قد يكون من الظلم المقارنة بين جامعات الدول المتقدمة وجامعاتنا كدول من العالم الثالث، لكن من الظلم أيضا أن تبقى الهوة شاسعة بين هذه الجامعات، ومن الظلم أن نعتبر أن هذا الفرق الكبير طبيعيا ونسكت عن إمكانية تغييره.
في مجلة (نيوزويك) الأسبوعية الصادرة عن "دار الوطن" تم الحديث عن أهمية الجامعات ودورها في التطور القومي وتقدم المجتمع وتغييره. فالجامعة ليست مقرا للتعليم والامتحانات، بل هي كما تقول المجلة مركزاً للاكتشافات العلمية التي تدفع بالاقتصاد قدما، وهي الوسيلة الأساسية لتعليم ذوي المواهب الضرورية للحصول على أفضلية تنافسية والحفاظ عليها. والجامعات قوة مهمة للدمج العالمي والتفاهم المتبادل والاستقرار الجيوسياسي. فيقول (فارتان غريغوريان) الرئيس الفخري لجامعة براون متحدثا عن دور الجامعات: "على الجامعات ألا تقدم الخبرات المطلوبة فحسب بل يجب أن تعمل على تبادل الأفكار الثقافية والحكمة والمعرفة وهي العملة الحقيقية الثمينه لجنس البشر". والتعليم في الجامعة ليس كتباً أو ملخصات، وليس عقوبة أو مقبرة تدفن فيها المواهب وتتحطم عليها نفسيات الشباب والشابات، ويفقدون فيها ثقتهم بنفسهم وبالآخرين، ويتعلمون بها الغش والاحتيال والواسطات والأنانية.. بل هي تدريب على الأخلاق، والتعايش مع الآخر، وتعزيز للمواهب والقدرات وتنميتها بين الجميع. تقول (مارثان نوسباوم) أستاذة كرسي آرنست فرويند للقانون والأخلاقيات في جامعة شيكاغو: "من أجل تنشئة عيون داخلية عند طلابنا نحن بحاجة إلى تعليم متقن الإعداد للفنون والعلوم الإنسانية، يجعل الطلبة يحتكون بمسائل متعلقة بالجنس والعرق وخبرة التبادل بين الثقافات وتعليم الطلبة كيفية التعاطي مع الحرية والجماعة". وهذا ما تفتقد إليه بالمطلق العقلية التعليمية في بلادنا من القاعدة إلى الهرم. ورصدت المجلة دور الجامعات في الاكتشافات العلمية، ورفد الاقتصاد الوطني وتعزيزه، ورفع سوية المجتمع ككل. وبينت ما تدره من أرباح تعتمد عليها الميزانيات السنوية. وتحدثت عن جامعاتنا (في الدول النامية)، حيث أكدت على أنه ربما من السهل تأسيس أي كلية، لكن ليس من السهولة توفير الطاقم المطلوب والمعدات والمواد والمعرفة التقنية والموارد المالية لتسيير هذه الكلية، وان توافرت النية السياسية لتوفير فرص متكافئة! لكن قد لا تتوافر الموارد الكافية للإبداع والتمييز. وأهم نقطة هي أن الحق بالتعليم في البلاد النامية لا يترجم تلقائياً على أنه الحق في وظيفة تتحدى قدرات المتخرج وتتمتع براتب عال. وهذا له دور كبير في تراجع أهمية التعليم العالي عندنا. من المؤلم أن تصل دول العالم لهذا المفهوم الرفيع للتعليم العالي الذي يرقى إلى التعايش بين العالم كله، وتبادل الثقافات بعد الاهتمام المطلق بالبحث العلمي، ليصبح مصدراً للدخل. بينما الجامعات عندنا لا تتعدى الامتحانات والملخصات والمناهج الثابتة وعدد من الطلاب يدخلون متفائلين ويخرجون منكسرين.