التي وردت في الفصل الأول من الباب الثامن من قانون العقوبات السوري تحت عنوان (الجنايات والجنح على حياة الإنسان وسلامته) وتحديداً البند الرابع تحت عنوان "العذر في القتل والإيذاء" المادة 548 بالإضافة إلى المادة 192 من قانون العقوبات المتعلقة بالدافع الشريف.
هذا ولا يوجد تعريف لجرائم الشرف في قانون العقوبات السوري ذلك إن هذا المصطلح هو تعبير اعتاد أفراد المجتمع إطلاقه عل الجرائم التي ترتكب بدافع الشرف بحكم العرف الاجتماعي وتذهب ضحيتها المرأة لأسباب عديدة كنت أشرت إلى بعضها في مقدمة البحث.
الفصل الثاني: يتناول المادة 192 والمادة 548 من قانون العقوبات السوري

 أولاً: المادة 192 من قانون العقوبات السوري:
تنص المادة 192 "إذا تبين للقاضي أن الدافع كان شريفاً قضى بالعقوبات التالية: الاعتقال المؤبد بدلاً من الإعدام، الاعتقال المؤبد أو لخمس عشرة سنة بدلا من الأشغال الشاقة المؤبدة، الاعتقال المؤقت بدلا من الأشغال الشاقة المؤقتة، الحبس البسط بدلا من الحبس مع التشغيل.. الخ".
يعتبر الدافع الشريف من بين الأعذار المخففة التي وردت في قانون العقوبات السوري.
ولم يعرف القانون الدافع الشريف وإنما عرف الدافع بشكل عام في نص المادة 191 من قانون العقوبات على أنه العلة التي تحمل الفاعل على الفعل أو الغاية القصوى التي يتوخاها.
إن قانون العقوبات السوري يريد أن يشَمل الدافع أمرين هما: 1- العلة. 2- الغاية القصوى.
فأما العلة فمحملها، انطباع نفسي وهي باعث أو قوة نفسية أو شعور باطني يحمل الإنسان على اقتراف فعل يجرمه القانون وهي عاطفة من تلك العواطف البشرية التي تحرك الإنسان وتدفعه للقيام بعمل ما كالطمع أو الانتقام أو المحافظة على الشرف أو الإيمان بعقيدة.. الخ.
وأما الغاية القصوى: فهي هدف نهائي ذو طبيعة موضوعية يريد الفاعل أن يصل إلى تحقيقها.
لكن متى يكون الدافع شريفاً ومتى يكون دنيئاً؟؟!! هذا ما لم يجيبنا عليه القانون..!!!!!
فالمادة 192 حددت كيفية تخفيف العقوبة في حال ما إذا كان الدافع شريفاً دون أن تحدد ماهية الدافع الشريف تاركة الأمر لمطلق تقدير المحاكم.
وقد عرفت محكمة النقض السورية الدافع الشريف بأنه: عاطفة نفسية جامحة تسوق الفاعل إلى ارتكاب جريمته تحت تأثير فكرة مقدسة (لديه)..!
و لم يترك مفعول الدافع الشريف لتقدير القاضي وقناعته بل نص المشرع عليه باعتباره سبباً مخففاً قانونياً لا بدَ من تطبيقه متى توفرت أسبابه ولا يؤثر في قيامه بعد المدة على وقوع الحادث وإن استطالت عدة أشهر ما دام المتهم قد علم به للتو ولم تهدأ عاطفته من آثار علمه بما وقع حسب ما جاء في اجتهادات محكمة النقض السورية.
إن اعتبار الدافع الشريف عذراً مخففاً ينبع من نظرة المشرع إلى شخصية المجرم وخطته في تخفيف العقاب على من تكشف ظروفه عن شخصية قليلة الخطورة، فمن يرتكب جريمة بدافع شريف يكون في العادة مشحوناً بعواطف اجتماعية نبيلة عرفاً.
هذا وقد اعتاد القضاء في سوريا على تطبيق مفعول الدافع الشريف وبالتالي تخفيف العقوبة إلى حدودها الدنيا فقط في الجرائم الواقعة على الأشخاص وتحديداً جرائم القتل أو الإيذاء المرتكبة بحق النساء من قبل ذكور العائلة تحت شعار غسل العار.
رغم أن للدافع الشريف طيفاً واسعاً ومفهوماً أشمل مما نحصره به إذ من الممكن أن يشمل كل حالة يكون الدافع فيها نبيلاً بعيدا عن الجشع والطمع والحقد والانتقام.
ورغم أن محكمة النقض قيدت هذا الحق واعتبرت أن الدافع الشريف هو حالة استثنائية في القانون لا يمكن أن يحمل إلا على أضيق معانيه لا أن يطلق جزافاً في التوصيف، إلا أن قضاءنا ما زال يستخدم الدافع الشريف لتخفيف العقوبة على كل من يدعي أنه قتل بذريعة الشرف.
لذلك وإلى أ ن نقتنع جميعنا قضاة ومحامون ورجال قانون أن الشرف لا يرتبط فقط بالمرأة فلا ندافع عن مجرم قتل أخته مثلاً لأنه رآها تتحدث مع رجل أو لأنها أحبت أو تزوجت دون رضاه والى أن نبحث عن الدوافع الحقيقية وراء جرائم القتل المرتكبة بحق النساء، إلى ذلك الوقت يبد أن محاكمنا ستبقى حافلة بهكذا جرائم لذكور يفاخرون بغسل عار تلبسهم منذ اعتقدوا أن الشرف مرتبط بالمرأة متناسين المعنى الحقيقي للشرف والأخلاق وناسفين كل سلوك أخلاقي في تعاملهم مع الغير.

ثانياً: المادة 548 من قانون العقوبات السوري:
- نص المادة 548
"1- يستفيد من العذر المحل من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد.
2- يستفيد من العذر المخفف إذا فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في حالة مريبة مع آخر.".
عددت المادة المذكورة أشخاص محددين إذا ارتكبت بحقهم أي من جرائم القتل أو الإيذاء من قبل أشخاص تربطهم بهم صلة قرابة معينة فإن هؤلاء القتلة يعاملون معاملة خاصة لجهة العقوبة على اعتبار أن جرائمهم تلك تقع تحت ما أصطلح على تسميه بجرائم الشرف.
فكل من يقتل زوجته- وهنا لا بد أن تكون الزوجية قائمة – أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته فإنه يستفيد من العذر المحل تارة أو المخفف تارة أخرى حسب الظروف التي فاجأهم بها.و هنا لابد من الإشارة إلى أن قراءة أولية للمادة المذكورة نلاحظ أن ليس ثمة فرق بين الذكر الأنثى في تطبيق أحكامها ولكن عندما أضاف المشرع كلمة وأخته أعتقد انه سد الطريق أمام أي احتمال لاستفادة المرأة من أحكامها وجاء التطبيق القضائي ليكرس هذه التفرق من خلال إعطاء الرجل الحق في الاستفادة من العذر المحل والمخفف وحرمان المرأة منهما وهناك العديد من الإثباتات على صحة ما أقول ربما كان آخرها أم قتلت زوجها عندما فوجئت به يغتصب بناتها فحكمت عليها محكمة جنايات دمشق بالسجن اثنتي عشر عاماً.
و برأيي إن التفريق بين الرجل والمرأة ليس له ما يبرره قانوناً باعتبار أن خطورة الإهانة وتأثيرها لا تقل بالنسبة للأنثى عما هي عليه بالنسبة الذكر..

ثالثاً: مصير العقوبة المقررة لجرائم القتل والإيذاء في المادة 548 ق. ع:
بما أن القانون عاقب على كل الجرائم المرتكبة بحق الأشخاص إيماناً من المشرع بضرورة العقوبة كأداة لردع المجرم وإصلاحه من جهة وردع أفراد المجتمع من جهة أخرى.
فإنه أيضاً عاقب على جرائم القتل والإيذاء المرتكبة بحق النساء الواردة في المادة 548 ق.ع إلا أن عقابه هنا كان أبعد ما يكون عن العقاب أقرب إلى المكافئة والتشجيع على ارتكاب هذا النوع من الجرائم بفعل المادة المذكورة.
فقد رتب المشرع عذراً محلاً وآخر مخففاً لمرتكبي جرائم الشرف وإن كان اشترط للاستفادة منهما معايير وضوابط محددة إلا أن هذه المادة رغم ذلك شكلت ثغرة خطيرة ومشينة في قانوننا إذ قلما تشدد قضاؤنا في التأكد من هذه الضوابط علماً أن ثمة فسحة أخرى للقاتل يخرج منها وهي المادة 192 ق.ع إذا هو فشل في الاختباء تحت ستار ال 548.

فما هي الأعذار المحلة والمخففة وما هي معايير وضوابط تطبيقهما في معرض المادة 548 عقوبات سوري؟!
1- الأعذار المحلة:
لم يعرف القانون السوري الأعذار المحلة وإنما نص عليهما في المادتين /239 و240/ من قانون العقوبات.
المادة 239 تنص (لا عذر على جريمة إلا في الحالات التي عينها القانون).
المادة 240 تنص (1- العذر المحل يعفي المجرم من كل عقاب.
2- على أنه يمكن أن تنزل به عند الاقتضاء تدابير الإصلاح والاحتراز ما خلا العزلة.)
و قد عرف الدكتور محمد الفاضل الأعذار المحلة في كتابه التشريع الجزائي بأنها: هي التي من شانها إعفاء الفاعل من العقاب على الرغم من قيام مسؤوليته.
و يبدو أن علة العذر المحل حسب بعض رجال القانون هي اعتبارات نفعية مستمدة من سياسة العقاب مبناها تقدير المشرع بان المنفعة الاجتماعية التي يجلبها عدم العقاب في حالات معينة تربو على المنفعة التي يحققها العقاب.
و لكن ألا يحق لنا أن نتساءل أية منفعة يحققها المجتمع من منح الرجل العذر المحل في جريمة قتل النساء سوى ازدياد عدد المجرمين وترسيخ فكرة أن المرأة ملك للرجل وإعطاءه الحق بسلبها حياتها، رغم أن الحياة هي أولاً وأخيراً هبة من الخالق فلا يجوز لأي سبب ولأي مخلوق كان سلب الحياة الإنسانية بقرار أهوج مبني على انفعال عاطفي لا يقوم على أساس منطقي ولا واقعي.
2- الأعذار المخففة:
 لم يعرف القانون الأعذار المخففة أيضا ولكن يمكن القول بأن الأعذار المخففة كالأعذار المحلة أسباب قانونية لكن ليس من شأنها الإعفاء من العقوبة بل تخفيفها فقط.
وقد عرف الدكتور الفاضل الأعذار المخففة بأنها الظروف المنصوص عنها في القانون والتي تستوجب تخفيف العقوبة المقررة قانوناً للجريمة.
و قد وردت الأعذار المخففة في قانون العقوبات السوري- إضافة إلى الفقرة الثانية من المادة 548- في المادة 241 والتي يبدو واضحاً من نصها أن تنزل بالمستفيد من العذر المخفف ما كان يتعرض له من تدابير الاحتراز ما خلا العزلة لو كان قضي عليه بالعقوبة التي نص عليها القانون وكذلك يقلب الجناية إلى جنحة ويمكن أن تستحيل الجنحة إلى مخالفة.
كما وردت الأعذار المخففة في نص المادة 242 ق.ع التي جاء فيها: (يستفيد من العذر المخفف فاعل الجريمة الذي أقدم عليها بثورة غضب شديد ناتج عن فعل غير محق أو على جانب من الخطورة أتاه المجني عليه).
و جدير بالذكر أن الواقعة الإجرامية إذا لم تستجمع شرائط العذر المخفف الخاص المنصوص عليه في لمادة 548 فقد تستجمع شرائط العذر المخفف العام الوارد في المادة 242 ضمن القواعد والأحكام العامة التي استنها قانون العقوبات السوري.
و لابد من الإشارة أخيراً إلى أن العذر الوارد في المادة 548 هو من الأعذار الشخصية ولذلك فلا يتناول مفعوله إلا الشخص الذي يتوفر فيه عملاً بأحكام المادة 215 من قانون العقوبات فإذا تعدد الجناة وانضم إلى الزوج مثلاً أشخاص آخرين من غير الذين ذكرتهم المادة 548 فإن حكم العذر يسري على الزوج فقط فاعلاً كان أم شريكاً أم متدخلاً وتطبق على الأشخاص الآخرين العقوبات الواردة في المواد الخاصة بجرائم القتل المقصود.
تلك هي العقوبة التي قررها المشرع لجرائم الشرف أو بالأحرى تلك هي المكافئة ولكن ما هي معايير وضوابط الاستفادة منها..؟؟؟!!

رابعاً: معايير وضوابط الاستفادة من الأعذار المحلة والمخففة في معرض تطبيق المادة 548 ق. ع:
لكي يستفيد مرتكب القتل أو الإيذاء - المذكور في المادة 548 – من الإعفاء من العقوبة أو على الأقل تخفيفها لا بد من توفر شروط معينة وضعها المشرع هي التالية:
1- صفة الجاني:
لا بد أن يكون الجاني متمتعاً بالصفة الزوجية أو بدرجة القرابة المذكورة في المادة 548 وحكمة الإعفاء من العقوبة هي الثورة النفسية أو الانفعال الشديد الذي يحدثه مشهد الخيانة الزوجية أو مشهد الصلات الجنسية غير الشرعية والتي ترتكبها الزوجة أو الأم أو الأخت مع شخص آخر.
وهنا لا بد من الإشارة إلى انه- وحسب الدكتور الفاضل وبعض شراح قانون العقوبات السوري – إن كلمة زوج وهي ترجمة لكلمة فرنسة conjoint تقبل التذكير والتأنيث وتطلق على الزوج وامرأته، فمن المحتمل أن تفاجأ الزوجة بزوجها في جرم الزنا وبالتأكيد هي لا تقل شعوراً بالثورة والانفعال والغيرة عن الزوج الذي يفاجأ زوجته في وضع مماثل.
و لكن لان مجتمعنا هو مجتمع ذكوري فقد جاء التشريع متمشياً مع هذه العقلية المتخلفة السائدة ومنحازاً للرجل ضد المرأة وجاء التطبيق القضائي ليكرس هذه النظرة من خلال أحكامه التي تقضي بحبس المرأة التي قتلت زوجها بعد أن فوجئت به يرتكب الزنا أو يقوم بأي عمل منافٍ للأخلاق سنوات وسنوات بينما تعفي الرجل من العقاب أو تعاقبه بالحبس عدة أشهر يمضيها على قدم واحدة كما يقال، يخرج بعدها منتصراً فخوراً بما اقترفت يداه دون أي شعور بتأنيب الضمير وكيف يشعر وضمير المجتمع بكامله متواطئ معه يدعمه ويشجعه على القتل والوحشية.
2- المفاجأة:
تقضي المفاجأة أن تنعدم لدى الفاعل مداركه العقلية والفكرية وهي شرط ضروري لا بد منه للاستفادة من أحكام المادة 548.
وعنصر المفاجأة هو عنصر ذهني أشبه ما يكون بالصدمة ويذهب البعض إلى تحديد العلة التي توجب استفادة الرجل من العذر المحل بأنه ثورة الغضب الشديد الذي يشعر به حين يفاجأ قريبته بجرم الزنا فيكون مؤدى ذلك أن تنتابه ثورة نفسية تفقده السيطرة على نفسه فيندفع إلى فعله غير مقدر لمخاطره.
إذاً لا بدَ من وجود المفاجأة أما التخطيط المسبق وترتيب الأجواء المناسبة لذلك لا تنطبق عليها حالة المفاجأة، هذا وقد استقر الاجتهاد القضائي على البحث في عنصر المفاجأة فقط فإذا انتفى العنصر لسبب ما انتفى معه تطبيق أحكام المادة 548 من قانون العقوبات، بصرف النظر عن مشاعره المتعلقة بالشرف وإن كان بإمكان الفاعل في هذه الحالة الاستفادة من أحكام المادة 192 المتعلقة بالدافع الشريف.
أي يجب أن يقع الفعل فور هذه المفاجأة أما إذا تراخى وقوع الفعل إلى ما بعد استرداد الجاني لهدوئه فيكون الفعل أقرب إلى الانتقام منه إلى الدفاع عن الشرف، ويعود تقدير الزمن الكافي لتهدئة ثائرة القاتل إلى مطلق تقدير المحاكم.
3- حالة التلبس بالزنا المشهود:
الزنا في الشريعة الإسلامية هو جماع جنسي بين ذكر وأنثى لا يربطهما عقد زواج شرعي.
و لم يورد المشرع السوري تعريفاً محدداً للزنا ولكن يمكن استنتاجه من خلال النصوص القانونية وذلك على النحو التالي "الزنا هو قيام علاقة جنسية غير شرعية بين رجل وامرأة بالغين راشدين".
لا بد لتوفر حالة الزنا من قيام علاقة جنسية بين رجل وامرأة خارج مؤسسة الزواج الشرعي والمقصود بالعلاقة الجنسية هي فعل الجماع الجنسي الطبيعي بين ذكر وأنثى دون سواه من الأفعال وعلى هذا فإن الأفعال الأخرى كالضم والتقبل والملامسة وغيرها من الأفعال لا تعتبر من الأفعال المكونة لفعل الزنا.
وبالعودة إلى المادة 548 لا بد أن يفاجأ من شهد الحالة الرجل والمرأة في الزنا المشهود أي أن يرى الفعل بشكل كامل ولكن يبدو أن الإجتهاد القضائي السوري قد نهج منهجاً مغايراً وخاصاً به فقد أستقر على أن المقصود بالزنا المشهود هو أن يشاهد الرجل والمرأة في ظروف لا تدع مجالاً للشك في أن الزنا قد تم.
و هو يختلف عن الجرم المشهود المعرف في المادة 28 من قانون أصول المحاكمات الجزائية والذي يقصد به الجرم الذي يشاهد حال ارتكابه.
و في الوقت الذي اشترطت فيه الشريعة الإسلامية لإثبات حالة الزنا وجود أربعة شهود عدل يشهدون أنهم شاهدوا الفعل بشكل كامل بأعينهم وهذا كان من المستحيلات رغبة في الحفاظ على الأخلاق وعدم السماح لأي كان بالمساس بها وقذف الغير بالسيئات دون بينة، رغم ذلك نجد أن المشرع الوضعي قد فتح الباب على مصراعيه لإثبات حالة الزنا دون أية أدلة وبشهادة شاهد واحد هو القاتل.
4- التلبس في صلات جنسية فحشاء:
الفحشاء أو الفعل المنافي للحشمة حسب محكمة النقض السورية هو كل فعل يرتكبه شخص مع آخر بصورة تلحق به عاراً أو تؤذيه في عفته وكرامته ويستوي في ذلك أن يكون هذا الفعل إرضاء لشهوة في نفس الفاعل أو في سبيل الانتقام.
و هنا لابد من الإشارة إلى أن المشرع عاقب في المادة 493 من قانون العقوبات على الفحشاء أو إجراء الفعل المنافي للحشمة بعقوبة أقصاها اثنتي عشرة عاماً في الوقت الذي سمح فيه بقتل الأنثى وهي المعتدى عليها أصلاً وبدون أية عقوبة أو بما لا يذكر من أشهر يقضيها في السجن حسب المادة 548 من قانون العقوبات، فأية عدالة هذه التي تتغنى بها..؟!!
5- الحالة المريبة:
حسب الفقرة الثانية من المادة 548 يستفيد من العذر المخفف مرتكب القتل أو الإيذاء الذي فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه في حالة مريبة مع آخر.
و الحالة المريبة هي الحالة التي تدعو إلى الشك والريبة وهي عبارة مطاطة تحتمل الكثير من التأويل والتفسير فما هو مريب لشخص قد لا يكون كذلك بالنسبة لآخر.
 ولأن المشرع لم يضع تعريفاً محدداً للحالة المريبة فقد ظل هذا المفهوم النسبي يستخدم على إطلاقه وكل حسب هواه ضد حرية المرأة في العمل والحياة، فربما اعتبر البعض مجرد وجود رجل وامرأة منفردين هما في حالة مريبة.
إذاً أليست كل فتيات ونساء سوريا هن في حالة مريبة وفق المفهوم الذكوري والنظرة المتخلفة طالما يخرجن من المنزل للعمل وللدراسة.
إنني أعتقد أن الإبقاء على هذه العبارة دون تحديد المقصود بها بشكل واضح وترك الأمر لمطلق أهواء وتصورات ذكور نصبهم المجتمع كمراقبين يشكل انتقاصًا سافراً لحرية المرأة وإنسانيتها ويمثل أبشع صور الظلم الممارس ضدها ويهدد حقها في الحياة وهو حق مقدس كفلته كل الشرائع السماوية والوضعية.
6- بغير عمد:
هذه العبارة التي ختم بها المشرع الفقرة الأولى من المادة 548 وتعني أن يتم فعل القتل أو الإيذاء بدون تخطيط مسبق لأنه يستحيل أن يجتمع العمد والمفاجأة في آن واحد، والعمد يعني أن يتم الفعل بعد أن يفكر المجرم فيما عزم عليه ويصمم على ارتكابه ويهيئ أداة الجريمة ثم يقوم بالتنفيذ وهو هادئ النفس مطمئن البال.
فمن يرتكب جريمة عن عمد وعن سابق إصرار وتصميم يعاقب وحسب القانون بالإعدام ومن ثم لا بد أن ينتفي العمد وبالتالي العلم المسبق في معرض تطبيق أحكام المادة 548 حتى يستفيد الفاعل من العذر المحل.
وهنا أتساءل كم من جريمة رتب الرجل لها وهيئ أجوائها للتخلص من زوجته أو إحدى قريباته رغبة في إرث ربما أو لأي سبب آخر دون أن يترك وراءه أي أثر ومطمئناً إلى وجود المادة 548 فيسرع إلى الشرطة ليقول أنه قتل بدافع الشرف ويبرئ مما اقترفت يداه ويتقاسم غنائمه مع شركاء لا يفقهون من الشرف والأخلاق إلا الاسم فهل من يعتبر؟

الباب الثاني:
الفصل الأول: نقد المادة 548 من قانون العقوبات السوري:
إن مفاهيم وأحكام هذه المادة تشكل انتهاكاً واضحاً وصريحاً لحق المرأة في الحياة وهو حق مقدس، وتمثل أبشع أشكال العنف والتفريق العنصري (إن صح التعبير) والتهميش الممارس ضدها، إن المادة 548 أحيت من جديد جريمة وأد البنات التي كانت سائدة أيام الجاهلية عندما أعطت الحق لنصف المجتمع متمثلاً بذكوره بقتل نصفه الآخر تحت شعار غسل العار قبل وقوع ما يسمى بالعار (لمجرد الشبهة).
هي بداية مادة لا دستورية، فقد خالفت أحكام الدستور في عدة نقاط، ففي الوقت الذي أكد فيه دستور الجمهورية العربية السورية في المادة 25 منه أن المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات كانت المادة 548 تكرس التفرقة بين الرجل والمرأة وتعزز فرضية أن الرجل متقدم على المرأة ويحق له ما لا يحق لغيره فيقتل ويزهق الروح دون أي عقاب يناله لا قانونيناً ولا اجتماعياً.
كما كفل الدستور في مادته ال 28 حق التقاضي وسلوك سبل الطعن والدفاع أمام القضاء لكن المادة المذكورة كفلت هذا الحق للذكر فقط عندما منحته الحق بأن يكون مدعياً وقاضياً ومنفذاً للحكم دون أن تتمكن الضحية من الدفاع عن نفسها ودحض التهم الموجهة إليها وكيف لها ذلك وهي جثة هامدة..؟؟!!
المادة 548 قلبت القاعدة الدستورية القائلة بأن كل متهم برئ حتى يدان بحكم قضائي مبرم لتصبح كل بريئة مدانة وبدون صدور حكم مبرم، وحده القاتل برئ حسب مفاهيم المجتمع الذكوري المتخلف.
ثم إن المادة 153 من الدستور تقول "تبقى التشريعات النافذة قبل إعلان هذا الدستور سارية المفعول إلى أن تعدل بما يوافق أحكامه".
أعتقد أن المادة المذكورة لم تعد تتوافق وأحكام الدستور فلا بعد من إلغاءها إضافة إلى أن قانون العقوبات الذي نحيا في ظله هو موروث عن القانون العثماني فهل سنبقى نحيا في ظل قانون لا يمت إلى مجتمعنا بصلة وضعه أفراد وفي ظروف تختلف كل الاختلاف عن ظروفنا الحالية؟.

و من جهة أخرى المادة 548 خالفت أحكام المادتين 419 و420 من قانون العقوبات اللتين أكدتا أنه لا يجوز للمرء استيفاء حقه بنفسه طالما أنه قادر على مراجعة السلطات القضائية، بعد أن جعل المشرع القضاء هو السبيل الوحيد والحصري لاستيفاء الحق ودفع الضرر.
أخيراً المادة 548 جاءت مخالفة لأحكام اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو) ومخالفة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان وخاصة المواد الأولى والثانية والثالثة والسابعة التي كفلت المساواة بين بني البشر جميعاً دون تفرقة وبغض النظر عن الجنس واللون والدين واللغة.
إن هذه المادة تتناقض مع كل الإعلانات والعهود والمواثيق والاتفاقيات الدولية والتي صادقت عليها سورية والمعروف أن المصادقة على أي اتفاقية دولية تعتبر نصوص هذه الاتفاقية أعلى مرتبة من القوانين الوطنية للدولة المصادقة ولا بد لهذه الأخيرة من مطابقة قوانينها وتكييفها مع هذه الاتفاقية وإزالة التعارض إن وجد.
الآن وبعد كل هذه الإثباتات على لا دستورية المادة 548 ولا قانونيتها ولا أخلاقيتها ولا إنسانيتها إضافة لترويجها لشريعة الغاب حيث القوي يقتل الضعيف أفلا تستحق منا إنسانيتنا إعادة نظر وتحركاً لوقف العمل بها..؟؟!!

الفصل الثاني:
الجهود المبذولة في مكافحة جرائم الشرف:
رغم أن وقتاً طويلاً مضى على صدور قانون العقوبات السوري متضمناً المادة 548 علماً أن هذا القانون استمد عن القانون الفرنسي الصادر عام 1810 والذي تعرض للإلغاء والتعديل في البلد الذي أصدره ومازلنا نحن متمسكين به خاضعين له بكل ما ورد به.
و رغم أن نساء كثيرات قتلن على مقاصل الشرف في مجتمع ذكوري متخلف، ورغم أن 200 امرأة سورية تقتل سنوياً بذريعة الشرف مع وجود أسباب حقيقية بعيدة كل البعد عن مفهوم الشرف (هذا العدد وفق مؤشرات خاصة بموقع نساء سوريا والعدد أكبر من هذا بكثير)، ورغم أن هذا العدد لا يشكل رقماً مهماً في رأي البعض، ورغم أن الكثيرين من أصحاب القرار مازالوا صامتين عن إدانة صريحة لهذه الجرائم.
رغم كل ذلك ثمة من تنبه وأدرك خطورة هذه المادة ومدى ما تبثه من تشجيع على القتل والإجرام فانطلقت عدة أصوات مطالبة بإلغاء المادة 548 ومناهضة جرائم الشرف وكل أشكال العنف الممارس ضد المرأة.
و لعل من أوائل تلك الأصوات تلك الصرخة التي أطلقها موقع نساء سوريا على شبكة الانترنيت بإشراف الصحفي بسام القاضي وبمشاركة العديد من الأصوات المؤمنة بقضية المرأة وذلك إثر مقتل هدى أبو عسلي في السويداء التي ذبحها ذووها لأنها تزوجت من خارج الطائفة.
و قد أطلق الموقع حملة وطنية لمناهضة جرائم الشرف وعمل على عقد عدة ندوات لإلقاء الضوء على هذه الجرائم في عدة محافظات سورية شارك فيها عدد من رجال القانون وعلماء الدين من مختلف الطوائف والمذاهب والجمعيات الأهلية.
و لازال الموقع يعمل في سبيل الوصول إلى قرار حكومي بإلغاء المادة 548 وغيرها من المواد التي تبيح العنف ضد المرأة.
هذا وعقد مؤخراً في دمشق ما بين 14- 16 تشرين الأول من عام 2008 الملتقى الوطني حول جرائم الشرف بتنظيم من الهيئة السورية لشؤون الأسرة وبمشاركة حكومية وقد أكد الدكتور محمد حبش وهو أحد المشاركين في الملتقى أن جرائم الشرف لا علاقة لها بالدين الإسلامي مؤكداً أن إثبات الزنا كان من المستحيلات وأنه لم يثبت وعبر تاريخ الإسلام بالبينة الشخصية وإن كان ثبت بالإقرار رغبة من الطرفين في التوبة فكيف نسمح لشخص واحد بإثباته وبشهادته فقط، وقدمت إدارة الأمن الجنائي جدولاً يبين أن 38 جريمة شرف ارتكبت عام 2007 من أصل 533 جريمة قتل وأن 39 جريمة شرف وقعت عام 2008 من أصل 358 جريمة قتل.
أعتقد أن العدد أكبر بكثير إذا أخذنا بعين الاعتبار أن كثيراً من الجرائم لا يكشف عنها ولا تصل إلى رجال الشرطة فقد يشيع الأهل أن الفتاة أصيبت بذبحة قلبية أو انتحرت أو.. الخ والكل يعرف ملابسات الموت ولكن الجميع متواطئون مع القتلة.
و قد انتهى الملتقى الوطني حول جرائم الشرف بالتوصل إلى عدة توصيات كان من أبرزها إلغاء المادة 548 وتعديل المادة 192 ولكن ماذا حل بتلك التوصيات ومتى سترى النور وتدخل حيز التنفيذ هذا السؤال مازال دون جواب حتى الآن..

الخاتمة
إن جرائم القتل بدافع الشرف وإن تضمنت كلمة شرف إلا أنها تشكل وصمة عار على جبين إنسانيتنا وأخلاقنا وقيمنا ولا بد لنا لكي نعيد الاعتبار إلى قيمنا الإنسانية والأخلاقية من أن نعمل من أجل القضاء على هذه الجرائم ولينال كلٌ عقابه الذي يستحقه.
و لعل السبب الأساسي لانتشار هذه الجرائم هي الثقافة التي يتربى عليها الرجل بأنه في موقع متقدم على المرأة ويحق له مالا يحق لغيره النظرة الدونية التي تتلقاها المرأة في بعض المجتمعات بسبب الإرث الاجتماعي المتخلف إضافة إلى وجود مواد قانونية تحمي القتلة وتشجعهم على ارتكاب هذه الجرائم.
فإلى متى نبقى نصف ما تقوم به المرأة على أنه خطيئة تستحق العقاب في حين إن كل ما يقوم به الرجل من ممارسات لا أخلاقية نعتبره نزوة إن لم نقل أنه بطولة تستحق الثناء والمفاخرة!!!!!
إلى متى تبقى نساؤنا تحيى في ظل قانون يحمي القتلة؟ إلى متى نبقى ندفنهن بصمت دون أن تتحرك مشاعرنا؟ إلى متى ننتظر ممن يملكون سلطة اتخاذ القرار أن يمحو من قانوننا كل ما هو عارُ عليه وكل ما يبيح القتل والعنف؟ إلى متى نبقى نتفرج على رجال متسربلين بذكورتهم يؤيدون قتل النساء بصمتهم تارة وتصريحاتهم تارة أخرى؟
في الوقت الذي تقشعر فيه أبداننا لمناظر القتل التي تطالعنا بها الأخبار فنشجب ونندد ونستنكر، مازالت نساؤنا تقتل بذريعة الشرف أمام مرأى ومسمع منا جميعاً محامون وقضاة ورجال سلطة وأفراداً عاديين ولا أحد يتحرك فلا حزن ولا من يحزنون.
أما آن لنا أن نقف في وجه أولئك الذين يستبيحون دماء أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا وصديقاتنا وزميلاتنا في العمل.
أما آن لنا نمحو من قانوننا وحياتنا كل ما يؤيد ويشجع على الجريمة كما نمحو أميتنا لأنني أعتقد أن محو الأمية لا يكون فقط بتعلم القراءة والكتابة، بل لا بد من محو أميتنا الأخلاقية والإنسانية بتعلم الأخلاق والقيم النبيلة الحقيقية لأنه وكما قال شاعرنا: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
أما آن لنا ونحن في سوريا هذا البلد الموغل في حضارته وعراقته ونحن نسعى لنكون جزءاً من المجتمع الدولي المتطلع إلى مستقبل أفضل للبشرية جمعاء أن نعيد النظر في قانون يحكمنا قبل أن يحاكمنا.
أخيراً: لكل ما أوردته في بحثي هذا وكل ما لم تسعفني الكلمات حيناً والذاكرة وربما المعلومات حيناً آخر، أتمنى أن نقتنع بجدوى وضرورة التغيير وبأن استمرار العيش في ظل المادة 548 والمادة 192 من قانون العقوبات لم يعد مقبولاً لا عقلاً ولا منطقاً، فلا بد من التغيير والتغيير لن يكون إلا بإلغاء المادة 548 وتحديد مفهوم الدافع الشريف وتقييده في معرض تطبيق المادة 192، لا بمنح المساواة بين الرجل والمرأة من خلال إعطاء المرأة هذا الحق، لأننا في مجتمع يرفض الظلم والقتل والوحشية لا بد من إلغاء المواد التي تشجع عليها ولابد من تضافر الجهود الشعبية والرسمية من أجل الإبقاء على سيادة القانون ومساواة الجميع أمامه والحفاظ على الأخلاقية اللازمة لبناء المجتمع الإنساني الصحيح الذي تنتفي فيه أسباب الانحلال الأخلاقي بكل أشكاله.
"من كان منكم بلا خطيئة فليرجم هذه المرأة بحجر"، السيد المسيح.

مراجع البحث
1- قانون العقوبات السوري.
2- شرح قانون العقوبات – د.أديب استنبولي.
3- المجموعة الجزائية – د.أديب استنبولي.
4- موقع نساء سورية www.nesasy.org


جرائم الشرف في قانون العقوبات السوري (بحث علمي قانوني لنيل لقب أستاذ في المحاماة)
إعداد المحامية: ميادة أحمد سفر
المحامي المدرب: الأستاذ محمد حسن العلي
المحامي المشرف: الأستاذ محمد كناج

الإهداء:
إلى شرفاء هذه الأمة من بقي منهم..!!
إلى أرواح نساء قتلن على مقاصل الشرف..!!
إلى كل من آمن وسيؤمن بما كتبت..
إلى أصحاب الحق والمضطهدين في هذا العالم..

مخطط البحث
مقدمة عامة
الباب الأول: جرائم الشرف في قانون العقوبات السوري.
الفصل الأول: المقصود بجرائم الشرف.
الفصل الثاني:
أولاً: المادة 192 من قانون العقوبات.
ثانياً: المادة 548 من قانون العقوبات.
ثالثاً: مصير العقوبة المقررة لجرائم القتل والإيذاء في المادة 548 من قانون العقوبات.
1- الأعذار المحلة.
2- الأعذار المخففة.
رابعاً: معايير وضوابط الاستفادة من الأعذار المحلة والمخففة في معرض تطبيق المادة 548 من قانون العقوبات.
الباب الثاني:
الفصل الأول: نقد المادة 548 من قانون العقوبات السوري.
الفصل الثاني: الجهود المبذولة في مكافحة جرائم الشرف.
الخاتمة


ميادة سفر، (جرائم الشرف في قانون العقوبات السوري (بحث علمي قانوني لنيل لقب أستاذ في المحاماة))

خاص: نساء سورية

0
0
0
s2smodern