رغم الجهود الكبيرة التي بذلت خلال العقد الماضي فيما يخص المعاقين في سورية، سواء من الناحية التشريعية (قوانين العمل بشكل خاص) أو من الناحية العملية (الدمج في المدارس، والجمعيات والمؤسات المعنية)، إلا أن المعاقين/ات بقيوا مهمشين في الحياة السورية عمليا، رغم أنهم يشكلون نحو 11 % من مجمل السكان (وهي نفسها النسبة العالمية).
من غير الواضح كم تشكل نسبة الأطفال من هذا العدد الكبير الذي ينوف على مليوني سوري/ة. إلا أنه من الطبيعي أن تكون النسبة فيه مقاربة لنسبة الأطفال في المجتمع عموما. مع الأخذ بالحسبان أن نسبة المعاقين الكبار تزيد بشكل عام بسبب عوامل عدة منها الحوادث والأمراض وغيرها..
بهذا القياس يجب أن يكون عدد الأطفال المعاقين (تحت 18 سنة)، نحو 40 % من هذه النسبة (بما أن نسبة الأطفال إلى المجتمع السوري هي هذه النسبة تقريبا)، أي ما يقارب مليون طفل سوري.
هذا العدد الكبير من الأطفال المعاقين لا يتمتع في الحقيقة بخدمات ملائمة على أي من الصعد المختلفة المتعلقة بحياته ونموه.
ففي جانب النظرة المجتمعية، ما تزال النظرة العامة للمعاق عموما، وللطفل المعاق خصوصا، نظرة شفقة وتعاطف، لا نظرة احترام الاختلاف والشراكة. نلحظ ذلك في الحياة اليومية والعبارات التي يسمعها أي معاق (أو أحد أفراد اسرته)، مثلما نلحظها في الإعلام الذي ما زال يتعامل مع المعاق بنظرة "التحدي والجبروت"، وأيضا في إنكار عدد كبير من الأسر لإعاقة أطفالها بسبب "العيب المجتمعي" الذي يصل في بعض الحالات إلى حبس أطفالهن بعيدا عن الأعين.
ومن الناحية التعليمية، رغم بدء مشروع الدمج في المدارس في وزارة التربية منذ سنوات، إلا أنه ما يزال يمشي مشي السلحفاة، متعثرا بالكثير من العقبات يتجسد أهمها في آلية تقديم المعرفة والمهارات للكادر التعليمي، الآلية التي تعتمد التلقين الجاف، والمعلومات الجزئية، إضافة إلى غياب أي متابعة للصعوبات التي يواجهها الكادر أثناء ممارسته تلك المهارات وغيرها.
فيما بدأ مؤخرا فقط الاهتمام بمرحلة رياض الأطفال في الدمج، عبر المشروع الرائد والأول المتخصص في هذا المجال، مشروع الرياض الدامجة، والذي يضع في محاوره المتكاملة الكادر التعليمي إضافة إلى الجمعيات والمراكز الصحية المعنية بالأطفال المعاقين، والمجتمع المحلي والإعلام.
كما يضع نصب عينيه تكوين فريق وطني قادر على تعميم التجربة لتشمل كل رياض الأطفال في سورية لاحقا.
ورغم ازدياد عدد الجمعيات العاملة في هذا الإطار، وتقدم بعضها في آليات عمله، إلا أن أغلبها ما يزال يعاني من عقدتي الكمال والاحتكار، حيث تعتقد الكثير من الجمعيات أن ما لديها من معارف وخبرات هو "الأفضل" دائما، وأن ما تقوم بفعله يجب أن يحصن داخل أسوار مغلقة لا يعرف أحد بها. وكلا المشكلتين تنعكسان بشكل سلبي جدا على الجمعيات التي تتبع هذه الأساليب أولا، وعلى المجتمع المحيط ثانيا. وبالتالي تنعكس سلبيا على نوعية الخدمة المقدمة للطفل على المدى البعيد.
يبقى الجانب الصحي، والذي يراه البعض الأكثر أهمية، وهو جانب مشرق عموما. فإضافة إلى العناية الصحية العامة بالأطفال عموما (والأم الحامل، والخدمات الصحية بشكل عام في سورية)، والتي يشهد لها بنوعية جيدة وانتشار افقي واسع يشمل جميع فئات المجتمع السوري، تطور عدد ونوع الأطباء والاختصاصيين بفئات الإعاقة المختلفة خلال السنوات القليلة الماضية.
من الواضح إذا أن حال الأطفال المعاقين في سورية، مقارنة بالإمكانيات الحقيقية على الأرض، هو أقل بكثير مما هو ممكن. والقياس على الإمكانيات الحقيقية في مجتمع ما هو القياس الأكثر دقة وفاعلية وجدوى.
وتقع المسؤولية في هذا التقصير على الجميع، بدءا من الحكومة السورية، مرورا بالإعلام بكل أنواعه، وانتهاء بأسرة الطفل نفسها. فلكل من الجهات المعنية بالطفل مسؤوليته الخاصة في تحسين نوعية الخدمة التي يحتاجها الأطفال المعاقين، وزيادة مستوى انتشارها وعدد المستفيدين منها.
هذا الاستعراض السريع في يوم المعاق العالمي لا يهدف طبعا إلى "جلد الذات"، بل إلى تلمس جوانب التقصير المختلفة التي يمكننا أن نتجاوزها بمعرفتها والإقرار بها أولا، ومن ثم بالبحث عن آليات تجاوزها، وأخيرا ببدء العمل الجدي ضمن الجانب أو المجال الذي يمكننا العمل فيه، دون رمي المسؤوليات هنا وهناك، ودون انتظار آخرين ليقوموا بالفعل بدلا منا.
الأطفال المعاقين ليسوا عبئا على المجتمع، بل هم جزء لا يتجزأ من الأطفال عموما. لهم الحقوق نفسها. إلا أنه لا يمكن الحديث عن حقوق ما لم تكن إمكانية تنفيذ وتحقيق هذه الحقوق قائمة. وحتى تكون حقوق الطفل مطبقة ومنفذة لصالح الطفل المعاق أيضا، لا بد من إيجاد كل الظروف والمستلزمات التي لا يمكن تنفيذ هذا الحق بدونها.
*- النسب التقديرية مبنية على معلومات المكتب المركزي للإحصاء، (2011)
بسام القاضي، مدير الإعلام والعلاقات العامة في مشروع الرياض الدامجة، 2012/12/3، (في يوم المعاق العالمي: يمكننا فعل المزيد)
تنشر بالتعاون مع مشروع الرياض الدامجة.