الجهاديات في تونس
في 29 تشرين الأول/أكتوبر، فجّرت إمرأة تبلغ من العمر ثلاثين عاماً تُدعى منى قبلة، قنبلةً في شارع بورقيبة في وسط تونس. ورغم أن الهجوم الانتحاري لم يؤدي إلى قتل عناصر الشرطة المستهدَفين، إلّا أنه تسبب بإصابة خمسة عشر شخصاً من حراس الأمن بالإضافة إلى خمسة مدنيين.
وتدّعي السلطات التونسية أن المؤامرة لها علاقة بـ تنظيم "الدولة الإسلامية". ولم يتم الكشف حتى الآن عن أي رابط مباشر، كما لم يدّعي التنظيم تورطه في هذه العملية، لكنّ الحكومة تعتقد أنّ مُيسّريْن أو ثلاثة ربّما ساعدوا قبلة في التحضير للهجوم. ولم تكن هذه الأخيرة واردة على قائمة المراقبة الحكومية، رغم أن أقاربها وجيرانها ذكروا أنها أصبحت متطرفة بواسطة الإنترنت، وأنها قضت مؤخّراً أسبوعاً كاملاً في حي "التضامن" المعروف بنشاطه الجهادي وتجنيده للمقاتلين الأجانب. وعلى أية حال، هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تنفيذ هجوم جهادي ناجح من قبل إمرأة في تونس.
ومع ذلك، لا تأتي الحادثة كمفاجِئة بالضرورة. فبالنظر إلى عدد التونسيات المتورّطات في النشاط الجهادي داخل البلاد، وفي النشاط الذي يتّسم بطابع عسكري أكبر خارجها منذ ثورة 2011، فلم تكن المسألة سوى عامل زمني.
نشاط مع جماعة "أنصار الشريعة"
عندما أصبحت جماعة "أنصار الشريعة في تونس" التابعة لتنظيم "القاعدة" ناشطة للمرة الأولى في الفترة 2011-2012، شاركت عضوات في تظاهرات شعبية بالنيابة عن التنظيم. وابتداءً من تشرين الثاني/نوفمبر 2011، احتجّت مجموعة وصل عدد أعضائها إلى اثنتيْ عشرة طالبةً في "جامعة منوبة"، بالتنسيق مع زعيم "أنصار الشريعة في تونس" محمد بختي، مُطالِباتٍ بالحق في ارتداء النقاب في غرفة الصف فضلاً عن فصل الطلّاب والطالبات. وفي شباط /فبراير 2012، احتجّت نساء في جماعة "أنصار الشريعة في تونس" أمام وزارة الخارجية من أجل السعي لإطلاق سراح المقاتلين التونسيين المسجونين في العراق بسبب انضمامهم إلى نسخة سابقة من تنظيم "الدولة الإسلامية".
ولاحقاً، اضطلعت نساء جماعة "أنصار الشريعة في تونس" بدورٍ أصبح وراء الكواليس بصورة أكثر، لكن كنّ لا يزلنَ يساعدنَ في عددٍ المنتديات العامّة والمحاضرات الدينية الخاصة بالجماعة. بالإضافة إلى ذلك، عندما اعتقلت السلطات التونسية فاطمة الزواغي في تشرين الأول/أكتوبر 2014، كشفت أن هذه الإمرأة كانت تُدير العمليات الإعلامية لـ جماعة "أنصار الشريعة في تونس" و"كتيبة عقبة بن نافع"، التي هي الفرع التونسي لتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي".
القتال في ليبيا وسوريا
ازداد دوْر الجهاديات التونسيات بصورة أكبر بعد أن انضممنَ إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" في الخارج. فوفقاً لمصادر الحكومة التونسية، سافرت 700 منهنّ إلى سوريا، و300 إلى ليبيا. لكنّ السبب الكامن وراء سفرهنّ لم يكن، كما ادّعت تونس باطلاً، "جهاد النكاح" الذي هو تعبير ملطَّف عن توفير الجنس للمقاتلين الرجال. ورغم أن تنظيم "الدولة الإسلامية" معروفٌ بالاعتداء الجنسي على النساء، وإجبارهن على القيام بأعمال أخرى ضد إرادتهنّ، إلا أنه لا يوجد دليلٍ موثوق على أن التونسيات انضممن إلى التنظيم لتأمين "راحة" المقاتلين على وجه التحديد.
وبدلاً من ذلك، ذهبت العديدات منهن لكي تعِشن وفقاً لتفسيرهنّ للحياة الإسلامية "البحتة" والمساعدة في الجوانب الإدارية من "الخلافة". فعلى سبيل المثال، في شباط/فبراير 2014، أسست إحدى أبرز الأعضاء التونسيات، أم ريان التونسية، "لواء الخنساء" التابع لـ تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا، الذي أخذ على عاتقه مسؤولية أنشطة "الحِسبة" للنساء. وساعدت لاحقاً في توسيع هذا اللواء إلى ليبيا بعد أن سيطر تنظيم "الدولة الإسلامية" على سِرت. وترأّست إحدى المقاتلات الأخريات في سوريا، هي أم هاجر التونسية، دروس في الشريعة، وساعدت في توظيف النساء في "ديوان التعليم" و "ديوان الصحة" التابعَيْن للتنظيم، حيث كنّ يتقاضيْن راتباً شهريّاً مقداره 100 إلى 200 دولار تقريباً. وفي غضون ذلك، ساعدت أم عبد الرحمن التونسية في تسهيل الزيجات المدبَّرة في "الميادين" في سوريا.
وفي ليبيا، زعمت المقاتِلة رحمة الشيخاوي أن المجنّدات المحتملات مِثلها تلقّيْن دروساً في الأسلحة لمدة ثلاثة أسابيع، وأن الكثيرات تَدرّبن على تنفيذ عمليات تفجير انتحارية، رغم عدم كفاية الأدلة التي تثبت وجود نساء معنيّات بعمليات التفجير يعملنَ في ليبيا. وبالمثل، زعمت أم عمر التونسية (الملقّبة زينب) أنها تعلّمت كيفية استخدام الكلاشنكوف أثناء تدرّبها على أحد الشواطئ بعد وصولها إلى ليبيا، مشيرةً إلى أن النساء كنّ يتلقّين تعليماً حول اختيار الأسلحة، بما فيها القذائف الصاروخية، ورشّاشات الـ "بي كاي تي"، والمدافع الرشاشة الثقيلة الـ"دوشكا". وقالت أيضاً إن تنظيم "الدولة الإسلامية" أعطى كل امرأة حزامها المتفجر الخاص بها.
ونظراً إلى هذه التقارير - وإلى واقع تأييد تنظيم "الدولة الإسلامية" للمقاتلات الإناث كما جاء في عدد نشرة "النبأ" الخاصة بالتنظيم الصادرة في 5 تشرين الأول/أكتوبر 2017 - فإن الحادثة مثل الهجوم بالقنابل اليدوية هذا الأسبوع لا تشكل حدثاً مروّعاً. وفي الواقع، سبق أن نفّذت بعض النساء المتعاطفات مع الحركة الجهادية مؤامرات أو هجمات في أماكن مثل أستراليا وبريطانيا والشيشان وإندونيسيا.
اعتقالات ومشاجرات دبلوماسية
في أعقاب الهجوم الذي نفّذه تنظيم "الدولة الإسلامية" على شاطئ سوسة في حزيران/يونيو 2015، سارعت الحكومة التونسية إلى إلقاء القبض على الجهاديين والمتعاطفين معهم، بمن فيهم النساء. وفي أيلول/سبتمبر من ذلك العام، نشرت السلطات لائحة بأسماء المطلوبين شملت ثلاثة نساء من بين الجهاديين الستة عشر المشتبه بهم. ومنذ ذلك الحين، اعتقلت الحكومة أكثر من 100 إمرأة بسبب جرائم متنوّعة مرتبطة بالحركة الجهادية، وفقاً لمعلومات نشرتها الحكومة ووسائل الإعلام المحلية العربية والفرنسية. وحدثت هذه الاعتقالات في جميع أنحاء البلاد، الأمر الذي يوضح ثانية أن الحركة الجهادية التونسية ليست ظاهرة تقتصر على منطقة محددة. (انظر إلى الخريطة)
وهناك العديد من الأسباب وراء هذه الاعتقالات. فقد تم احتجاز بعض النساء بسبب محاولتهن القتال في ليبيا أو سوريا، أو إقامتهن اتصالات مع الجماعات الجهادية على الإنترنت، أو تجنيدهن المحاربين، أو ببساطة كونهن أعضاء في جماعة إرهابية. وشملت التّهم الأخرى الترويج لمحتويات [ما ينشره] تنظيم "الدولة الإسلامية" على وسائل التواصل الاجتماعي، والإشادة بالهجمات الإرهابية في تونس، والتعهد بالولاء لزعيم تنظيم "الدولة الإسلامية" أبو بكر البغدادي، وتحميل أشرطة مصوّرة جهادية، وجمع الأموال لتمويل الجماعات في الخارج، وتسهيل السفر إلى مناطق النزاع، وتبييض الأموال (على سبيل المثال، تم العثور على خليّة واحدة تملك حوالي 3 ملايين دينار، أو ما يزيد عن مليون دولار أمريكي).
وفي أواخر عام 2017، أثارت الهواجس الجهادية أزمة صغيرة أيضاً بين تونس وأبوظبي، عندما فرضت شركة "طيران الإمارت" حظراً على سفر التونسيات بسبب مخاوف أمنية مزعومة. وقد أدى ذلك إلى إيقاف حركة النقل الجوي بين البلدين لمدة أسبوعيْن تقريباً.
الخاتمة
على الرغم من مَيْل السلطات بشكلٍ يمكن تفهّمه إلى التركيز على الرجال عند تقييم التقدّم الذي تحرزه تونس ضد الحركة الجهادية، فمن المهم عدم التقليل من شأن المعضلات الأمنية التي تشكّلها النساء المتعاطفات، اللواتي ازداد انخراطهنّ في جماعة "أنصار الشريعة في تونس" وتنظيم "الدولة الإسلامية" بشكلٍ ملحوظ منذ عام 2011. ومن خلال الاعتراف بدور النساء في هذه الحركات، وتجنب الإفراط في تبسيط القصص أو إعطائها طابعاً جنسيّاً مثل "جهاد النكاح"، يمكن أن يبدأ المسؤولون في تونس وشركاؤهم في الخارج بتفكيك هذه الظاهرة المعقدة وصياغة سبل فعّالة لمعالجتها.
هارون ي. زيلين هو زميل "ريتشارد بورو" في معهد واشنطن ومؤلف الكتاب المرتقب "أبنائك في خدمتك: مبشرو الجهاد في تونس" (مطبعة جامعة كولومبيا، 2019).
موقع "معهد واشنطن"، 31 تشرين الأول 2018