مناسباتي التي مرت..
3 أشهر مرت ولم أعرف فيهما شيئاً عنه.. وإلى الآن وأنا غير قادرة على أن أصدق بأن قصيدتنا قد انتهت وباب حكايتنا قد أقفل.. رغم أنني أخبرته مرة بأني لا أريد لقصة حبي هذه أن تنتهي كما كان محمود درويش لا يريد لهذه القصيدة أن تنتهي.. ومع ذلك كتب هو النهاية مقرراً موت البطلة.
فكرت مرارا وتكرار أن أتصل به لا لشيء وإنما لأن الأشياء التي يصعب علي فهمها تصيبني بالجنون، ورغم شعوري بتغيره نحوي منذ زمن لكنني كنت أحاول جاهدة رفض هذه الحقيقة مبررة له كل تصرفاته.
و اليوم ربما أكتب لأشعر بأنني لست وحدي في غيابه، فكرت أن اطلب منه اللقاء لأدافع عن حبي حتى آخر قطرة كما كنت دائما ولكن ماذا لو لم اعد طرفا في هذا الحب؟؟ ماذا لو اكتشفت بعد كل هذه السنين أن كل ما كان يشعر به مجرد وله عشقي مؤقت ينتهي مع الوقت.
توقف الدم في عروقي وعيناي لا تزالان مسمرتان على جهاز الهاتف، مر بخيالي مشهد آخر لقاء جمعنا لم اعد اذكر يومها لماذا انفجرت في نوبة بكاء هستيرية لكن كل ما اذكره هو عيناه اللتان كانتا ترمقاني بنظرة غريبة لم تستمر طويلا لأنه أشاح بوجهه بعيدا عني بعد أن تلفظ بعبارات لم افهمها في تلك اللحظة وصفاً ما شاهده بتمثيلية غبية نصحتني بها إحدى الصديقات!
أدار وجهه عني وأنا بقيت أتأمله متسائلة كيف بإمكاني أن أمحو هذه الملامح من مخيلتي، قاطع تخيلاتي كلبه الصغير الذي كان يقفز بيننا بسعادة غير آبه بما يحصل كطفل صغير يتفق والداه على الطلاق وهو لا يدري ماينتظره! ولكن في حالتي كان طلاق تعسفي لم يسألني رأيي ولم يأبه لشعوري.
وخلال قضائي فترة "العدة" هذه كنت أنتظر حدوث شيئا ما، كنت أترقب اتصاله في أي وقت فلا أغادر هاتفي الجوال ولا أدعه يغادرني على أمل أن أرى اسمه يتلألأ على شاشة الهاتف كما في السابق.
دعوت الله أن يفعل ولكنه لم ولن يفعل.. انتظرت المناسبات لعل مناسبة ما تذكره بي تدفعه للاتصال فأفوز بسماع صوته ثانية ومرت الأيام وتوالت المناسبات ولم تكن أي مُناسَبة مناسِبةً له فيتصل.
بغباء مراهقة وببساطة طفلة توقعت أن يفعلها يوم الرابع من شباط في عيد الحب كما يقولون انتظرت طويلا ولكن يبدو أنه كان عيد الحب من طرف واحد فقط وربما كان يقضيه مع فتاة أخرى أسره جمالها ودلالها وأنساه من قبلها!
انتهى شهر شباط دون أن أحصل على نتيجة سوى الخيبة، وحل شهر آذار ويا مرحباً به شهر المناسبات بلا منازع.
ففي الثامن منه تهيأت وتعطرت وتأملت وتألمت فقد طال الانتظار.. أنه عيد المرأة العالمي ألا يُذكره هذا اليوم بالمرأة التي أحب، ألم يقل لي مرة بأنني المرأة الوحيدة التي أحبها وقبلي لم يكن حباً ومن بعدي الطوفان وعلى نساء الأرض السلام!
ألم يصورني كأجمل امرأة عرفها والمرأة التي اختارها لتكون شريكة آلامه وآماله ويقضي معها بقية حياته، امرأة كهذه ألا تستحق منه اتصالا هاتفيا بيوم المرأة ليقول لها: كل عام وأنت لي وأنا رجلك..
ولكن ربما ماحصل أنه تذكر المرأة التي " تشطف" له درج البناية ليعايدها بعيدية جيدة ولم يتذكرني.
و ربما أهدى معايدتي إلى زميلاته بالعمل ولم يتذكر زميلة دربه وملازمته يوما ما.
ولما لا.. فإن كن زميلاته فأنا معلمته! لذا لابد أن يستغل فرصة عيد المعلم فيتصل بي، ألم يخبرني مراراً وتكراراً بأنني أنا من علمه الحب! ولكن يبدو أن التلميذ تفوق على أستاذه! ولم يعد بحاجة له.
وفي الحادي والعشرين من شهر آذار في عيدك يا أمي الجميلة تهيأت نفسيا وأنا اعايدك أن يأتي دوري فيعايدني ويقول لي "دمتي لنا يا أم أطفالي"! ألست أم أطفاله فعلا؟
كم مرة تشاجرنا على جنس المولود واسمه، كم مرة تعاتبنا على طريقة تربية طفلتنا الصغيرة وقسمنا المهام بيننا وكم مرة اخترنا أثاث غرفتها ونحن في السوق، وألوانها..
ألم نختار لها اسماً جميلا والمدرسة التي ستدرس فيها، والآلة الموسيقية التي ستعزف عليها! ألم نتفق على كل شيء إلا أمر واحد وهو أن نحكم عليها بالموت حتى قبل أن تولد!
ألم أكن أم لأطفال لم يأتوا! ألم أكن أمه يوما وكل أسرته وعالمه كما كان هو دائما بالنسبة لي! ألم يبكي على صدري وينام في حجري وأنا ألعب بشعره حتى يغفو كطفل صغير.
ماذا عن عيد الثورة وعيد الجلاء وجميع الأعياد القومية والوطنية ألم أكن وطنه الذي يسكن فيه ويسكن إليه!
ماذا عن يوم الطفل العالمي ألستُ طفلته الصغيرة المدللة، ويوم الصداقة فقد كنا دائما أصدقاء قبل أن نكون أحباء.
لم أترك مناسبة إلا وطرقت بابها،ولكن لم تنفع معه أياً من المناسبات الوطنية والقومية والدينية..حتى كذبة نيسان كم وددت يومها لو أتاني كاذباً ليقول لي: حبيبتي لقد اشتقت إليك ِ.
لم أستثني حتى الحوادث المؤلمة التي تحدث في بلدنا الحبيب تمنيت مرة أن يتصل للاطمئنان علي فربما أصابتني شظية طائشة أو رصاصة قناص أحمق فتصلني منه رسائل الحب والحرب، ولكن لا.. فهو صامد ومُصر على لاءاته الثلاث: لا للتراجع لا للاستسلام ولا للعودة متجاهلاً كل دعواتي للحوار، أصبحت أعتقد جازمة أن هناك مؤامرة كبيرة قد تدخلت لتزيد الأزمة الحاصلة بيننا سوءاً، أصابع خارجية اندست لتسحبه مني بعيداً فما كان منه إلا أن رحل تاركاً وراءه الدمار مخلفاً حرباً أهلية تمنيت لو كان بجانبي في مواجهتها فلا قدرة لي على الوقوف في وجهها وحدي.
إلى متى سأبقى أرفض التسليم بفكرة أن له الآن أعياد خاصة وتواريخ أخرى يحتفل بها غير تلك التي كانت تجمعنا.
والآن هل علي الانتظار حتى تاريخ 1 أيار عيد العمال أم السادس منه عيد الشهداء على اعتبار أنني شهيدة الحب لاأبداً بل أظن أن الوقت قد حان لأخرج من أوراق الروزنامة وأعود إلى ارض الواقع فلست سوى الماضي بالنسبة له، ورقة روزنامه مزقها "قد يحتفظ بها للذكرى لأنها تحوي حكمة ما على وجهها الآخر" لكن قلبه ويده تتوقان ليقطف الورقة التي تليها ويعرف ما كتب خلفها.
حنان عارف، زاوية "بوح"، (مناسباتي التي مرت..)
خاص: مرصد نساء سورية