رغم تكشف المؤامرة التي هدفت إلى تدمير الدولة السورية من الداخل، عبر نسف أهم أسسها: المواطنة! واستبداله بالانتماءات الطائفية. كذلك نسف سلطة الدولة واستبداله بسلطة الاصوليين التكفيريين، ما تزال رئاسة مجلس الوزراء تضرب نطاق السرية التام على أسماء أعضاء اللجنة تلك، بينما اللجنة ما تزال قائمة لم يجر حلها حتى اللحظة. وما يزال الحصار الإعلامي الذي فرضه رئيس مجلس الوزارء على الإعلام السوري بتعميمه الشفهي المهدد، ساري المفعول.
والواقع أن الأفكار الأصولية المتطرفة تلك ما تزال معتمدة في كل من وزارة الأوقاف، وزارة العدل، ورئاسة مجلس الوزراء. تلك الأفكار التي تحتقر النساء وتعتبرهن جاريات للمتعة مدفوعة الأجر سلفا، ومأجورات للإنجاب والإرضاع مقابل طعامهن، الأفكار التي أكدت أنها لا ترى بشرا، بل مجرد عبيدا لها عبر تشريع اغتصاب الطفلات بمسمى الزواج (13 سنة للبنت، و15 سنة للصبي). بل إنها تحط من قدر الرجل أيضا بتحويله إلى مجرد كائن بهيمي تسيطر عليه غرائزه الجنسية، ودفتر حسابات لإجراء حسابات الربح المالي والخسارة في كل خطوة من حياته الأسرية.
صحيح أن المجتمع المدني في سورية، وفي المقدمة منه "مرصد نساء سورية"، تمكن من فضح المشروع إلى درجة أن تصرح رئاسة مجلس الوزراء أن المشروع قد رفض شكلا ومضمونا. لكن يبدو أن جملة "أعيد الموضوع إلى وزارة العدل"، الواردة في التصريح ذاك، والتي وضعنا كل ما يمكن من طيب نية لنفهمها على أنها إعادة "لموضوع البحث في تعديل لقانون الأحوال الشخصية"، وليست "إعادة للمشروع نفسه إلى اللجنة نفسها"، يبدو أن تلك الجملة لم تكن سوى مناورة أخرى للالتفاف على انكشاف الحقيقة السوداء لأهداف المشروع.
فرئاسة مجلس الوزراء ترفض حتى اليوم أن تعلن حل اللجنة السرية، وترفض أن تعلن أسماء أعضائها الذين عملوا جاهدين على تضمين المشروع كل ما يمكن أن ينقض إنسانية الإنسان، والانتماء إلى المواطنة بأي شكل كان.
والحقيقة أن وزارة العدل تشارك فعليا وبكل طاقتها في هذا الزخم الأسود. إلى حد أن وزير العدل نفسه يرفض أصلا أية فكرة عن إلغاء المشروع، ويعتبره "مثلا أعلى" للأحوال الشخصية في سورية! ويعتبر أي كلام آخر مجرد ثرثرة لا مكان لها! فله، ولرئيس مجلس الوزراء الكلمة الفصل والأخيرة. أما "الباقين" فلينطحوا رؤوسهم في صخر الحكومة!
إنه فصل جديد من المعركة ضد تحويل سورية إلى إمارات طالبانية، ضد تشريع اغتصاب الطفلات، ضد تحويل النساء والرجال إلى عبيد لمجموعة مريضة من رجال الدين.. وفي هذا الفصل تتكشف المزيد من الوجوه التي عملت وتعمل من أجل هذه الأهداف السوداء. من أجل جعل الانتماء الطائففي هو هوية الشخص وقيمته الأولى! من أجل جعل التطرف الوهابي والقاعدي هو من يحكم بلدا لم يعرف التطرف طوال عمره البالغ عشرات آلاف السنين!
وفي هذا الفصل، نعيد توجيه المناشدة إلى جميع رجال الدين الذين يعتقدون أن الدين ليس عقيدة عنصرية، ليس دين عنف واحتقار وتمييز، وجميع المثقفين والناشطين في كل مجال، إلى إعلان مواقفهم إعلانا صريحا لا لبس فيه، وإلى بذل كل الجهود الممكنة لمواجهة هذه المناورة المكشوفة.
ومن المهم أيضا أن نعيد التأكيد أن المشروع لن يمر. لا بصيغته كمشروع، ولا كأفكار. لن يمر لأننا، وجميع الذين واللواتي يعتزون بسورية بلدا لهم، لن يتخلوا عن حياتهم ومستقبلهم مهما كانت الصعاب، ومهما كان لهؤلاء الظلاميون التكفيريون مخططات ومن داعمين. فهذا المشروع، وجميع أفكاره السوداء، ليست لسورية، ولن تكون.
بسام القاضي، افتتاحية نساء سورية، (اللجنة السرية ما تزال قائمة، والمشروع الأسود ما يزال خطرا داهما)