منذ مدة ونحن نلفت النظر إلى ظاهر الاعتداءات المتكررة على الفتيات المعوقات، خاصة المعوقات بأمراض أو اضطرابات ذهنية أو عقلية. إلا أن الواقع يبدو أحيانا أكثر إيلاما بكثير مما يحاول البعض أن يقدمه. فالواقع أن هذه الاعتداءات تأخذ أشكالا مختلفة لا يندر فيها أن تصل إلى مرحلة الاغتصاب والحمل، بكل ما يترتب على ذلك من تبعات تطال الطفل الذي لا يجد أما قادرة على العناية به، ولا يجد أبا، ولا يجد أيضا جهات يمكنها أن تقدم العناية والرعاية اللازمة لنموه بشكل ملائم. ولاء في الثامنة عشر، و دعاء في العشرين من عمرها. تمتلكان من الجمال والصبا ما تحلم فيه أي فتاة في مقتبل العمر. لكن عمرهما العقلي لا يتجاوز الخامسة، وفق رأي الطبيب المختص. توفي عنهما الأم والأب اللذين قاما بحمايتهما حتى هذا العمر، وبعد وفاتهما بقيتا وحيدتين عرضةًًًً للظروف التي لا ترحم والاستغلال البشع تحت وطأة حاجتهما للرعاية الخاصة. فأقدم ذئب من ذئاب القرية على اغتصابهما وبقدرة الله انكشف ذلك الأمر بحملهما..
التقينا بهما بعد ولادة دعاء بساعات في أحد المشافي في مدينة حلب، بينما أنجبت ولاء مولودها بعد أيام، أحضرتهما الشرطة ومختار القرية التي تقطنان بها، وتم تسليمهما إلى مركز الإيواء بحلب للمحافظة على حياتهما وحياة الطفلين. وعندما سألنا مديرة الدار السيدة الفاضلة (أ-ع) أخبرتنا عن محاولتها بكل الوسائل أن تحصل على اعتراف منهما بأسماء من اغتصبهما، لكن دون جدوى! فمحاكمتهما العقلية ضعيفة، ونتيجة لذلك لم يُعرف الفاعل حتى الآن . أضافت السيدة (أ-ع) أن دعاء لم تستوعب حتى الآن أن المولود الجديد هو طفلها ويجب عليها أن تمارس أمومتها وتقوم بإرضاعه والعناية به. لذلك تولت هذا الموضوع المشرفات اللواتي يقمن برعايته ومساعدتها على إرضاعه رضاعة طبيعية. وعندما سألنا السيدة مديرة المركز عن مصير الطفل: هل يعقل أن يظل ذلك الطفل مع أمه بوضعها العقلي القاصر، أم الأفضل أخذه إلى دار لإيواء الأطفال؟! أجابتني السيدة (أ-ع): أنا لا أحرم أماً من طفلها فانا على استعداد أن أساعدها مدى العمر ليبقى بجانبها، فأنا أم وأقدر شعور الأمومة.
للوقوف على الوضع القانوني لهذه الحالة، تحدثنا مع المحامي الأستاذ أحمد منجونة، وهو أحد المحامين المتطوعين الذين لهم باع طويل في الدفاع عن الفتيات اللواتي تعرضن لأشكال مختلفة من الاضطهاد.. فقال: لا توجد مؤسسات أهلية أو حكومية قادرة على رعاية المتخلفين عقلياً، إنما يقتصر دور المؤسسات المختصة في هذا المجال على دور الإيواء فقط! واحياناً لا يتم إيداع المتخلفين عقلياً إلا بموجب ضبط من قبل عناصر الأمن مما يجعلهم عرضة لذئاب المجتمع الذي يحتضنهم! وتابع الأستاذ أحمد: في حالتي دعاء وولاء، فإن المادة 494 من قانون العقوبات تنص على (أن من استفاد من علة امرء من جسده أو نفسه فارتكب به فعلاً منافياً للحشمة يعاقب بالأشغال الشاقة مدة خمسة عشر عاماً)، أما المادة 501 من قانون العقوبات فتعاقب بالسجن مدة (15 إلى 21) عاماً للذي يرتكب جرم الخطف أو الإغتصاب عن قصد .....
وعن الوصاية على الطفل، ولمن تحق، قال الأستاذ منجونة: أن الوصاية تعود للقاضي الشرعي الذي يعين أحد الجهات المسؤولة عن الأطفال (كدور الإيواء –كفالة الطفولة). فهذه الجهة التابعة للدولة تكون مسؤولة عن هذا الطفل بشكل قانوني. ويتابع الأستاذ أحمد الحديث أنه في الآونة الأخيرة بتنا نسمع عن حالات اعتداء كثيرة مترافقة بممارسة كافة أنواع العنف الذي قد يتسبب بإيذاء قصد ارتكاب الرذيلة أو الحض على ارتكابها. لذلك كان من المفروض أن تكون هناك رعاية خاصة لمكافحة الفاعلين، وأن يعاقبوا بأشد العقوبات المنصوص عنها بالقانون، وأن تكلف الجهات المعنية وخاصة عناصر الأمن والنيابة العامة وقاضي التحقيق في البحث عن ملابسات مرتكبي هذه الجرائم والإمساك بهم .
لكن ماذا عن مصير الطفلين في مثل هذا الوضع.. سؤال توجهنا به إلى السيدة ميرفت زيوار، مديرة مركز رعاية الفتيات في حلب، فقالت: منذ سنوات مرت بنا حالات مشابهة وقد طلب الأهل من الطبيب في أثناء الولادة استئصال الرحم إلا أن الطبيب رفض ذلك قائلاً لايمكن لإنسان حرمان أم من أمومتها.
فهل لنا مثل هذا الحق في حالة كهذه، حيث قد يتكرر الاغتصاب وتتكرر المشكلة مع الفتاة نفسها؟ سؤال توجهنا به للدكتور مطاع بركات (قسم الصحة النفسية في كلية التربية بجامعة دمشق) فقال: لابد من دراسة الملف من كافة الجوانب (المجتمع –البيءة المحيطة المؤسسات المسؤولة). لأن أولوية التفكير في هذا الموضوع تعطى للطفل الموجود واقعاً من خلال تأهيل الطفل ورعايته مع أمه غير القادرة على توفير حاجاته ومتطلبات نموه اجتماعياً ونفسياً وفكريا، وذلك من خلال دعم المؤسسات المختصة التي تؤهل الأم والطفل معاً من خلال وجود أخصائيين اجتماعياً ونفسياً وطبياً، ومن خلال رعاية الطفل يتم تأهيل الأم لحماية نفسها من مشكلة مماثلة في المرات القادمة. وأكد الدكتور بركات على ضرورة بقاء الطفل مع أمه ضمن مؤسسات مختصة. وأنه لايحق لأي انسان إجراء جراحة من هذا النوع لمثل هذه الحالات تحت أي ذريعة ومهما كانت المبررات.
إذا، يتكرر اغتصاب المعوقات بأشكال مختلفة دون أن يجدن حماية تذكر مما هن فيه. وبدلا من إلقاء اللوم دائما على الفاعل (وهو ملام بالتأكيد ويجب أن ينال عقابه)، لا بد من النظر جديا في وضع الجمعيات والمؤسسات المختصة. وبشكل خاص لا بد من إطلاق حرية العمل للجمعيات القائمة، وإطلاق حرية إنشاء جمعيات جديدة دون قيود وشروط تفرغ عملها من مضمونه، من أجل أن يقوم المجتمع المدني بدوره الفاعل.
شهيناز عبد الغفور، عضوة فريق عمل نساء سورية، (تكرار اغتصاب المعوقات.. ونحن نتفرج!)