علكم لن تصدقوا ذلك! لكنه ما حدث حقاً.. الغامض الخفي، والذي نزع كل مرآة من جحره حتى لا يرى وجهه القبيح، مدّ مخالبه مرة أخرى وأخرى! لكنه مدها هذه المرة لينتزع من أفواه أطفال أيتام تأويهم جمعية الرعاية الاجتماعية بالسويداء: لقمة خبزوصحن حلويات، وكأس عصير، وقطعة ملابس!
نعم هكذا! بدقة تامة! إذ لم نجد من الملائم هنا أن نتحدث عن "سرقة الابتسامة" حيث "سرقت" اللقمة والثوب من أطفال أيتام!
ولا بأس أن نقول أن الغامض الخفي هذا هو جبان أيضاً. فهو لا يطل برأسه علنا ليقول لنا، أو لكم، أو حتى لنفسه أنه هو من يفعل ذلك! ولا "أسبابه" لفعل ذلك! بل يتلطى خلف هذا وذاك، خلف مجلس إدارة أو خلف مكتب ما.. يهدد ويتوعد.. ولا يهمه أبداً من الذي جرى حرمانه من الفائدة؟ من الذي يتأذى؟ ما يهمه فعلاً هو أن يهدم كل عمل تطوعي، كل تعاون مجتمعي! حتى إن كان الإعلام السوري يضج بمؤتمر على أعلى المستويات حول "التطوع"! بل أيضاً يهمه كثيرا، على ما يبدو، أن ينشر "رعباً" لدى كل من يفكر جدياً بالتطوع لصالح مجتمعه! ما يهمه فعلاً هو أن "يستمتع" بإنجازاته: لقد انتصر على نحو 130 طفلاً يتيماً كانوا سيشهدون يوماً جميلاً مميزاً في حياتهم الحزينة! لقد حرمهم هذا اليوم! وهو "فخور" بذلك..!
وجبة غذاء، ومعرض صغير للوحات خطتها أيد أطفال، وقطعة من ملابس جديدة، شكلت خطراً داهماً استدعى أن يلغى معرض كان مخططاً له أن يكون في صباح يوم الأحد الواقع في 8/7/2007، في بهو جمعية الرعاية الاجتماعية بالسويداء! أن يلغى (مبني للمجهول)؟ لا والله! بل هو أجبن من أن يطل برأسه ويقول بلسانه، وخاصة علناً! لذلك اختبأ في الغرف الخلفية و"كلف" من ينطق عنه! من يعلن رفض قبول حتى وجبة الغداء بعد أن وصلت إلى باب الجمعية! هكذا بالضبط: أعيدت وجبة الغداء من على بعد أمتار من الأطفال الأيتام!! وجبة غداء فاخرة تبرع بها السيد الكريم شفيق غرز الدين لصالح (100) طفل من أطفال الجمعية! وثلاث صوان حلويات (كنافة نابلسية) تبرع بها السيد الكريم مروان الشامي، وجميعها رفضت بعد أن وصلت باب الدار! بعد أن شم الأطفال الأيتام رائحتها الزكية! تلك الرائحة التي تقتل ذلك "الغامض الحقود" الذي تقتله رائحة كرم وحنان وعطف رجال ونساء السويداء الذين لم يتوانوا عن دعم هذا العمل الخير، قبل أن يُقضى عليه!
لكن هذا لا يكفي.. بل إن 125 قطعة لباس كانت قد تبرع بها أفراد من محافظات مختلفة رغبوا أن يشاركوا أيتام جمعية الرعاية بالسويداء يوم فرح خاص، ولوحات لأطفال في محافظات مختلفة رغبت أن تعلق جنباً إلى جنب مع لوحات أطفال الميتم، رُفضت أيضاً! وأعيدت من على الباب الذي كاد أن يتحول إلى باب أسود أسود لولا أن الجمعية ذاتها، ومجلس إدارتها، لم تكن قد قصرت أبداً في العمل الدؤوب على إنجاح هذا العمل.. وبهو الجمعية الذي صار جاهزاً ليستقبل أي معرض بعد أن تبرعت السيدة الكريمة هيام الباروكي بالمستلزمات الخشبية لتأسيس الجدران بما يناسب، شاهد على ذلك..
ما الذي نتحدث عنه؟
كنا قد نشرنا مادة حول دار الرعاية الخاص بالأيتام أظهرنا فيها الوضع الحرج الذي تعيشه، ويعيشه الأطفال الأيتام في هذه الدار. ونعرف أننا لسنا جمعية خيرية، وأنه لا يمكننا أن نفعل الكثير، لكننا فكرنا، في مرصد نساء سورية، أنه يمكننا أن نضيف لمسة وإن بسيطة تساعد على تحسين الوضع الذي انتقدناه، ففضلنا أن لا نكتفي بالنقد، بل بادرنا فوراً إلى تطوير فكرة بسيطة تقوم كلياً على "التطوع" الذي بات اليوم حديث الجميع، إلا الغامض الحقود الذي لا يقتله شيء قدر ما تقتله رائحة محبة الناس لبعضهم، وتعاونهم بعضهم مع بعض!
السيدة ريما فليحان، عضوة فريق عمل نساء سورية، والتي يشهد لها الجميع بتاريخ طويل من العمل التطوعي، وبالنزاهة المطلقة، سارعت إلى وضع كل إمكانياتها من أجل رسم بسمة، وإن ليوم واحد، على وجوه هؤلاء الأطفال الذين شاهدت واقعهم عن قرب، ولمست معاناتهم، ورأت أنه يمكنها أن تساهم وإن عبر إشعال شمعة واحدة..
ومن باب إلى باب، من مكتب إلى مكتب، سارعت السيدة ريما إلى حشد كل الإمكانيات من أجل هذه البسمة الصغيرة.. ولم يفاجئنا أن الناس، مسؤولين وغير مسؤولين، تجاراً وعاديين، رجال دين وغيرهم، بعيداً عن تنظير المنظرين وادعاءات المدعين، بعيداً عن الصالات المغلقة والشعارات والتوصيات، هم الناس الذين عرفناهم دائماً: الناس الخيرون، الناس الطيبون، الناس الذين لا يتوانون عن تقديم يد العون كلما كان ذلك متاحاً بشكل بسيط واضح وحقيقي..
هذا هو الواقع، جميع من سمع بهذا المشروع من أهل السويداء، ومن خارجها، سارع إلى عرض إمكانياته الخاصة لإنجاحه..
ومجلس إدارة الجمعية ذاتها التي كنا قد انتقدنا وضع الأطفال الأيتام فيها، لم يرحب بالفكرة وحسب، بل فتح أبواب الجمعية على مصراعيها دون أي تحفظ، من أجل إنجاح هذا المشروع التطوعي..
أما دائرة تعليم الكبار في محافظة السويداء، فلعلها تستحق الشكر الخاص حقاً لما بذلته من جهد في تعليم الأطفال الذين لم يسبق لهم أن أمسكوا بريشة أو لون، كيف يرسمون ويعبرون عن أنفسهم.. دائرة تعليم الكبار خصصت الكثير من وقتها ما إن حصلت على الموافقة الرسمية من المحافظة..
السيد محافظ السويداء أيضاً، لم يتردد في دعم هذا العمل عبر منحه الموافقة الفورية على إقامته..
ومديرية الشؤون الاجتماعية والعمل، وضعت كل إمكانياتها أيضاً حالما صارت موافقة المحافظة جاهزة..
لكن، وحده "الغامض" كان يسن أنيابه السوداء ليقضي، في اللحظة الأخيرة كما هي عادته اللئيمة، على جهد الجميع، ثم يبتسم ابتسامته الصفراء بعد أن حرم الأطفال من وجبة غذاء، وصحن حلويات، وقطعة ثياب، وفرحة أنهم رسموا بأناملهم لوحات يراها الكبار ويبدون إعجابهم بها!!
لكن، لم فعل ذلك؟!
لكم أن تضحكوا قدر ما تشاؤون! ولكم أن تبكوا أيضاً!
"وما أدرانا ما محتوى اللوحات تلك؟! لعل فيها أفكاراً مسمومة أو مدسوسة؟! اكتبوا لنا اسم كل طفل رسم لوحة، ومضمون اللوحة التي رسمها"!! هذه هي "حجته" جملة وتفصيلا، صدقتم ذلك أم لم تصدقوا!!!!
حقاً! ما الذي يرسمه أطفال ميتم السويداء؟ أي "سم مخرب" يمكن لهم أن يمرروه عبر ريشتهم؟! أية "قنابل موقوتة" يمكن لهم أن يضمنوها في ألوانهم التي عكست الألم والحرمان الذي يعيشونه؟! أي شر تضمره السيدة ريما فليحان، ومرصد نساء سورية من خلفها، من وراء هذا "العمل الغريب العجيب"؟! أي "عملاء" يقفون خلف ما ندعيه؟!
طبعاً لن نقول لكم، نحن "المخربين" الذين عرفنا أن ابتسامة أطفال الميتم هي "سم قاتل" في صدر "البعض"! حتى لا "تكشفون حقيقتنا" التي يعرفها "الغامض" حق المعرفة، لأنها معلنة وواضحة وضوح الشمس! على عكسكم أنتم "المخدوعون" بنا!! إلا أنه، ولسبب ما لا نعرفه، لا يقول شيئاً علناً! ولا ينشر في وسائل الإعلام المتاحة له على مصراعيها أي شيء أو إثبات حول "حقيقتنا"! لماذا لا تفعل ذلك؟ لم لا تظهر رأسك وتثبت علناً، وباسمك الصريح، ما تدعيه؟
لمْ، ولن تفعل ذلك! ببساطة لأنك بت عاجزاً حتى عن تجاهل أن مرصد نساء سورية، ككل أبناء سورية، عندهم من الخير أكثر بكثير من أطنان الورق التي تدعي غير ذلك! عاجزاً عن تجاهل أن الناس في بلدنا العظيم سورية يعرفون ويمارسون "ثقافة التطوع" كلما كان ذلك حقيقياً! ولا يتوانون عن تقديم كل ما يمكنهم متى عرفوا أن ذلك لن يذهب إلى جيوب فلان وفلان! ولن "يستثمر" على هذا النحو أو ذاك!
لا بأس.. لن نقول لكم أي "سم" قررنا، في مرصد نساء سورية، أن نمرره عبر تلك اللوحات.. لكن.. ها نحن نضع بين أيديكم جميع اللوحات التي كان مقرراً أن تعرض في المعرض "المشبوه"!!.. انظروا.. وتأملوا.. لمشاهدة اللوحات.. الرجاء انقر هنا..
هذا هو "سمنا"! وسمنا هذا هو ما بادرنا فوراً إلى إعادة توزيعه: وجبات الطعام والألبسة إلى جهات أخرى تحتاجها، بعضها ذهب إلى كنيسة الروم الأرثوذكس التي قامت بتحويلها مشكورة إلى جمعية خبز للجميع، وهي جمعية خيرية تعمل على مساعدة الفقراء في المحافظة، وبعضها ذهب إلى مقام عين الزمان الديني، ووزعت بعض الملابس والوجبات على أطفال فقراء صادف تواجدهم حول المقام، وبعضها الآخر ذهب إلى جامع منطقة رجم الزيتون ليوزع على الفقراء الذين يلجؤون إلى الجامع..
صحيح أن "الغامض" نجح في حرمان أطفال ميتم السويداء من فرحتهم، لكنه عجز عن حرمان أطفال آخرين من البسمة.. وصحيح أنه تمكن هذه المرة من تدمير عمل الخير الذي قام به ناس كثيرون مصلحتهم الوحيدة هي المساهمة في بناء مجتمعهم وتطويره، لكنه عاجز عن تدميره كل مرة، عاجز عن إيقاف أي من الناس الخيرين عن المحاولة مرة تلو الأخرى..
ويبدو أنه لا يقرأ، وإن قرأ لا "يحفظ"! لذلك نحن مضطرون لنقول له مرة أخرى وأخرى: هذا بلدنا، وسوف نعمل من أجله مهما كانت الظروف والصعوبات، ومهما فعلتَ بعملنا، أو حتى بنا..
إنه بلدنا، ولسنا مستعدين عن التنازل عنه لك، أو لغيرك..
بسام القاضي، مشرف فريق عمل نساء سورية- (اسألوهم إذاً: من انتزع اللقمة من أفواه أيتام السويداء؟!)