وكأنه لم يكن ينقصنا إلا الازدحام الخانق لتكتمل معاناتنا! فمن العنف المنزلي والتمييز الذي نعانيه في العمل إلى العنف الذي تمارسه العادات والتقاليد والقانون ضدنا, إلى العنف الذي أصبحنا نقاسيه في كل خطوة في الشوارع ووسائط النقل الصغيرة والكبيرة! شوارعنا هي ذاتها, بطولها وعرضها, لكن عدد السكان الذي يزداد يجعلها تختنق فعليا, دون أن تتمكن التحسينات التي تطرأ, جسوراً و متحلقات وأنفاقاً, من التخفيف من غصة الشوارع لعجزها عن التوالد كل يوم مئات المرات كما يفعل البشر!
نمضي إلى أعمالنا ومنازلنا مثقلين بالهموم اليومية والمشاكل التي تتسبب بها ثقافة المجتمع الذكورية, لنفاجأ بأننا أصبحنا صيدا أكثر سهولة مع ازدحام وسائط النقل والشوارع, إذ أصبح من الطبيعي أن يلقي المعتدي باللوم على الازدحام بل ويؤيده الناس في ذلك! والازدحام هو ذاته, بما يعنيه من وجود عدد أكبر من الناس في البقعة الجغرافية ذاتها, هو ما يحرج كثيرا من النساء ويمنعهن بشكل غير مباشر, من الإعلان عن الاعتداء ومواجهته بشكل جريء كما يجب, وليس مستغربا مطلقا إن أعلنت عن ذلك أن يقال بأنها تسببت في الاعتداء في مجتمع يعتبر في كثير من شرائحه الاجتماعية أن المرأة هي "أصل الفتنة", ويسهم في ذلك أيضا تربيتها على الخضوع والاستسلام والامتثال مما يجعلها ترضخ للأمر الواقع ولا تفكر في المواجهة ودفع العنف الممارس ضدها. هنا فقط, في الشوارع ووسائط النقل, لا يمكننا أن نختار من يمرّ أو يقف أو يجلس بجانبنا أو بعيدا عنا, ولن يختلف الأمر كثيرا, إلا فيما ندر, في مجتمع ينظر إلى المرأة على أنها موضوع جنسي, وهنا ينفلت الكبت من عقاله ليبدو سافرا ومنفّرا محاصرا المرأة مانعا إياها من التمتع بحقها في أماكن عامة لا تنتهك فيها حريتها في العبور آمنة! وفي الشوارع المزدحمة كما في الشوارع الأقل ازدحاما ولكن بشكل أكثر وطأة تحت غطاء الازدحام, يبدأ الأمر بالمعاكسات والتحرش اللفظي ثم يتطور إلى التحرش الجسدي, بما يحمله كل ذلك من أذية نفسية تصل حد القهر, وقليلات من تحفزهنّ هذه الحالة النفسية إلى المواجهة دفاعا عن حرياتهن وحقوقهن, إذ غالبا ما تفضّلن ابتلاع ألمهن وقهرهن والمضيّ مسرعات خشية "فضيحة" ما! ويساهم في صعوبة اللجوء إلى القانون, الذي يكفل كنص قانوني العقوبة الرادعة على مثل هذه الاعتداءات, سوء انتشار رجال الشرطة في الشوارع وقلة عددهم, وخاصة في ساعات الذروة, حيث يركز من يتواجد منهم اهتمامهم على حركة مرور وسائط النقل وإهمالهم المتعمد غالبا لحالات التحرش والمضايقات التي تعانيها النساء في الشوارع. ويزداد الأمر تعقيدا بوجود الزوج أو الأخ أو أحد أفراد الأسرة معها, ويصبح الموضوع مرشّحا وبقوة ليصبح صراعا حقيقيا في الدفاع عن "الشرف", وهنا تصبح هي سبب المصائب كلها, وكثيرا ما ينتج عن ذلك التضييق عليها ليصل حد حبسها في منزلها ومنعها من الخروج مطلقا! كلنا , رجال ونساء, نملك الحق في العبور في شوارع وفي وسائط نقل آمنة, لا شرعية تسمح لكم بمصادرة هذا الحق من جهة وبالتعسف في منع المرأة من ممارسة حقها هذا من جهة أخرى, فأوقفوا استباحتكم لحقنا, أوقفوا سيل الإزعاجات الذي يجتاح شوارعنا, فنحن أشجار لها الحق في الحياة علنا!
هنادي زحلوط، عضوة فريق عمل نساء سورية، (إلى متى يستمر التحرش بنا في الشوارع!)