هل تتساءلون كيف يكون العنف بطريقة حضارية! أو الأصح: مُسْتَحْضَرَة... سأخبركم إذن... بعيداً عن أساليب القتل والضرب الأكثر شيوعاً ورواجاً واستخداماً للعنف ضد النساء في مجتمعاتنا... بعيداً عن كل الأساليب المألوفة التي يمارسها الرجال ضد النساء... هناك عنف من نوع آخر يمارسه طبقة معينة من الرجال... طبقة المثقفين... أو بتعبير أدق: مدّعي الثقافة الذين لا يعدّ عددهم ولا يحصى...
فحين يتزوج المثقف من امرأة ـ كان يراها هائلة ـ بعد حبٍ دام طويلاً... وبعد سنتين أو ما قارب من الزواج، يدّعي خلالها الرجل كل أنواع الرقي للتبرج أمام مجتمعه الثقافي، وبعد أن يكتشف في سنوات زواجه الأولى أنه بحاجة لطفل... وبعد أن تتفرغ الزوجة ـ التي كانت يوماً ما امرأة وحبيبة وعاشقة وزوجة ـ إلى الحمل والولادة وتربية الطفل، يكتشف هو أن هذا الزواج وهذا الطفل أصبح عبئاً ثقيلاً على حريته الشخصية... ويجد بذلك مبرراً لمثاقفته لوجوده كل اليوم خارج البيت... وللسهر اليومي لمناقشة أمور الثقافة المنحطة في البلد، بعد أن عجز عن مناقشتها مع زوجته... التافهة!!!... التي لا همّ لها إلا طفلها!!... ويجد بالمناسبة مبرراً لمغازلته لكل المثقفات اللواتي يتواجدن في السهرة، بعد أن طيّر المشروب ما تبقى من حطام عقله!!!... ويكتشف في لحظة ما أن إنسانيته تناديه، وأن الزوجة والطفل ليسا جزءاً من هذه الإنسانية، وأنهما لم يكونا يوماً حلمه أو طموحه، فيعيد النظر في مسألة الزواج، ويتخلى عنه بسهولة، خاصة أن زواجه لا يرتب عليه أية أعباء مادية، فالزوجة التي كانت حينها حبيبة لم تفكر يوماً بالمهر لأنها رفضت أن تُعامل كشيء يُدفع له ثمن... وهو يدّعي أنه لن يشتري امرأة يدفع ثمنها، بينما يفكر في دهاليز نفسه المغلقة على بعضها بأن ذلك سيخفف الحِمْلَ عنه حين يتركها... وطبعاً الابن ابنها وعليها كامل المسؤولية في تربيته... وهو عليه أخذه حين يكبر، لو شاء هو ذلك... وتبقى هي رهينة أمرين: إما أن تغض نظر عن تصرفاته الغير معقولة، لأنها الآن غير منتجة، بعد أن تخلت عن عملها وتفرغت لتربية طفلها، خاصة في سنتيه الأوليين... وبالتالي شعورها بالضعف والعجز والذل... هي التي كانت توزع قوة على الأخريات والآخرين... وأمامها الحل الثاني: الذي يحتاج أن تعود كما كانت... قبل أن تعرفه وتتزوجه ويبدأ خطته الرهيبة في تحطيمها، طبعاً مع أعباء أكثر وقوة وشجاعة أكبر بحكم وجود الطفل، ولأنها باتت في نظر المجتمع: مطلقة؟!... ولها أن تختار... وللمجتمع ـ كعادته ـ أن يحاربها في كلا الخيارين... أنا لا أهاجم أحداً... ولا أنوي شنّ حرب على أحد... لكن ظاهرة المتثاقفين تلك استفحلت كثيراً بين الناس، والنساء اللواتي يعنّفن يومياً بذريعة الحرية الشخصية المزيفة أصبح عددهن هائلاً... أقول ـ الآن وفي كل وقت ـ لكل مثقفي سورية... ولكل الذي يمارسون عنفاً مجانياً ضد نساءهم: تصالحوا مع أنفسكم وأوقفوا ادعاءاتكم الكاذبة... أوقفوا عنفكم ضد نساءكم...