لا شك أن عدد حالات الانتهاك الجنسي المبلغ عنها لا تشكل سوى رأس جبل الجليد أو أقل لظاهرة باتت تثير قلق كل من يعنيه السلامة الصحية النفسية لأمل المجتمع في مستقبل أفضل.
و الانتهاك الجنسي يمكن أن يشمل الانتهاك اللفظي أو الإيحائي أو تعريض الطفل لمشاهد إباحية أو اعتداء جنسي مباشر و كثير من الأشكال الأخرى .
يمكن أن يحدث الانتهاك الجنسي للطفل ضمن الأسرة ، من قبل أحد الوالدين ( الأب خاصة ) أو زوج الأم أو الأخ أو من أحد الأقارب ؛ أو يمكن أن يحدث من خارج الأسرة كأحد أصدقاء العائلة أو من أحد الجيران أو أحد رعاة الطفل أو من المعلم أو من غريب . و عندما يحدث الانتهاك الجنسي ، يمكن أن يطور الطفل مختلف المشاعر و الأفكار و السلوكيات الباعثة على الضيق .
و ليس هناك من طفل مهيأ نفسيا للتكيف أو التعامل مع التحريض الجنسي المتكرر . فحتى الطفل الذي عمره سنتين أو ثلاث سنوات ، و الذي لا يمكن له أن يعرف بأن النشاط الجنسي خاطئ ، سيطور مشكلات تنشأ من عدم قدرته على التكيف مع إفراط الإثارة الجنسية .
و الطفل الذي عمره خمس سنوات أو أكثر و الذي يعرف المعتدي و يهتم لأمره يقع فريسة التمزق بين العاطفة و الولاء لهذا الشخص ، مع إحساسه بأن النشاطات الجنسية خاطئة بشكل فظيع . و إذا ما حاول الطفل أن يقطع العلاقة الجنسية ، فقد يعمد المعتدي إلى تهديده بالعنف أو فقد الحب . و عندما يحدث الانتهاك الجنسي ضمن الأسرة ، فقد يخشى الطفل من الغضب أو الغيرة من أفراد الأسرة الآخرين ، و قد يخشى من تصدع الأسرة إذا ما أقدم على إفشاء السر .
و الطفل ضحية الانتهاك الجنسي الطويل عادة ما يحدث لديه تدني في قيمة الذات و شعور بانعدام القيمة و وجهة نظر غير طبيعية أو مشوهة عن الجنس . قد ينسحب الطفل و تنعدم لديه الثقة بالبالغين ، و يمكن أن يعمد إلى الانتحار .
يصعب لدى بعض هؤلاء الأطفال التواصل مع الآخرين باستثناء ما يتصل بالجنس . بعض الأطفال الذين أسيء إليهم يصبحوا هم مسيئون لأطفال آخرين أو يتحولون إلى العمل في الدعارة أو يعانون من مشاكل خطيرة عندما يصلون سن الرشد .
ومن العواقب النفسية التي قد نجدها لدى الأطفال الذين تعرضوا للإساءة الجنسية :
• الاهتمام أو الانشغال غير العادي بكل الأشياء ذات الطبيعة الجنسية أو تجنبها .
• مشكلات في النوم أو كوابيس
• ميل إلى الإغواء
• التفوه بعبارات بأن أجسادهم قذرة أو متأذية أو الخوف من أن ثمة شيئا خاطئا في المنطقة التناسلية لديهم
• رفض الذهاب إلى المدرسة
• مشكلات جنوح و مسلك
• الميل إلى السرية
• التعبير عن التحرش الجنسي بالرسم أو اللعب أو الخيال
• السلوك الانتحاري
•ا لقلق و الاكتئاب و الشعور بالذنب و الخوف و الانسحاب الاجتماعي و التصرف قبل التفكير ( العبور إلى الفعل )
لكن المؤشرات الأقوى على تعرض الطفل للانتهاك الجنسي هي المعرفة الجنسية غير المناسبة و الاهتمام الجنسي و العبور إلى الفعل الجنسي بسهولة.
تحدث التأثيرات قصيرة الأمد عادة في غضون أول سنتين من انتهاء الانتهاك ، و تتباين هذه التأثيرات اعتمادا على ظروف الانتهاك و العمر التطوري للطفل و لكن يمكن أن تتضمن سلوكيات نكوصية ( كالعودة إلى مص الإصبع أو تبليل الفراش ) و اضطرابات في النوم و الأكل و تراجع الأداء في المدرسة .
لكن التأثيرات السلبية للإساءة الجنسية للطفل يمكن أن تؤثر لسنوات إلى سن البلوغ و حتى مدى الحياة . البالغون الذين تعرضوا للإساءة الجنسية و هم أطفال يصابون و بشكل شائع بالاكتئاب . و فضلاً عن ذلك ، فإن المستويات المرتفعة من القلق لديهم قد تؤدي إلى سلوكيات مدمرة للذات كاللجوء إلى الكحول أو العقاقير ، و إلى نوبات الهلع و اضطرابات القلق المرتبطة بظروف محددة ( تذكر بالحادث ) و الأرق . كما أن الكثير من الضحايا يواجهون مشاكل في علاقاتهم كبالغين و في وظيفتهم الجنسية .
و من اللافت وجود ظاهرة شائعة هي (إعادة التجني ) بين الأشخاص الذين تعرضوا للإساءة الجنسية و هم أطفالا . فقد أظهرت الأبحاث أن هؤلاء أكثر احتمالا لأن يكونوا ضحايا اغتصاب أو لأن ينخرطوا في علاقات تتضمن الإساءة و هم بالغون . كما نجد نسبة كبيرة منهم يتحولون هم أنفسهم إلى مسيئين إما كانتقام مما حل بهم أو استسهال هذا العمل و عدم النظر إلى عواقبه طالما أن تجربتهم الشخصية لم تؤدي إلى عقاب الجاني .
و ليس هناك أسوأ من رد فعل بعض الأهل اللامبالي أو حتى العقابي على شكوى طفلهم من تعرضه لاعتداء جنسي . فالتجاهل يعني أن نترك الطفل لمصيره في هذه اللحظات العصيبة على أي شخص . و الأسوأ عندما يكون الجاني من المقربين للطفل و الموثوقين لديه و ممن لديه سلطة عليه . هنا يشعر الطفل بالذنب و الخزي و الإهمال و يتعزز ذلك من خوف طرف في الأسرة ( خاصة خوف الأم من انكشاف اعتداء زوجها على ابنتها ) من تحطم الأسرة و تخلي الأب عنها باعتباره الممول و صاحب القرار في تقرير مصير الجميع . و قد شاهدت حالات تعرضت فيها طفلات للإساءة الجنسية من جانب الأب لفترات طويلة جدا دون أن يتاح لهن أي قدرة على إيصال معاناتهن بسبب التهديد بالموت أو العزل أو التعذيب .
د. تيسير حسون، (العواقب النفسية للإساءة الجنسية للأطفال)
عن صحفة الكاتب على الفيسبوك، 2013/11/14