عندما فاخرنا دائما بتاريخية وجود النساء في مجلس الشعب السوري، انتخابا وترشيحا، لم يكن ذلك بلا معنى. فمجرد وجود النساء في هذه الهيئة التي يقول الدستور أنها "السلطة التشريعية العليا" في البلد، هو أمر جيد. إلا أنه أيضا أمر "غير كاف"!
فلا قيمة في المضمون للحديث عن وجود النساء في السلطة التشريعية العليا، ما لم يكن لهن دور حقيقي وفاعل في الدفاع عن حقوق المواطنة للنساء، والتي دأب الدستور السوري والقوانين السورية والآليات المؤسساتية السورية، إضافة إلى الممارسات المجتمعية اليومية، على انتهاكها صراحة، بل وعلى الترويج لما يناهض هذه المواطنة سواء بذرائع دينية تعبر عن انحطاط مطلقيها الذين يدافعون عن احتقار النساء حين يرفضون المساواة في الحقوق والواجبات، ويتحدثون عن "العدل" الذي لا يمكن أصلا أن تقوم له قائمة دون المساواة،
أو بذرائع سياسية واجتماعية لا تقل انحطاطا كالدفاع عن "العادات والتقاليد"، أو الدفاع عن الثقافة الذكورية بحجة أن "الظرف السياسي غير ملائم"، أو ما إلى ذلك.
في فترة السبعينيات من القرن الماضي عملت السوريات النائبات في البرلمان بجهد كبير من أجل حقوق النساء، أثمرت بعضها تحسينا في الدستور الذي أقر في 1973، أو في قانون العمل الموحد، أو في العديد من القوانين الأخرى المتعلقة بحقوق المواطنة للنساء.
ومع تغير الأحوال في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، خاصة الأحوال السياسية وآليات الحكم، تحول وجود النساء في المجلس إلى مجرد "برستيج" لحزب البعث والسلطة التي يديرها، ولم يختلف الأمر بشيء مع النساء اللواتي وصفن بأنهن "مستقلات" في وقت لم يكن بإمكان أي مستقل حقيقي أن يدخل إلى البرلمان. كما لم يختلف الأمر مع نساء وجدن في البرلمان بقرارات حزبية من أحزاب تابعة لحزب البعث وإن كانت قد وصفت بأنها "شريكة" عبر ما كان يسمى "الجبهة الوطنية التقدمية".
ولم يتغير أي شيء في بداية المرحلة الجديدة في العقد الأول من الألفية الثالثة، فقد استمر اختيار النساء على الأسس نفسها، والآليات نفسها.
وخلال العقود الثلاثة هذه: لم تشكل النساء في مجلس الشعب أي "لوبي"، أو مجموعة ضاغطة داخل المجلس لتعديل أي قانون مجحف بحق النساء، لا فيما يخص جرائم الشرف، ولا الجنسية للأطفال المولودين لأم سورية وأب غير سوري، ولا الزواج والطلاق، ولا الأمر الأكثر أهمية على الإطلاق: الطائفية المنحط المكرسة في قوانين الأحوال الشخصية التي سلمت رقاب النساء فيها (والرجال والأطفال أيضا) إلى رجال دين لا هم لهم سوى إثبات ذكورتهم انسجاما مع تصوراتهم عن "الإله الذكر"!
وخلال هذه العقود الثلاثة لم تطرح النائبات في حرم المجلس أي قضية تتعلق بحقوق السوريات! لم يقترحن أي قانون! لم يواجهن أي تعديل! بل حتى لم يستغلين حصانتهن بصفتهن عضوات في مجلس الشعب لنشر أي حملة توعية حول حقيقة اعتبار المرأة كائن من المرتبة الثانية في الدستور والقوانين والواقع!
ولم يختلف هذا الواقع بين أن تكون النائبة عضوة في قيادة حزب البعث، أو زعيمة في الحزب الشيوعي السوري، أو "سيدة أعمال"! كما لم يختلف بين أن تكون مسلمة أو مسيحية!
بل إن قيادات المنظمة التي أنشأها حزب البعث لتحتكر قانونيا كل ما يتعلق بالنساء، وسميت زورا بـ"الاتحاد" النسائي العام، وهو ليس اتحادا بأي معنى من معاني "الإتحاد"، لم يقمن في المجلس بأي دور سوى الدور المنوط أصلا بهذا المجلس: التصفيق، وتمرير كل ما يناسب السلطة التنفيذية الذكورية والمتحالفة مع رجال الدين.
اليوم، وفي بداية السنة السادسة لحرب الإسلام السياسي المنحط ضد المجتمع السوري كله، وأولا ضد وجود النساء كمواطنات، وعلى ابواب التوجه إلى صناديق الاقتراح لانتخاب أعضاء وعضوات مجلس شعب جديد، لا يبدو أن شيئا سيتيغير. فالنساء المشاركات يرفعن الشعارات المطاطة العائمة نفسها التي عرفناها طوال عقود! ويقمن بالترويج لأنفسهن بالطريقة نفسها التي عرفناها عبر عقود (الاعتماد على شراء الأصوات، أو حزب البعث وسلطته، أو الأحزاب المتحالفة معه، أو ما شابه) دون أن تطرح أي منهن برنامجا يلامس قضايا النساء التي لم تعد تقف عند تعديلات جوهرية في الدستور والقوانين، بل باتت تتعلق بواقع مؤسساتي ومجتمعي دفع المرأة خطوات إلى الوراء استغلالا وإتجارا، إلى جانب ما فعلته قوى الإرهاب الإسلامي نفسها من تدمير ممنهج لكل ما تم إنجازه أصلا حيثما تمكنت من احتلال الأرض والبشر.
وجود السوريات في مجلس الشعب السوري لم يعد بحد ذاته قيمة اليوم. بل إن ما تفعله النساء في هذا المجلس، وخاصة فيما يخص إزالة العنف والتمييز الذي تمارسه السلطة والدين والمجتمع ضدالنساء، هو القيمة الحقيقية لهذا الوجود، وهو ما يقرر إن كانت هؤلاء النائبات مجرد ممثلات للثقافة الذكورية المنحطة نفسها، بجسد أنثوي، أم ممثلات لوطن يقوم على الموطنة الإنسانية الراقية التي لا تعرف التمييز بسبب الجنس أو الدين أو العقيدة أو الاصل أو..
افتتاحية نساء سورية
بسام القاضي
2016/4/8