لا يتمثل مشروع قانون الأحوال الشخصية المقترح بمجرد القوانين المقترحة والمبوبة والمدرجة، بل يتمثل بعقلية تعمل في الخفاء لتظهر فجأة وقد اكتمل عملها تعلنه.. وكأنما وحدها على الساحة! وكأنما الميدان لها وحدها والباقي مجرد "آخرين أو أخوة أو أهل ذمة أو أهل كتاب".. والى آخره، من أشخاص هم بنظرهم "كمالة عدد"!.
وهنا لا أقصد فقط الطوائف الدينية، بل أقصد النساء والأطفال أيضا، وهم مواطنون لهم الحقوق ذاتها التي يتمتع بها أولئك الذين استفردوا بأقلام ٍ مستوردة من الجاهلية ومن قرون الظلام والاضطهاد.
ما أن خرج المشروع خلسة من تحت إبط القائمين عليه حتى تلهفه الكثيرون باحتمال أن يكون فرصة للنجاة بسورية نحو مستقبل أكثر إشراقا، يعني أسرة سورية عصرية طالما طالبت بها الكثير من الأصوات الحالمة بمستقبل أفضل للأسرة والمجتمع وللبلد كله.
لكن ما فاجأ البعض وأكّد مفاهيماً وحقائقاً عند البعض الآخر، هو أن نصوص هذا المشروع مكتوبة على ذات الأوراق التي كتب عليها قانون الأحوال الشخصية المتبع منذ أكثر من ستين عاما عندما كان عدد سكان سورية لا يتجاوز الخمسة ملايين نسمة، وما يتبع ذلك من تعليم وعمل وحياة اجتماعية وسياسية واقتصادية.
مشروع يتاجهل كل هذا التطور الهائل بالعلم والحياة الاجتماعية، إن من حيث التكنولوجيا، أو الانفتاح نحو العالم أو تغير المفاهيم! كل هذا لم يكن بحساب المقترحين لمشروع الأحوال الشخصية، والذي كأنما كتب ليردّ على المشاريع المقترحة لحقوق الطفل وحماية المرأة من العنف والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها سورية! وكذلك ليردّ على أصوات المطالبين بقانون أسرة عصري يجمع الكل تحت لواء المواطنة فقط!
بين طيات هذا المشروع ستبقى المرأة موطوءة.. وسيبقى عقد الزواج هو "عقد نكاح"! كأنه الفعل الوحيد في بناء الأسرة التي عليها مواجهة صعوبات الحياة والبناء السليم لمؤسسة لبنة في المجتمع والدولة! وستبقى واجبات المرأة في البيت وواجبات الرجل خارجه! وستستمد المرأة كل يوم حقوقها من الرجل، وليس من القانون! لتبقى تابعاً لتابع! فلا هي مواطنة، ولا هو مواطن! فحقوقه أيضا مسلوبة عندما يتزوج من نصف مواطنة، وعندما يعامل كأنه إنسان بدائي بدءا من السماح له بالزواج وهو طفل، وليس انتهاء بمعاملته على أساس طائفته ودينه.
إليكن أيتها النساء اللواتي استلمن مناصبا قيادية افتخترن بها، فأصبحتن نائبات ووزيرات وقاضيات وبرلمانيات ومديرات و.. أنتن اللواتي لم ير المشرعون ما وصلتن إليه، فبقيتن في نظرهن مجرد "موطوءات"! وأنصاف بشر تجوز عليكن الولاية والوصاية والرأفة والرحمة و.. و..
إليكن نقول: كلنا أمل أنكن ستطالبن بتخفيف الوطء عنكن قليلاً! ولو حتى مجرد محاولة!
فمصيبة أن تتخذن الصمت والحياد كفناً تغلفن أنفسكن به.
رهادة عبدوش، افتتاحية نساء سورية، (رسالة إلى الوزيرات والنائبات والمديرات المنكوحات والموطوءات: خففن الوطء عنكن قليلاً وأعلن رفضكن عن مشروع الأحوال الشخصية المقترح)