عناوين كثيرة تصدّرت الوسائل الإعلامية، سواء الالكترونية أم المرئية أو الورقية، فمنها ما كرّر تحذيرات منظمة الصحة العالمية من مخاطر انتشار الأمراض المعدية في سورية، بما في ذلك الأمراض التي تنقلها المياه، مثل الإسهال المائي، والكوليرا، والتيفوئيد، ومنها ما نقل إعراب منظمة الصحة العالمية عن بالغ قلقها إزاء تزايد حالات الأمراض السارية داخل وبين النازحين السوريين في البلدان المجاورة..
وعندما نتحدّث عن الواقع، نستطيع القول إنّ الحال الصحية في البلاد ليست بمعزل عن ما أصاب سورية بكاملها، نتيجة جملة من الأسباب، حيث انتشرت الأمراض السارية بشكل ملحوظ، خلال الأزمة، وذلك جرّاء التلوث الناتج عن تراكم القمامة والفضلات في الشوارع والمدن، وانعدام الخدمات الطبية، وتعطّل شبكات الصرف الصحيّ، والانقطاع الطويل للماء والكهرباء في مناطق واسعة من البلاد، وتكدّس البشر بعضهم مع بعض في مراكز الإيواء، وقد كان عليهم أن يتشاركوا مرغمين كلّ تفاصيل الحياة، مهما اختلفت بيئاتهم ومستويات حياتهم، فكيف ستكون الحالة الصحيّة عندما يستخدم العشرات حماماً واحداً؟
مستشفيات ومراكز صحيّة أُغلِقت ونُهبِت ومعامل الدواء تعطّلت..
السؤال المطروح هنا: ما حقيقة الواقع الصحي، بعد مرور قرابة ثلاث سنوات على الأزمة؟ وهل من انتشار للأوبئة، وعودة إلى حقبة الأمراض، في ظل وضع بيئيّ وصحي سيئ وجملةٍ من الأضرار قُدِّرت بعشرات مليارات الدولارات كان للقطاع الصحي، ومن ثمّ التعليمي، النصيب الأكبر منها؟
شلل أطفال باكستاني المنشأ!..
شلل الأطفال، الوباء الأخطر الذي غاب لقرابة عقدين، يعود ليظهر خلال الأزمة من خلال إصابة 13 طفلاً في دير الزور، حسب ما أكّدته منظمة الصحة العالمية في تقريرٍ لها صدر أمس. وجاء في بيان صادر عن المنظمة أنّ "13 حالة شلل أطفال من نوع 1 (بي في إس-1) تأكّدت في الجمهورية العربية السورية"، وأنّ هذا المرض على صلة "بفيروس اكتشفت عيّنات منه في مصر كانون الأول 2012"، ومن فصيلة المرض نفسه الذي اكتشف في باكستان. كما اكتشفت عيّنات منه في قنوات الصرف الصحي في إسرائيل والضفة الغربية وفي قطاع غزة شباط 2013. وورد في نصّ البيان أيضاً: "نظراً إلى الوضع الحالي في الجمهورية العربية السورية، وعمليات انتقال السكان، ومستوى المناعة في القطاعات الرئيسية، فإنّ خطر انتشار فيروس شلل الأطفال في أنحاء المنطقة مرتفع".
وحول صحة هذه الأخبار التي تناقلتها وكالات أنباء عالمية دفعت بأوروبا إلى إطلاق مخاطرها من وصول المرض إليها، كما دفعت أكثر من 20 دولة في المنطقة إلى إطلاق حملات تلقيح خوفاً من وصول عدوى شلل الأطفال إليها.
نقيب الأطباء، الدكتور يوسف أسعد، يقول إنّ فيروس شلل الأطفال هو الأكثر خطورة في هذه الأوضاع، وهو الوباء الذي تحرص الدول، ومن بينها سورية، أيّما حرص على مكافحته والوقاية منه، مع العلم بأنه، منذ التسعينات، لم تظهر أيّ حالة شلل أطفال في سورية؛ أي أنّ المرض قد انحسر، مشيراً إلى أنّ الفيروس، الذي دخل سورية خلال هذه الأزمة، باكستاني المنشأ، وتمّ نقله إلى السوريين عن طريق المسلحين الموجودين في المناطق الساخنة، خاصة في دير الزور، التي بدأ اكتشاف العدوى فيها، حيث تمّ تحليل الحالات، وتبيّن أنّ الفيروس باكستاني المنشأ، ومنتشر في المناطق الخارجة عن السيطرة، وأكّد على وجود 13 حالة شلل..
وقال أسعد إنّ ما يدلل على أنّ هذا الفيروس وفد إلينا من باكستان أنّ منطقة الشرق الأوسط تتميّز بأنواع الفيروسات المسببة للشلل، لذا تم تصنيف الفيروس على أنّه باكستاني، مبيناً أنّ حملات التلقيح لن تتوقّف، ومستمرة لمدة 6 أشهر، مضيفاً أنّ هذا الفيروس لا يُستهان به، وأيّ مصاب في منطقة واحدة سينقل العدوى إلى غيرها، مشيراً إلى أنّ حالات الإصابة ستكون في تزايد في المرحلة اللاحقة، والحملة التلقيحية بحاجة إلى جوّ من الاستقرار، إذا تمّ التحدّث عن المناطق الساخنة والمعرّضة أكثر للإصابة بهذا الفيروس..
كان وأصبح..
يقول نقيب أطباء دمشق، الدكتور يوسف أسعد، إنّ معامل الدواء السورية كانت تصدّر إنتاجها من الدواء إلى نحو 37 دولة، الآن قسم كبير من تلك المعامل أصبح خارج الخدمة.. ويسأل باستغراب: كيف يمكن لسوريين أن يستهدفوا الجسم الطبي في بلدهم؟
المواقع الطبية تعالج المصابين من دون استثناء، ومن دون سؤال عن انتمائهم السياسي، والطبيب يعمل بمهنة إنسانيّة من دون تمييز أيضاً، فما طبيعة مَن يستهدفهم؟
يضيف أسعد: في بلدنا دمّرت عصابات الإرهاب 57 مستشفى من أصل 90، وأكثر من 300 سيارة إسعاف، ومن أصل 593 مركزاً صحياً يقدّم الخدمات الطبية، واللقاحات والرعاية الصحية، دُمِّر 359 مركزاً، وجاء الحصار، الذي فُرض على سورية، ليمارس دور الإرهاب ذاته على المجال الصحي، وليعوق وصول الأدوية النوعية إلى المريض السوري، كأدوية السرطان.. يقول أسعد، متسائلاً: كيف يمكن لدول تتحدّث ليل نهار عن حقوق الإنسان أن تعوق وصول الدواء إلى السوريين؟ يضاف إلى ذلك كلّه استهداف الأطباء، فعدد الأطباء الذين استشهدوا، وهم مسجّلون في وزارة الصحة، نحو 11 طبيباً، وستة مفقودين، وهناك من لم تعلم النقابة، أو الوزارة، به، مشيراً إلى أنّ ممثّل منظمة الصحة العالمية في سورية بالنيابة، اليزابيث هوف، أكدت أن البنى الصحية تتأثر بشكل كبير جداً، وأنّ 60 % من المستشفيات الحكومية تضرّرت، وأن كثيراً ممّا بقي منها غير قادر على العمل، وأنّ عدداً كبيراً من الأطباء غادر البلاد.
وتضيف هوف أنّ نسبة التغطية التلقيحيّة انخفضت من 85 - 90 % إلى نحو 65 - 70 %، وأنّ هناك الكثير من المناطق التي يصعب على وزارة الصحة الوصول إليها، وفي تصريح سابق منشور لها، ذكرت هوف أنّ طائرات سورية تحمل جرعات أمصال ضدّ الحصبة وشلل الأطفال تعرّضت لإطلاق نار في حلب.
معدلات طبيعية
تضافرت هذه العوامل، على مدار عامين وأكثر، لتترك آثارها ونتائجها على الواقع الصحي في سورية، واقعٍ تقول عنه مديرة الأمراض السارية والمزمنة في وزارة الصحة، الدكتورة كناز شعبان شيخ، إنّه ما زال تحت السيطرة، وإنّ جميع معدلات الأمراض السارية ضمن المعدلات الطبيعية، وذلك بالاعتماد على البيانات التي تصل إلى وزارة الصحة، وتؤكد، أيضاً، أن تكلفة علاج الأمراض السارية في سورية تقارب المليار ليرة، وتشمل هذه الأمراض (الإيدز، والسل، واللاشمانيا، والمالطية، وداء الكلب، والتهاب الكبد الفيروسي).
وتؤكّد شيخ وجود حالات جرب وقمل في بعض مراكز الإقامة المؤقتة، لكن علاجها متوافر، وكمياته متوافرة أيضاً، وهذه الحالات تحت السيطرة حيث يشفى المصاب..
توسعت مناطق اللاشمانيا
إحصاءات مديرية الأمراض السارية تشير إلى أنّ عدد الإصابات بمرض اللاشمانيا بلغ نحو 58 ألف إصابة في العام 2011، في حين انخفض العدد، كما في الإحصاءات ذاتها، إلى 52 ألف حالة في العام 2012.
تضيف كناز أنّ اللاشمانيا مرض مستوطن في سورية قبل الأحداث، إلا أن الإصابات بدأت تظهر في مناطق جديدة، وتقدّر تكلفة علاجه السنوية بنحو 25 مليون ليرة سنوياً، ويؤمن العلاج مجاناً عن طريق وزارة الصحة، حيث يوزع الدواء في كلّ المحافظات والمراكز المختصة بعلاج اللاشمانيا.
في حين تعتبر هوف، ممثل منظمة الصحة العالمية في سورية، أنّ هناك تزايداً ملحوظاً في أعداد الإصابات بمرض اللاشمانيا، وتؤكّد انتشاره في مناطق جديدة كطرطوس، لكن مصدر الإصابة من السكان الوافدين، وليس من البيئة ذاتها، ومن المشكلات الحالية، التي تتعلق بعلاج هذا المرض، كما تذكر هوف، النقص في أعداد الأطباء المدرّبين على علاجه بسبب خروجهم من المناطق التي يوجد فيها المرض، وكذلك انتقال المرضى المصابين إلى مناطق لم تسجّل فيها إصابات، ما يعني عدم توافر الخبرات المطلوبة للعلاج، أو نقل المرض من أشخاص لديهم مناعة إلى أشخاص لا يحملون مناعة تجاه المرض ذاته في حال وجدت ذبابة الرمل المسببة للمرض.
في هذا السياق، أكدت هوف أنّ منظمة الصحة العالمية اشترت 35 ألف ناموسية مشبعة بالمبيدات، وستوزع عندما تصل إلى المناطق الأكثر تضرراً كحماة وحلب.
لمحافظة الحسكة نصيب كبير من أعداد المصابين بهذا المرض، ففي تقرير نشرته إحدى الوسائل الاعلامية ورد أنّ عدد الإصابات في محافظة الحسكة ارتفع من 11,9 ألف إصابة في العام 2011 إلى نحو 14.6 ألف حالة في العام 2012، ليسجل العام الحالي حتى تاريخه نحو 4862 إصابة، الأمر الذي دفع مدير الصحة في الحسكة، الدكتور محمد رشاد الخلف، إلى تأكيد أنّ مديرية الصحة ليست الجهة الوحيدة التي يقع على عاتقها التصدّي لمختلف الأمراض الوبائية، ولاسيما اللاشمانيا، ويرى أنّ تزايد الإصابات بهذا الشكل الكبير والمتسارع يعود إلى مجموعة من الأسباب، منها انتشار القمامة والفضلات وعدم ترحيلها، وعدم مكافحة القوارض والعامل الناقل والنباتات المغذية للعامل الخازن (فأر الحقل)، إضافة إلى أسباب أخرى كالانتشار الكبير والواسع للدواجن من دون رقابة عليها وعلى مخلفاتها.
لا يوجد كوليرا
لم يتمّ الإبلاغ عن أيّة حالة كوليرا حتى الآن، وتعرف بالإسهال بزيادة عدد مرات التبرز بشكل مائيّ ومائع، وتحدد عوامله المسببة بفيروسات وجراثيم. كما تؤكّد الدكتورة كناز أنّ من الأمراض السارية، أيضاً، مرض التيفوئيد، وهو نوع من الأمراض المنقولة بالماء والغذاء، ولذلك قد يكون طبيعياً ازدياد حالات الإصابة به، طالما أنّ شبكة المياه والصرف الصحي متضرّرة في كثير من المناطق؛ لأنّ المرض عبارة عن جرثومة عصيّات تطرح بالبراز، وعند غياب الصرف الصحي تنتقل بسرعة عن طريق الذباب، أو عند إعداد الطعام بأيدٍ ملوثة غير نظيفة، لكنّه، أيضاً، مرض موجود قبل الأزمة؛ فالتهاب الكبد منتشر كثيراً، كما تقول ممثلة منظمة الصحة العالمية.
وهناك، أيضاً، الطفيليات (الزحار والفطور)، لكن كناز تؤكّد أنّ الإصابة بهذه الأمراض ضمن المعدّلات الطبيعية، رغم أنّ فصل الصيف من الفصول الملائمة لانتشارها.
وهناك، أيضاً، انتشار كبير للأمراض التنفسية الناتجة عن التحسّس، وأمراض خاصة تظهر نتيجة التعرّض المباشر للأشعة الصادرة عن النفط الخام، حيث تقوم بعض الجهات من الجهاديين باستخراجه ومعاملته بطريق يدوية، كما ذكرت بعض المصادر المطلعة، وهذا قد يسبّب أعراضاً تنفسية، أو اضطرابات عصبية مع الزمن، إضافة إلى تأثيره على التوازن الحيوي والحيوانات والنباتات.
داء الكلب
للكلاب الشاردة نصيبها من أجساد السوريين، أيضاً.. تقول كناز إنّ عدد الحالات، التي تبلغت المديرية بها، لا تتجاوز خمساً، وترى أنّ العلاج محصور بوزارة الصحة، وهي تقدمه مجاناً، لذلك تعتقد بدقّة الرقم، لكن أحد التقارير يذكر، أيضاً، معلوماتٍ، تبعاً لتقرير مديرية صحة الحسكة، بأن عدد الأشخاص الذين تعرّضوا لعضّة كلب في الحسكة بلغ نحو 2868 إصابة في العام 2012، بينما بلغ عدد الإصابات 527 إصابة في العام الحالي.
تكلفة مصل العلاج 100 مليون ليرة، وتكلفة العلاج الاحتياطي واللقاح 27 مليون ليرة، وهو متوافر، ويُعطى لكلّ شخص يتعرّض لعضة كلب أو حيوان شارد.
اللقاحات كافية..
مدير الرعاية الصحية في وزارة الصحة، الدكتور أحمد عبود، يقول: تقوم وزارة الصحة، حالياً، بحملة وطنية للقاح الحصبة للأطفال من الصف السادس، كما تشمل الحملة المراكز الصحية للقاح شلل الأطفال على مستوى القطر، واستكمال اللقاح للأطفال في عمر 5 سنوات، وخاصة لقاح الحصبة، مبيناً أنّ الوزارة في صدد الحملة الأولى من ضمن 6 حملات سيتمّ العمل عليها شهرياً، وأشار عبود إلى توافر اللقاحات، خاصة بعد وضع مراكز تلقيح على الحدود السورية، حيث يمنع دخول أيّ طفل دون أخذ اللقاح، حتى إنه تمّ وضع مراكز صحية لتلقيح النازحين بين المحافظات، مشيراً إلى أنّه تم الدخول إلى المناطق الساخنة لإيصال اللقاحات، وتمّ الآن الدخول إلى منطقة الزبداني، وستبدأ الحملة في درعا، بالتعاون مع اليونيسيف، وفي المناطق الأكثر سخونة يتمّ التعاون لإيصال اللقاحات مع العناصر التي ترسلها الوزارة مع المنظمات الدولية والهلال الأحمر، مضيفاً أنّ الوزارة لديها كمية كافية من اللقاحات في المستودعات، تكفي للربع الأول من السنة وتمّ ضمّ اللقاحات في مناقصة العام 2014.
لقاح بعد الإغراء..
باهر كيال، مسؤول الهلال الأحمر، يقول: لا أحد يستطيع أن يقول إنّ الأمراض والأوبئة غير موجودة، إلا أنّ العمل على عدم انتشارها ساري المفعول، مبيناً أنّ الهلال الأحمر، بالتعاون مع وزارة الصحة والمنظمات العالمية، يقوم بإدخال اللقاحات إلى كافة المناطق الساخنة وغيرها، حيث يتم العمل على إجبار الأهالي على تلقيح أطفالهم، لأن الإهمال موجود لديهم، بإغرائهم ببعض المواد الغذائية والحفاضات، كهدية مع التلقيح، مشيراً إلى أنّ حالات مرض كثيرة بدأت تطفو على أجساد السوريين، منها التهاب الكبد، وظهرت نتيجة إهمال الأهل للقاحات، مبيناً أنّه تمّ العمل على إيصال اللقاحات إلى منطقة الرستن، مشيراً إلى أنّ هناك مناطق كثيرة لم تدخل إليها اللقاحات منذ بداية الأزمة، وعلى الرغم من وجود موافقات للدخول إليها، إلا أنّ الأوضاع لم تسمح بذلك، إنّما الآن يتمّ العمل على إدخالها، معتبرين أنّها أهم من المواد الغذائية، وبيّن كيال أنّ الأمراض والأوبئة، التي عادت إلى الانتشار، هي الجرب، والقمل، والتهاب الكبد الفيروسي، والأمراض الجلدية والنفسية المتأزمة، وبيّن كيال أنّ الحالات الجديدة للإصابة بالسل تعود إلى الأعداد الكبيرة من المهجرين، هذا إضافة إلى صعوبة الوصول إلى المرضى في كثير من الأحيان. أمّا الحالات الجديدة المسجلة لهذا العام، فهي 68 إصابة بحسب الإحصاءات التي أجرتها المديرية.. ويضيف: بدأت صحة حمص منذ أكثر من شهر تنفيذ مسح على مراكز الإيواء، وستقدم النتائج فيما يخصّ الأمراض الحاصلة.
بالنسبة إلى اللاشمانيا، أحصت مديرية الصحة، منذ أول العام الحالي حتى آب الماضي، أكثر من ألف إصابة. أما داء الكلب، فقد وصل عدد المعضوضين، منذ أول العام الحالي حتى حزيران الماضي، إلى 235 حالة، وسجلت الحمى المالطية 132 حالة ما بين مراقبين ومصابين، وذلك في الفترة الزمنية نفسها، وعن هذه الإصابات، يقول كيال: تناقصت الإصابة باللاشمانيا بفعل العلاج والمتابعة، كما توجد حالات قيد الشفاء، ويرى أنّ الحد من انتشار الأمراض السارية ليس مسؤولية مديريات الصحة فقط، ولاسيما أنّ هذه الأمراض تعود، في جزء كبير من انتشارها، إلى ما يسمّى سوء إصحاح بيئي يزداد حدوثه في أوقات الأزمات، والأمثلة على ذلك عديدة، فمع بداية الأزمة ظهرت في حمص بعض حالات التهاب الكبد في حيّ الوعر، وكان السبب مياه إحدى الآبار، وبعد كلورتها انتهت المشكلة، ومن الأمثلة الأخرى وقوع عدة إصابات إنتانية في إحدى قرى تلكلخ، وذلك منذ عدة شهور، وكان السبب تراكم القمامة، وعدم تعقيم مياه إحدى الآبار، مثلما حدث في حي الإنشاءات عندما تفجّرت مياه الصرف الصحي في أحد الشوارع المملوءة بالسكن والمحلات والبسطات، وقد أُهملت الحادثة فترة طويلة، ويسري سوء الإصحاح البيئي على إصابات أخرى، مثل القمل والجرب اللذين يزدادان مع نقص المياه وانعدام النظافة، كذلك ترتبط كلّ أنواع التهاب الكبد مع التدهور البيئي، كذلك اللاشمانيا، التي تنتقل من جرذ الحقل إلى الإنسان عبر أحد أنواع الحشرات (ذبابة الرمل)، ولهذا، المسؤولية مشتركة إزاء الحدّ من انتشار الأوبئة والأمراض، فعلى الجهات الصحية التشخيص، وتقديم العلاج، وعلى المؤسسات، ولاسيما الخدمية منها، الحد من التدهور البيئي والخدمي، لهذا تمّ تشكيل لجنة مركزية بالتعاون مع عناصر الهلال الأحمر تُعنى بالإصحاح البيئي، وتتفرّع عنها لجان فرعية في المحافظات يترأسّها مديرو البيئة، وتمثل بها جهات عديدة مثل الصحة، والبلديات، ومؤسسات المياه والصرف الصحي، ومن مهامها الاجتماع أثناء وقوع الحالات الطارئة الخدمية والصحية، لكي تقوم بالمعالجة الفورية، لكنّ هذه اللجنة الفرعية لا تزال في انتظار التفعيل على مستوى حمص.
ريم فرج، (غرباء وسوء بيئة..شلل أطفال في سورية!)
عن جريدة "بلدنا" السورية، 2013/11/13