قالت السيدة بشرى كنفاني، رئيسة المجلس التنفيذي لمنظمة المرأة العربية، أن "الدول تتحمل مسؤولية مباشرة في النهوض بواقع المرأة والتحرك نحو ربط النهوض بتحقيق التنمية في بلداننا، وهذا يستدعي أن يكون هناك عمل نسوي رسمي إلى جانب العمل الأهلي"، وأضافت: "نحن (منظمة المرأة العربية) نضع خططا واستراتيجيات ترفد النشاط النسوي القائم في أقطارنا، لكن الفارق بيننا وبين أية جهة نسوية أن قراراتنا وتوصياتنا تذهب إلى الدول التي لها حقها السيادي في التعامل مع تلك القرارات والتوصيات"، وفق ما نقلت الزميلة سعاد جروس (الشرق الأوسط).
جاءت هذه التصريحات أثناء أعمال الاجتماع العادي السابع للمجلس التنفيذي للمنظمة، والذي عقد بدمشق (21-23/12/2009).
ما قالته السيدة كنفاني مثير للانتباه فعلا. ذلك أنه صادر عن سيدة سورية يعرف الجميع مكانتها في الدولة السورية نفسها. وهي الدولة التي سمحت بأن يظهر إلى الوجود قانون طالباني يشرع أشد أشكال العنف والتمييز ضد المرأة السورية، وهو النسخة الاولى من مشروع قانون الأحوال الشخصية! بل وسمحت بأن تظهر النسخة الثانية من المشروع والتي تريد أن تكرس المفاهيم المتخلفة للقانون النافذ حاليا، والذي تشهد على تخلفه وعنفه وتمييزه آهات النساء المطلقات وأطفالهن في محاكم سورية. كما تشهد عليه حقيقة أن ما لا يتجاوز 5 % من النساء السوريات يحصلن على حصتهن من الإرث (نصف حصة الرجل)!
بل إنها، الدولة التي هي فيها، رفضت وبشدة أن تحقق حقا بسيطا وواضحا وسهلا للمرأة المطلقة بأن يكون لأطفالها سكن طوال مدة حضانتها؟!
ورفضت أن تحقق حقا إنسانيا، كما أنه حق دستوري، للأطفال السوريين المولودين من أم سورية بأن يحصلوا على جنسية أمهم بصفته حقا أساسيا، ووفق منطق القانون السوري نفسه الذي يعتمد "حق الدم". فالدم الذي يكون الجنين ويمنحه الحياة هو دم الأم، لا دم الأب الذي وضع شطره من "دي ان انا" واكتفى!
وهي الدولة نفسها التي أقرت أن نحو 50 جريمة قتل نساء سوريات باسم "الشرف"، رغم أن الواقع يقول برقم أكبر من ذلك بكثير، نتيجة لمادتين هما وصمتا عار في جبين القانون السوري، وجبين كل امرأة ورجل في سورية، لكنها وصمة عار اساسا في جبين الدولة نفسها التي دارت ودارت ثم خرجت علينا بلعبة كلمات حين استبدلت المادة 548 من قانون العقوبات بالمرسوم (38/2009) الذي أكد حق الذكور بقتل نسائهم مع وعد بعقوبة هي مجرد نزهة! فيما لا تزال المادة 192 تضع النياشين على صدور القتلة بإعفائهم من العقاب (سنتين أو ثلاث سنين لقاتل يرتكب جريمة قتل عمد هو وسام بكل معنى الكلمة)!
أفما كان الأجدى أن تضع السيدة كنفاني اصبعها على الجرح مباشرة، وتقول لنا كيف يمكن لعاصمة أن تستقبل في أرضها مثل هذا الاجتماع، فيما هي تدعم علنا وبوضوح العنف والتمييز ضد المرأة؟!
وتعرف السيدة كنفاني علم اليقين أن الجزء من الدولة السورية الذي يحلم بإقامة إمارات الطوائف على جثة الدولة نفسها، قد دمر أهم خطوة اتخذته الحكومة السورية منذ عقود، نقصد الهيئة السورية لشؤون الاسرة، حين فرغها من كوادرها وحجمها وجعلها مجرد صورة شكلية لا دور لها ولا قيمة! وذلك فقط لأنها قررت يوما أن تلعب دورها في تطور الواقع القانوني السوري باتجاه رفع العنف والتمييز عن المرأة السورية، بل عن الأسرة ككل.
إلى ذلك، فإن الحديث الدائم عن "سيادة الدول" بات حديثا مثيرا للانتباه فعلا. فلا أحد يتحدث عن سيادة الدول حين تعقد الصفقات مع شركات عالمية تستنزف ثرواتنا الباطنية منها والسطحية. ولا أحد يتحدث عن سيادة الدول حين تنتهك لسبب سياسي أو لآخر. لكن الجميع يخرج بصوت واحد منافح عن هذه السيادة حين يتعلق الأمر بحق المرأة الأساسي ان تكون إنسانة ومواطنة في بلدها، أو ما يفترض أنه "وطنها".
والحديث عن "سيادة الدول" من قبل منظمة هي "منظمة المرأة العربية"، أي هي مكونة أصلا من سيدات ينتمين حصرا إلى الدول العربية، وكل من هن لها مكانها ومكانتها في دولتها، هو حديث غير مفهوم!
فهل تحولت الدول إلى قبائل مغلقة معزولة كل منها في كوكب؟! هل باتت الناس في هذه الدول هم مجرد احتكار مغلق لأجهزة الدولة التي هم فيها؟
الحديث عن "سيادة الدول" هو حديث مخاتلة فقط لا غير. فقد رأينا هذه "الدول" تفور وتغلي وتصل إلى حافة الحروب لأن دولة ما (عربية أيضا) مارست حقها السيادي بالاستغناء عن عمالة بلد آخر (عربي ايضا)! ورأيناها تصل إلى حافة الحرب أيضا مرات ومرات بسبب اختلاف بسيط حول قضية اقتصادية مارست فيها إحدى هذه الدول "حقها السيادي" الذي اعتبرته دولة أخرى "انتهاك لحقها"!
منظمة المرأة العربية هي مبادرة رائدة بالتأكيد. حتى في ظل تشكيلتها وفعاليتها الحالية. لكن ريادتها هذه لا تعفيها من أن تصحح مسارها وتترك المجاملات الدبلوماسية والمراعاة لوزراء الخارجية والسلك الدبلوماسي، وتنتقل إلى ما يجب أن تكون عليه حقا: أي منظمة للضغط على حكومات الدول العربية لتقوم بتغييرات أساسية وجوهرية باتجاه رفع العنف والتمييز عن المرأة، ليس قانونيا فحسب، بل ومؤسساتيا ومجتمعيا أيضا.
ملاحظة:
رغم اعتراف السيدة كنفاني بأهمية العمل المدني في قضايا المرأة (ما سمته "العمل الأهلي")، إلا أنه من الجدير ذكره أن أيا من المنظمات العاملة في قضايا المرأة في سورية لم تدعى إلى هذا الاجتماع، لا مشاركة، ولا مراقبة، ولا مجرد حضور!
افتتاحية "نساء سورية"، (الحق السيادي ينتفي حين تتعرض المواطنات إلى العنف والتمييز)