في كل يوم نسمع نبأ استشهاد أطفال في سورية ونرى بأعيننا صور جثامينهم، باتت صورة الأطفال وتواجدهم مألوفا أكثر مما يجب في الساحة السورية اليوم، الأمر منذ البداية تجاوز حدود الوجع والألم وأصبح انتهاكا للطفولة واستغلالا لها من كل جانب.
أشاهد نشرة الأخبار على أحد القنوات المعارضة فأرى بروشور النشرة، طفلة بعينين واسعتين لم تتجاوز العاشرة من عمرها كتب على جبينها كلمة ”الحرية ”، وحين أتابع الأخبار في القنوات المؤيدة أرى طفلا يحمله والده على كتفه ليهتف باسم الرئيس رغم عدم اتقانه للكلام بشكل جيد بعد !
أرى صور الأطفال في المواقع الالكترونية وفي القنوات التلفزيونية في المسيرات والمظاهرات، أراهم ببراءة عيونهم، أراهم، أحياء أو أموات، بطفولتهم أيقونات يستغلها الآخرون بقصد أو بدون قصد.
منذ البداية قلت أن الأطفال خط أحمر لا يجب إقحامه في السياسة أيّا كان توجهها.
لم الأطفال خط أحمر؟
- لأنهم لازالوا في مرحلة الطفولة، في المرحلة التي يحتاجون فيها الى الكبار ليرعوهم ويعتنوا بهم وبالتالي ليبعدوهم عن ساحات الخطر.
بالتأكيد، المجرم هو من يطلق رصاصه نحو الطفل. المجرم خارج عن امكانية تحكمنا بأفعاله، وأحيانا مهما فعلنا لا نستطيع ردعه. ولكن من مسؤوليتنا أن نحاول بإبعاد الأطفال عن ساحات الخطر.
- ومن جهة أخرى فبالإضافة لأن إبعاد الأطفال ضرورة لحماية حياتهم، فهو ضرورة أخلاقية أيضا تجاههم وتجاه أفكارهم التي لم تتبلور بعد، فبأي حق أطلب من طفل لم يتقن الكلام جيدا بعد أن يهتف بشعار ما؟
كم منا في المرحلة الابتدائية خرج في مسيرات وهتف بهتافات لا يفهم معناها ولا يعي إلا أنه كان يقوم بذلك خدمة للوطن؟
هل نريد لأطفالنا أن يعانوا مما عانيناه، أو أن يسيروا في توجهاتهم؟
وللتوضيح ما أقصده بالأطفال كل من هم دون عمر الثامنة عشر، وأما ما أقصده بإبعاد الأطفال عن ساحات الصراع
فهو بإبعادهم جسديا وعدم تسيسهم فكريا،كما يحصل في المدارس اليوم،
وأيضا بعدم انتهاك حقوق طفولتهم بسبب الصراعات التي تحدث.
فالأطفال من حقهم أن نحتضن مخاوفهم لا أن نعمقها، من حقهم أن يلعبوا بألعابهم ويدرسوا بكتبهم، أن يفرحوا بالأعياد
من حقهم ألا يشاركوا في أي إضراب، أو في أي مسيرة أو مظاهرة أو إعلان سياسي.
إذا...
هذا هو المبدأ، ولكن، كم هي المسافة بين المبدأ والتطبيق؟ وكم نقدر أن نتحكم بتلك المسافة؟
الكلام بالمبدأ، والمبدأ بحد ذاته يصبح تنظيرا إن لم يصل لحدود التطبيق،وليس التطبيق سهلا دائما حتى لو وافقنا جميعا على المبدأ. ولكن هذا لا يمنع أن بإمكاننا تقصير المسافة باستمرار وبإمكاننا فعل ذلك الآن فالآن وقته رغم آلاف الهموم الأخرى. بإمكاننا التطبيق ولو بحيز صغير كي لا يبقى المبدأ تنظيرا،
على عاتق من تقع المسؤولية.؟
المسؤولية تقع على عاتق أطراف الصراع، على عاتق المجرم الذي يوجهه فوهة سلاحه تجاه طفل
على عاتق الدولة والقوانين حين لا تحمي الأطفال،
على عاتق الأهالي، ولنذكر هنا أن الأطفال ليسوا آلات جامدة لا تشعر أو لا تفكر، هم يتأثرون بما يدور حولهم، بما يشاهدونه، بما يسمعونه من أهلهم من معلمهم، وللأطفال أعمار مختلفة فهم ليسوا بعمر واحد يستطيع الأهل السيطرة عليه دائما ومنعه من الخروج أو من التدخل.
تقصر المسافة هنا مثلا حين يسيطر الأهل على الأطفال الصغار ولا يخرجوهم معهم للساحات حتى ولو لم يستطيعوا السيطرة على الأطفال الأكبر عمرا
والأهالي أيضا ليسوا بقالب تفكيري واحد، البعض يفخر بابنه الذي يخرج بمظاهرة أو بمسيرة ويرى كم ابنه بطل يحب الوطن.
وأيضا تقع المسؤولية على عاتق وسائل الاعلام التي تستخدم صور الأطفال، وتحمسهم وتشيد ببطولتهم، والتي تستغل قصة استشهاد طفل ما لتدافع عن قضيتها وتخترق خصوصيته، وتلك التي تعرض صور الجثث والأشلاء.
وعلى عاتق كل واحد منا من منبره الخاص، حين لا يدين كل مجرم يقتل طفلا وحين لا يدافع عن الطفولة أمام كل أب وأم ووسيلة إعلام.
بالنهاية..
أنا، نعم أريد حريتي ولكن ليس بدماء الأطفال وليس بانتهاك طفولتهم وحقهم باللعب أو بالتعلم أو بالابتسام أو بالحياة !
ليسوا هم من يجب أن يصنعوا لي حريتي، بل أنا من يجب أن أفعل.
ديما نقولا، (أطفال سورية... إلى أين؟!)
المدونة الشخصية للكاتبة، 29/1/2012