ليس غرييا أن تكون النساء السوريات ثاني ضحايا الحرب الإرهابية التي تمارسه ميليشيات الإسلام السياسي ضد الشعب السوري (بعد الأطفال)، فمن المعتاد في الحروب جميعها أن تكون الفئات الضعيفة وغير الممكنة في المجتمع هي التي تحصد أسوأ النتائج.
لكن وضع النساء السوريات في مخيمات اللجوء في الدول المجاورة يكشف أيضا مدى العداء المطلق الذي تكنه تلك الميليشيات وأسيادها ضد المرأة، كما كشفت ذلك الممارسات الهمجية اليومية التي تمارسها تلك الميليشيات في المناطق المحتلة داخل سورية.
رئيس الهيئة العامة للطب الشرعي في سورية، حسين نوفل، أكد لصحيفة الوطن السورية أن أكثر من 30 ألف امرأة سورية في مخيمات اللجوء تعرضن للعنف خلال السنوات الماضية، ضمنا إجبارهن بالقوة العادية أو بقوة الإفقار والتجويع على "الزواج وفق عقود عرفية من جنسيات أجنبية وعربية"، فيما يشكل مظهرا آخر من مظاهر الإتجار بالنساء وإجبارهن على شكل مقنع من أشكال الدعارة.
في مخيم الزعتري بالأردن وحده، حيث تعاني 600 ألف امرأة سورية أجبرهن الإرهاب على مغادرة بيوتهن ومدنهن ووطنهن، هناك نحو 5% ممن تجاوزن عمر 15 سنة، أي بينهن عدد كبير من الطفلات (تحت 18 سنة) أجبرن على هذا النوع من الدعارة.
الأمر نفسه يحدث في لبنان وتركيا. ومن المرجح أن عددا كبيرا من اللاجئات اللواتي توجهن إلى أوروبا عبر مخاطر البحر هن أيضا قد وقعن ضحية مثل هذا العنف الجنسي، سواء من قبل اللاجئين أنفسهم أو من قبل عصابات التهريب أو مافيات الدعارة الناشطة في أوروبا. فهناك العديد من المؤشرات على حدوث ذلك وإن لم تتوفر أرقام دقيقة.
نوفل ناشد المنظمات الدولية أن تتصرف تجاه هذا الواقع المزري. لكن إنقاذ النساء السوريات اللاجئات من هذا الواقع الذي يشكل نموذجا لما يريد الإسلام السياسي بكل مسمياته أن يفعله بوطننا، لا يكون بالمنظمات الدولية التي كشفت حقيقة خضوعها لمعايير الغرب السياسية فيما يخص هذه الحرب، فهي تبرئ المجرمين على الدوام، وفي كافة المجالات، وتركز اهتمامها على إدانات بعضها وهمي ضد الدولة السورية والجيش السوري،
بل يكون في تأمين النصر الحقيقي على ميليشيات إرهاب الإسلام السياسي من جهة، وتأمين تحول الدولة السورية إلى دولة مدنية ديموقراطية علمانية لا يكون فيها محل لترويج الأفكار المنحطة المعادية للمواطنة أولا، وللنساء عموما ثانيا، تحت أية أسماء ضمنا أدعاءات أن هذه من تعاليم هذا الدين أو ذاك.
الدولة المدنية الديموقراطية، بدءا من الدستور وحتى آخر "التعليمات التنفيذية" للقوانين، هي المخرج الحقيقي لجميع النساء السوريات، مثلما هي المخرج الحقيقي لجميع الرجال السوريين، للخروج نهائيا من دوامة أشكال العنف المختلفة التي تتراكم بين فترة وأخرى لتنفجر بوجوهنا حاصدة المزيد والمزيد من أرواح ابنائنا وبناتنا، ودافعة المجتمع عقودا أو قرونا إلى الوراء.
بسام القاضي
افتتاحية "مرصد نساء سورية"
2016/2/14