كما درجت العادة، يترافق شهر رمضان بكم هائل من البرامج التلفزيونية لدرجة أنه عليك أن تأخذ إجازة طويلة. ويجب أن "تعمل ريلاكس" حتى لا تتوتر أمام واقع أن معظم الأفكار المطروحة في تلك البرامج تختلف وتتناقض مع كل الاتفاقيات الدولية وورشات العمل والمشاريع التنموية التي تقوم بها بعض الوزارات كوزارة التربية والتعليم والإعلام والصحة! وكأنهما عالمان منفصلان تماماً!
من هذه البرامج ما يعرض على القنوات السورية ومنها ما يعرض على الفضائيات العربية، بما فيها الإعلانات. وتبدو معظم مسلسلات هذا العام –بعكس العام الماضي- من النمط الذي يحط من شأن المرأة ويدعو إلى العودة إلى عهود استكانتها وذلها وتهميشها واعتبارها أداة لإثبات الرجولة! في وقت وصلت فيه المرأة إلى مراكز صنع القرار و باتت فيه نائبة لرئيس الجمهورية.. ووزيرة ومديرة شركة... ومعلمة.. الخ. أحد هذه المسلسلات هو مسلسل باب الحارة الذي يعرض على شاشة الـ mpc. هذا النمط من المسلسلات الذي كان قد بدأ بمسلسل أيام شامية منذ حوالي ثلاث سنوات.ز والذي عمد، بقصد الربح أو بغيره، إلى تكريس الذكورة، مسنداً كل القيم الأخلاقية المتعارف عليها اجتماعياً في تلك الأزمنة القريبة إلى الرجل الذي عمل بشكل صارم على وضع المرأة تحت سلطته، حابساً إياها بين جدران بيوت "علت" حتى حدود الغيم.. ثم ماذا..؟! هل يهدف أصحاب هذه الأفكار السوداء، من خلال التحسر على ذلك الزمن، إلى إعادتنا إليه في عصر الفضائيات والكمبيوتر والانترنت؟! أم أنهم فقط يهدفون إلى الربح، وهذا من حقهم؟! لكن إذا كان الربح هو الغاية، فهناك مئات المسلسلات الفكاهية والدرامية والميتافيزيقية التي تدر على أصحابها الملايين وتوصلهم إلى غايتهم المنشودة.. دون استعراض عضلات الرجل وشواربه..!! لا بد من ذكر أن وزارة الإعلام السورية قامت مؤخراً بمحاولة جادة في إطار تغيير بعض الأنماط -التي باتت مرفوضة في وقت يعمل فيه المجتمع المحلي والمنظمات الدولية والمؤسسات الحكومية معاً إلى إدراج مفهوم الجندر(النوع الاجتماعي) في المناهج الدراسية والبرامج الإعلامية-، وذلك من خلال منح جائزة أفضل مسلسل يعالج قضايا المرأة والمجتمع، والتي كانت من نصيب (أشواك ناعمة) للعام الماضي. وأيضاً من خلال عمل لقاءات مع المخرجين المعروفين للارتقاء بالأفكار المطروحة في قضايا المرأة والمجتمع. إلا أن المشوار يبدو صعباً وطويلاً! خاصة بوجود مجموعة من مروجي تلك الأفكار الداعية للتخلف والتعصب.. المشكلة الحقيقية، برأي، تكمن في عدم فهم معظم فنانينا لمهنة التمثيل التي يجب أن تتماشى -بالدرجة الأولى- مع قناعات الممثل نفسه. ونتحدث هنا عن الفكرة والهدف لا عن الأدوار. فمن المستحيل مثلاً، أن يقوم الممثل العالمي انطوني هوبكنز بالتمثيل في فلم يتبنى العنف ضد الأطفال أو اضطهاد المرأة! لذلك نجد من المؤسف جداً أن تقوم أسماء لامعة حظيت بحب واحترام الجمهور العربي كله، مثل (بسام كوسا، وسامر المصري، وعبد الرحمن آل رشي..) في تبني تلك الأفكار التي أجزم أنها متناقضة مع معتقداتهم الشخصية، ليقعوا في مطب الازدواجية: المرض العضال الذي يشل حركة التطور والانفتاح في مجتمعاتنا. لذلك أريد أن أوجه سؤالاً هنا إلى هؤلاء الفنانين المحترمين: هل تقومون بمعاملة زوجاتكم بالطريقة نفسها التي تمثلون بها أدواركم..؟! هل تعنفون أطفالكم وتربوهم على اضطهاد المرأة وحبسها...؟! أرجوكم كونوا صادقين معنا ... مع جمهور أحبكم ويريد لكم ولبلدنا التقدم والرقي..!!
ردينة حيدر - "مفهوم الجندر... راح في خبر كان في برامج رمضان!" عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.