لم يكن مفاجئا من رئاسة مجلس الوزراء، ممثلة برئيس المجلس السيد محمد ناجي عطري، أن تدافع عن اللجنة السرية لتقسيم سورية إلى دويلات طوائف، وتشريع تحويل الرجال إلى عبيد، والنساء إلى جاريات وأمات، وتشريع اغتصاب الأطفال والطفلات، وتشريع محاكم التفتيش الممثلة بما يسمى "دعوى الحسبة"!
لم يكن مفاجئا، وإنما مثيرا للتأمل!
فالسيد رئيس مجلس الوزراء قال في "ملتقى البعث الفكري" الذي نظمه فرع دمشق لحزب البعث العربي الاشتراكي (23/6/2009)، قال، وفق ما نقلت جريدة "تشرين" التي امتنعت حتى الآن عن قول أية كلمة حول المشروع- المؤامرة، على غير عادتها في التصدي لقضايا اجتماعية هامة!!: "وفي ختام الأسئلة والمداخلات رد السيد رئيس الحكومة على المتسائلين قائلاً:
بالنسبة لقانون الأحوال الشخصية يجب ألا نحكم على الأمور قبل الحصول على معلومات كافية حقيقية حيث إن القانون لا يناقش في غرف مغلقة بل من قبل لجنة مشكلة في وزارة العدل وتضم كافة الوزارات والجهات العامة والأهلية والتشريعية المعنية به واستغرب هذه العاصفة التي شنت عليه في حين لا يزال أفكاراً وآراء تتداولها اللجنة ولم يرد حتى اليوم إلى رئاسة مجلس الوزراء لمناقشته وان هذا الهجوم على القانون هو استباق للواقع ولفكر اللجنة التي طرحته.
وطمأن الجميع بأنه سيتم الاستماع إلى كافة الآراء والأفكار ومناقشتها باستفاضة من باب الحرص على المصلحة الوطنية ومصلحة المواطن وأن يصدر القانون في النهاية معبرا عن المجتمع بكافة فئاته وشرائحه."! (انتهى الاقتباس)
فيما قاله السيد العطري محاور عدة بالغة الأهمية لا تثير التساؤل فحسب، بل تستدعي توضيحا فوريا لحقيقة هذه اللجنة المؤامرة وحقيقة ما تقوم به:
- إن المشروع نوقش ويناقش في غرف مغلقة وسرية أيضا بكل تأكيد. بدلالة أن أحدا حتى اليوم لا يعرف منهم هم هؤلاء المتآمرون الذين خططوا لهذا المشروع! فلمدة عامين متواصلين لم تعرف حتى أغلب الوزارات والجهات المعنية بوجود مثل هذه اللجنة! هذا إن عرف أي منها أصلا باستثناء وزارة واحدة ربما كان لـ"رأسها السابق" يدا طولى في فكرة وجود هذه اللجنة وما ستخططه!
- وحالما خرج المشروع- المؤامرة من الغرف المغلقة لهذه اللجنة (المشكلة بقرار من رئاسة مجلس الوزراء، وليس بقرار من أية جهة أخرى)، وزّع فورا إلى الجهات المعنية مع "أوامر" بالرد بالملاحظات (إن وحدت!) خلال أسبوع واحد فقط! فأي دليل أكبر من هذه الأدلة على أن اللجنة سرية فعلا!!
وهل مرور سنتين كاملتين على عمل هذه الجنة دون أن يعرف أحد بها، وهي تعد مشروعا ليحكم حياتنا من الولادة إلى الموت، لا يشكل عملا "في الغرف المغلقة"؟! فكيف إذا يكون "العمل في الغرف المغلقة"؟! هل لنا بشرح على مقاس ضحالة تفكيرنا؟!
ولا يهم إن كانت لجنة المؤامرة مشكلة في وزارة العدل أم في وزارة الغبن.. المهم أنها في حكومتنا وبقرار من رئيس هذه الحكومة وبرعاية كريمة من رئاسة هذه الحكومة التي أغدقت عليها عطفها ورعايتها ودعمها لعامين دون أن يعرف أحد بوجودها! وها هي ترفض اليوم وبكل إصرار إعلان أسماء هؤلاء المتآمرين!
- ثم، يقول السيد عطري أن اللجنة تضم "كافة الوزارات والجهات العامة والأهلية والتشريعية المعنية به". وهذا، لعمري، أغرب ما فيه التصريح! فإذا كان كذلك، لماذا لم يرد السيد عطري على الاتهامات العلنية الموجهة تجاه هذا الأمر، بتسمية هذه الوزارات؟! ولماذا لم يسمّ الممثلين عنها؟ هل كانت الهيئة السورية لشؤون الأسرة ممثلة؟ هل كانت هيئة تخطيط الدولة ممثلة؟ هل كان الاتحاد العام النسائي ممثلا؟ إذا كان كذلك، فلتعلن أسماء ممثليها لكي نعرف من الذي يثير يحرض على الانقسام الطائفي ويعمل على قلب نظام الحكم عبر نقض الدستور وكافة الالتزامات السورية؟!
نقول "ممثليها" لأن اللجنة، يقينا:
- لم تتضمن امرأة واحدة بإطلاق! وكيف ستتضمن وهو مشروع يستهدف معاملة النساء كما تعامل المحظيات والحيوانات الأليفة؟! إذ من حقوقها على زوجها " النفقة الشرعية من طعام وكسوة وتمريض وإسكان بالمعروف"!!
- ولا رجل دين واحد مسيحي أو يهودي! وكيف ستتضمن أيا منهم وهم في رؤية المشروع مجرد "كتابيين"، أي بشرا من الدرجة الثانية؟!
- ولا لاديني واحد، كيف سيكونون وهم يوضعون في حظيرة "المنبوذين الممنوعين من التزاوج والتناسل"؟!
- بل ولا حتى مسلم واحد، وكيف سيكون وهم يدوسون الإسلام بتحويله إلى دين عنف وتمييز واحتقار؟!.. بل فقط ظلاميون بقلوب معتمة وعقول مريضة لا هم لهم سوى الوصول إلى مآربهم الخاصة..
ومن هي هذه "الجهات الأهلية" التي تقول أنها ممثلة في لجنة المؤامرة؟ هل لكم بتوضيح أسماء هذه الجهات؟ فنحن نعلم علم اليقين أن أيا من الجهات المدنية غير ممثلة، اللهم إلا إذا اعتبرنا بعض الجمعيات "المتطرفة" التي فتح لها الباب على مصراعيه في السنوات الماضية، والتي تعمل على نشر الفكر الطائفي التكفيري، وتعمل على المزيد والمزيد من التجهيل باسم الدين، وتعتبر المرأة كتلة فساد وغواية، وترى أنه يجب تزويج الطفلات قبل بلوغهن "خشية وقوعهن في الفاحشة"، تلك الفاحشة التي لا يشيعها أحد قدر ما يشيعها إقطاعيو الظلام هؤلاء بتشريع العنف والتمييز والفتنة الطائفية. فلا نستبعد أبدا أن تكون بعض هذه "الجمعيات" الطائفية الطالبانية ممثلة فعلا، بل أن تكون هي أصلا من شكلت منهم لجنة المؤامرة هذه. وإذا صح توقعنا هذا، فسيكون ذلك منسجما فعلا مع مئات آلاف الأقراص المضغوطة (السيديهات) التي تملأ سورية ولا هم للأصوات المنكرة فيها سوى تحقير النساء والدعوة إلى العنف ضدهن، وتحقير الأديان الأخرى والدعوة إلى تكفير كل إنسان لا يطأطئ رأسه تحت أقدامهم! وهي نفسها التي رأينها تنشر فسادها وانحطاط فكرها في كل مكان، والتي سنأتي لاحقا إلى فضح كافة أساليبها الخبيثة في نشر الانحطاط والتكفير في المجتمع السوري، باسم الإسلام الذي هو براء منها براءة أبدية.
لكن الحقيقة أن أحدا من هؤلاء لم يكن ممثلا (باستثناء احتمال بعض الجمعيات التكفيرية تلك). ربما، نقول ربما فقط، كان أحد هؤلاء المتآمرين في اللجنة السرية عاملا أو موظفا في وزارة أو أخرى. فقد اعتدنا مؤخرا على رؤية أزلام "القاعدة" في كل مكان وتحت كل لبوس.. أما أن أحدا منهم هو ممثل مكلف من قبل وزارته أو هيئته أو منظمته في هذه اللجنة، فهذا بكل تأكيد غير صحيح.
ولا رد على اتهامنا هذا سوى بإعلان أسماء اللجنة وبجانب كل اسم الجهة التي يمثلها. وعندها سنعرف جيدا أين نوجه اتهاماتنا لمن يدمر بلدنا ماضيا وحاضرا ومستقبلا خدمة لإقطاعياته الدينية المعششة في عقله المريض.
- ثم، عن أية "أفكار وأراء تتداولها" لجنة المؤامرة تتحدث يا سيادة رئيس مجلس الوزراء؟ هل مشروع مؤامرة مبوبة في 665 مادة يُدَّعى أنها قانونية، كل مادة فيها تنز طائفية وحقدا على سورية أولا، ومن ثم على الرجال والنساء والطفلات، وكل كلمة فيها تنقض الدستور، والاتفاقيات الدولية، والعقائد السامية، هو مجرد "أفكار وآراء"؟! هل عنجهية هذه اللجنة التي لفت نفسها بعباءة المؤامرة السرية والتي رفضت حتى مذكرة واضحة من إحدى "الجهات العامة" بأن هذا المشروع يتناقض مع الدستور السوري نفسه، فردت عليه بكل صفاقة ووقاحة بـ"ليس مطلوب منكم المعارضة، بل فقط إبداء الملاحظات إن وجدت"، هي لجنة "تتداول أفكارا وآراء"! وردّت على جهة أخرى حين تحدثت عن أن هناك مشاريع قوانين متطورة في بعض المجالات المتعلقة بـ"ضمناها.. ضمناها..."!!
لا والله إنها ليست بلجنة تتداول. فهي لا ترى في السورين والسوريات، ضمنا الدولة، إلا قطيعا من العبيد يجب جره جرا إلى حظيرتهم، حظيرة الفكر الظلامي الحاقد على كل مظهر من مظاهر الحياة، حظيرة الذين لا يردعهم رادع عن دوس الإسلام والمسيحية واليهودية وكل عقيدة سامية من أجل مصالحهم ومصالح طائفيتهم التي عبروا عنها بكل صراحة ووضوح في مشروع قانون طائفي يحتقر العقائد الأخرى والنساء والأطفال احتقارا ما بعده احتقار!
ولو كانت "لجنة تتداول" لما تلطت خلف ستار السرية المطلقة، ولفاخر أعضاؤها بأنهم إنما هم من يشرعون قانونا ينظم حياة كل إنسان من ولادته إلى مماته، ولعشرات السنين القادمة. ولكن سريتها واختفاء أصحابها لهو دليل لا يدحض على أية مؤامرة خبيثة أعدت، ويجري المضي فيها يوما تلو الآخر.
- أما أن هذا المشروع "لم يرد حتى اليوم إلى رئاسة مجلس الوزراء لمناقشته" فهذا ما لم نفهمه مطلقا! فلا أحد إلا ويعرف أن المشروع خرج من مكاتب رئاسة مجلس الوزراء إلى "الجهات المعنية"!! وموظفو هذه المكاتب هم من وضعوا تلك الحواشي، وهم من ردوا ذلك الرد الفظ الاستعلائي!!
بل إن نسخة المشروع- المؤامرة مروّسة أصلا بقرار رئاسة مجلس الوزراء الذي شكلها (مشروع قانون الأحوال الشخصية السوري الذي أعدته اللجنة المشكلة بموجب قرار السيد رئيس مجلس الوزراء رقم /2437/ تاريخ 7/6/2007). ولا يحتاج الأمر إلى علم الظاهر والباطن، ولا إلى علم الـDNA الذي رفضته لجنة التفتيت، للتأكيد أنها ستقدم نتيجتها إلى من كلفها، أي مباشرة إلى رئاسة مجلس الوزراء! فكيف، إذاً، لم تصل إلى رئاسة مجلس الوزراء؟ هل هي حزورة ما؟
الواقع هي ليست حزورة. فهنا يدمج السيد رئيس مجلس الوزراء الكلمات بعضها ببعض في محاولة لإخفاء الحقيقة المرة الواضحة التي حاولنا أن نهرب منها طوال الشهر الماضي كله، وبكثير من الخجل، ونحن ندعي في كل افتتاحية لـ"مرصد نساء سورية" أن هذه الرئاسة لا علاقة لها باللجنة! وأنها ستفضح اللجنة بما ومن فيها!
لكن من الواضح أننا أخطأنا خطأ فادحا!
فما يفعله السيد رئيس مجلس الوزراء في رده هذا هو أنه يدمج ما بين رئاسة المجلس، وما بين المجلس نفسه. فالصحيح أن المشروع الطائفي لم يعرض بعد على مجلس الوزراء نفسه، وهي خطوة لا بد منها حتى ينتقل إلى الخطوة التالية أي إرساله إلى مجلس الشعب، ومن ثم إلى رئاسة الجمهورية ليصدر كمرسوم. إلا أن المشروع بدأ الإعداد له، وأمضت لجنة المؤامرة سنتين من العمل التآمري السري، وأنجزت مؤامرتها، وكل ذلك بعلم يقيني من رئاسة المجلس! ولكن بدون علم أحد آخر! بل إنها توهمت أن بإمكانها تمرير هذه المؤامرة في صمت إذا سارعت بتحديد المدة الزمنية لـ"إبداء الملاحظات" بـ: أسبوع!! متوهمة أن ادعاء اللجنة الطائفية أن رؤاها المظلمة هي "الشريعة الإسلامية" سوف يمر دون أن يتم فضح نفاقها في هذا الأمر!
لكن الرياح مضت بغير ما تشتهي السفن. فمسارعتنا إلى فضح هذه المؤامرة على أوسع نطاق، جعلت المؤامرة والمتآمرين في زاوية ميتة. فباتوا يتخبطون يمين وشمال. تارة يشيعون أن المشروع قد "جُمّد"! وتارة أن هناك "لجنة جديدة" لإعادة دراسة المشروع! وثالثة أن هناك تعديلات، وأن ما نتحدث عنه ليس هو المشروع! (وهي الخدعة الجديدة التي سنتحدث عنها لاحقا)! ورابعة بإصدار تعميمات تمنع الإعلام السوري الرسمي من النطق بأية كلمة لفضح مؤامرة الانقلاب الظلامي هذه!
وبمناسبة التعميم من رئاسة مجلس الوزراء، وهو تعميم شفهي حتى لا يمكن إثباته! إذا كان ما تقوله صحيح يا سيادة رئيس رئاسة مجلس الوزراء، فلماذا صدر عنكم مثل هذا التعميم؟ بل لماذا هو تعميم شفهي وليس مكتوبا ومروسا بـ"كليشة" رئاسة المجلس كما يجب؟! لماذا لم تعمم تعميما معاكسا تماما يطلب من الإعلام السوري فتح كل قنواته ووسائله للحصول على أكبر عدد ممكن من "الآراء والأفكار" التي سوف تعبر بالضرورة عن "المصلحة الوطنية ومصلحة المواطن وفئات وشرائح المجتمع المختلفة"؟!
- أما المفارقة الحقيقة في رد السيد رئيس مجلس الوزراء فهي في ختام الخبر الذي نشرته الصحف الرسمية، والذي عرضنا أعلاه ما نقلته "تشرين"، (الخبر الذي أجبر الإعلام السوري، بكل كوادره من نساء ورجال نفخر بهم/ن ونعتز بعملهن/م، على أن يكبس على جراحه ملحا فيصمت عن مؤامرة تستهدفه أولا، فهو سيكون أول ضحايا تشريع محاكم التفتيش الإرهابية باسم "دعوى الحسبة") إذ يقول: "وطمأن (السيد رئيس مجلس الوزراء) الجميع بأنه سيتم الإستماع إلى كافة الآراء ومناقشتها باستفاضة من باب الحرص على المصلحة الوطنية ومصلحة المواطن، وان يصدر القانون في النهاية معبرا عن المجتمع بكافة فئاته وشرائحه"!!
لا نعرف هنا ما الذي نقول!
الواقع أن في هذا الكلام الكثير من الصحة. فـ"فئات المجتمع وشرائحه" المعنية هنا هي بالضبط تلك المجموعات التكفيرية الظلامية التي تعادي الحياة معاداة أصيلة باسم الدين، ولا فئات ولا شرائح في المجتمع غيرها. فهي أصلا لا ترى في "الآخرين" سوى كفرة ممسوسين ضالين يجب قمعهم كخطوة أولى لجز رؤوسهم علنا! ولذلك صاغت مؤامرتها على مقاس مطابق لنزعتها الأصيلة إلى الدم والاستعباد!
والواقع أنه "سيتم الاستماع"! فهذا ما تفعله لجنة المؤامرة بالضبط. وهو ما عبر عنه د. حسان عوض، الذي سبق له أن عبر مرات عن احتقاره للمرأة باسم تكريمها، وزورا باسم الإسلام، وعن أوهامه باليوم الذي تتقوض فيه الدولة السورية وتقوم دولة أمراء الطوائف، حين قال: "نفضل الصمت ريثما تنتهي الفورة"!! بالنسبة له، وللجنة المؤامرة، وفيما يبدو، ومع كل الأسف، للسيد رئيس مجلس الوزراء أيضا، القضية قضية "استماع"!! أي "جعجوا ما تريدون.. تخريب سورية وتفتيتها سيتم على أيدينا"!
في الواقع إن المصلحة الوطنية الوحيدة هي ليست في الاستماع ولا في مناقشة و/أو تعديل مشروع ليس إلا مؤامرة طالبانية كبرى... بل فقط في إلغاء هذا المشروع برمته، وإعلان أسماء أعضاء لجنة المؤامرة، وكل من شارك في اختيارها ووضعها وعملها وتبني نتائجها، ومحاسبتهم بصفتهم متآمرين ضد الدستور والدولة والشعب السوري، ونقل الموضوع كليا إلى جهات أخرى علنية تشكل هيئة من الخبراء والخبيرات من الهيئة السورية لشؤون الأسرة والاتحاد العام النسائي والجمعيات المدنية الفاعلية في هذا المجال، وبأسماء علنية منذ اللحظة الأولى، وتعلن مسودتها على الملأ، وتفتح كافة أبواب الإعلام السوري الرسمي وغير الرسمي لنقاشها لمدة لا تقل عن عام كامل.. عندئذ فقط يمكن الحديث عن "الحرص على المصلحة الوطنية"!
أما أن نتحدث عن هذه "المصلحة الوطنية" في ظل مشرع لن تندمل الجراح التي فتحها بمجرد وجوده على هذا المستوى من الحكومة، حتى لو ألغي اليوم، وفي اللحظة هذه، فإن ذلك لا يعدو أن يكون هرسا للعين بمخرز ملوث، وليس ذرا للرماد في العيون فحسب!
إذا، ومرة أخرى، يؤسفنا أشد الأسف أننا قرأنا هذه الأجوبة من رئيس مجلس الوزراء، بينما كنا ننتظر، وإن بقليل جدا من الأمل، مبادرة منه لتوقف المؤامرة على سورية التي يتربع على أعلى جهازها التنفيذي!
وبهذا التصريح، أو هذه الردود، أو أيا كان اسمها، يكون السيد رئيس مجلس الوزراء، وبالتالي رئاسة مجلس الوزراء كلها، قد تبنت اللجنة السرية ومشروعها المؤامرة، وتكون مسؤولة مسؤولية مطلقة عن كل الآثار التدميرية التي رتبتها حتى اليوم، وعن كل ما سيلي ذلك.
وما سنختم به هذه المقالة التي علتها مرارة الخيبة، أن ما قمنا ونقوم به ليس "بعاصفة شنت على المشروع"، ولا فورة كما عبر د. العوض، الذي يدرّس في كلية الشريعة الحقد والعنف والتمييز لأجيال من الطلبة والطالبات، بدلا من المحبة والأخوة والرحابة والاجتهاد والتطور.. بل هي مواجهة مطلقة مع الفكر الظلامي التكفيري، الطائفي الحاقد، والاستعبادي المتخلف، مواجهة لن تنتهي كما تنتهي العواصف، سريعا.. بل ستستمر حتى تسقط المؤامرة كليا، وحتى يسقط معها كل من خطط لها وتدبرها ونفذها..
فهذا وطننا.. لا وطن الطائفية والعنف والتمييز واغتصاب الطفلات!
هذا وطننا نحن الذين نحرص على قيمه السامية والعادلة، على تطوره ورقيه أكثر نحو الحضارة والتقدم، نحو الروح الإنسانية السامية والعادلة التي هي جوهر أديان وعقائد وناس هذا الوطن.. وليس وطن المجندين في خدمة إملاءات وأجندات تكفيرية خارجية هدفها تدمير سورية التي يثبت تاريخها أنها براء من مثل هذا الانحطاط.
هذا وطننا الذي ندافع عن ماضيه بكل عجره وبجره، عن حاضره بكل علقمه وعسله، وعن مستقبله الذي نريده له مشرقا، لا مظلما ظلمات قبر إقطاعيي الدين وسالبو الإنسانية..
هذا وطننا.. وهذا المشروع مرفوض جملة وتفصيلا، بتجميد أو بتعديل أو بأي مسمى آخر. لن نتوقف أبدا، حتى لو بقينا في موجهته العمر كله، وحتى لو دفعنا الغالي والرخيص، حتى يسقط، ويسقط من صنعه..
وبما أنكم قد أثبتم في "ردكم هذا" أنكم في غير وارد الاعتذار من الشعب السوري، برجاله ونسائه وأطفاله وطفلاته، بمسلميه ومسيحييه ويهوده وبوذييه ولادينييه و.. في غير وارد الاعتذار عن هذا المشروع المؤامرة، وعن الفتنة التي تسبب بها، والشروخ التي خلقها في المجتمع السوري بمجرد وجوده، فإننا نحن، في "مرصد نساء سورية" نعتذر من هذا الشعب، شعبنا، أهلنا، أخوتنا وأخواتنا، أمهاتنا وآباؤنا وأطفالنا وطفلاتنا.. وبكل ألم، عن وجود هذا المخطط الأسود الذي بدأ تنفيذه بكل صراحة ووضح، ونتعهد أننا لن نتوقف أبدا قبل أن يلغى هذا المشروع تماما، ونرى كل من شارك في وضعه يحاسب محاسبة صارمة وفق القوانين المدنية السورية!
وندعو جميع الذين واللواتي أصبن بالإحباط والتشاؤم: لا تسقطوا ضحية ما يخططون لنا. فهم يريدون تماما أن نحبط ونيأس ونستسلم لكي يسهل لهم قيادتنا إلى مذابحهم الطائفية المرسومة في أوكار خارجية. بل لنستنفر جميعا دفاعا عن وطننا، عن بلدنا، عن أمهاتنا وآبائنا وأخواتنا وأخوتنا وبناتنا وأبنائنا.. بل عن حياتنا نفسها!
بسام القاضي، (رئاسة مجلس الوزراء تدافع عن اللجنة السرية، وتؤكد الاستمرار بمشروع تفتيت سورية!)