عندما أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أسماء الفائزات العشر بجائزة نساء تحلين بالشجاعة لهذا العام 2010 وهن: شكرية أصيل وشفيقة قريشي من أفغانستان، واندرولا هنريك من قبرص، وسونيا بيير من جمهورية الدومينيكان، وشادي صدر من إيران، وآن نجوجو من كينيا، والدكتور لي اي-ران من كوريا الشمالية، وجانسيلا مجيد من سري لانكا، وجستينا موكوكو من زيمبابوي. بالإضافة إلى ماري كلود نداف من سوريا، انبرت الأقلام التي تختفي في المعارك الهامة، لكي تسرق الفرحة بالتشكيك والتخوين.
وهكذا بدأ الهمس واللمز، وبعض التصريح هنا وهناك، حول أن هذه الجائزة هي "عار"! وأن من يستلمها هو.... وأن هناك وراء الأكمة ما وراءها.. ولم ينس الهامسون/ات طبعا أن يتذكروا كل عار السياسة الأمريكية بهذه المناسبة، من جزيرة ترينيداد، وحتى مخلفات تسونامي.. والهدف كان واضحا: اعتبار ماري كلود نداف، من راهبات الراعي الصالح، واحدة من النساء العشر الشجاعات على مستوى العالم لهذا العام.
ماري كلود عملت كراهبة في دمشق منذ عقود، وتشهد آلاف النساء السوريات والعراقيات وغيرهن على العمل الذي قدمته، والفريق العامل معها، في حماية النساء المعنفات وفي مناهضة العنف والتمييز.
كما يشهد سجن النساء، ودور تأهيل الفتيات على الجهد الذي بذل من أجل التخفيف عن السجينات راشدات وطفلات.
ويشهد واقع أن دار الإيواء الأول في مواجهة العنف ضد المرأة، في سورية، هو الدار الذي أنشأته وتديره جمعية راهبات الراعي الصالح التي تنتمي إليها ماري كلود، قبل أن يفكر الكثيرون بأي الألوان أفضل لبهرجتهم/ن! فقد افتتح هذا الملجأ منذ ثمانينييات القرن الماضي، ليستقبل نساء معنفات وضحايا إتجار بالبشر من جميع دول العالم.
كذلك يشكل خط الثقة، الداعم لضحايا العنف ضد المرأة، والذي يقدم خدمة كبيرة ليس فقط بالإصغاء لضحايا العنف، وإنما أيضا بإرشادهن لما يجب أن يفعلنه، إضافة إلى التعامل المباشر مع الحالات التي يكون العنف فيها متفاقما، يشكل هذا الخط ليس فقط الخط الأول في مجاله في سورية، بل الوحيد أصلا. فما زالت مشاريع الآخرين حبرا على ورق بانتظار اجتماعات لا تنتهي، وترتيب أولويات "الاستفادة" من هذا التمويل أو ذاك!! وصراع النفوذ على من يدير هذا ومن يدير ذاك!! ومن يحضر هذه الدورة التدريبية ومن تحضر تلك!!
خط هاتف الثقة للنساء المعنفات الذي افتتح مع بداية عام 2007 بشراكة مع جميع الجهات الحكومية والأهلية ومع جميع الأديان شكل حالة جديدة من نوعها في الوسط السوري، فهذا المكان لا يميز بين دين وآخر، بين طائفة وأخرى، بين منطقة وأخرى، بل حتى بين بلد وآخر. كلنا بشر.. وكل ضحايا العنف هن بشر تم الاعتداء عليهن من معتدين. فلا هوية للضحية سوى الإنسانية. ولا هوية للمعتدي سوى الوحشية.
توقعت ماري كلود نداف أن تلقى الترحيب ممن لا يجد "منبرا" إلا ليؤكد عليه (طالما لا عمل ولا مسؤولية فيما يقوله) أنه "مجتمع مدني"!! لكنها لم تتوقع أبداً أن تلقى جائزتها الاستياء والتنديد!! وممن شكّلت معهن ومعهم يداً واحدة بوجه العنف ضد المرأة!!
هو التسييس!! أو ذريعة التسييس تخفي دوافع أخرى!! فقد حولوا/ن تلك الجائزة المجتمعية والإنسانية إلى "موقف سياسي".. وهي بعيدة كل البعد عنها..
فالجائزة هي لنساء تحلين بالشجاعة في جميع أنحاء العالم! أو أظهرن شجاعة وقيادة استثنائيتين في الدعوة لحقوق المرأة والنهوض بها.
هي إذا تتعلق بحقوق المرأة والنهوض بها، .وتعد تلك الجائزة الوحيدة من وزارة الخارجية الأمريكية التي تشيد بالقيادات النسائية البارزة في جميع أنحاء العالم وتعترف بالشجاعة والقيادة لهؤلاء النساء اللائي كافحن من أجل العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان.
وان كانت الحجة هي وضع اسم سورية أمام أسماء دول كإيران وقبرص وكينيا وكوريا والدوميكان وأفغانستان.. فهي حجة مردود عليها! فهذه الدول المذكورة ليست بمرتبة أقل من باقي دول العالم. بل هي دول تعمل من أجل حقوق المرأة، ولولا ذلك لما وجدت فيها نساء شجاعات يعملن من أجل المرأة!
إذاً هي دول تحاول الوصول إلى آليات لمساندة النساء المعنفات، وتحاول النهوض بواقع المرأة. فاسم سورية عندما يجاور أسماء دول تسعى نحو الأفضل ليس مسبة كما أراد/ت البعض أن يوحي! بل هو يعني أننا في موقعنا الصحيح، أو ما يجب أن يكون..
وهو يعني، بهذا القدر أو ذاك، ردا على التسييس الذي يتناول قضايا المرأة السورية. فالاعتراف بوجود نساء يناضلن من أجل مستقبل أفضل في سورية، هو اعتراف بأن سورية تجهد من أجل هذا المستقبل، دون أن تربط بذلك بالعديد من المصاعب على مستويات أخرى.
ومن يعتقد أنه بثرثرة هنا، أو بيان هناك يشكك في مصداقية هذه الجائزة، مثلما درجت عليه العادة مؤخرا تجاه أغلب من يحصلون على جوائز تقدر عملهم، فإنه لا يفعل سوى أن يبرهن على أن متلقي/ة هذه الجائزة هو برهان جديد على أننا ما زلنا، في سورية، لا نعرف كيف "نكبر" إلى بمحاولاتنا الفاشلة لتصغير الآخرين.
جائزة المرأة الشجاعة التي تلقتها الأخت ماري كلود نداف، والتي تقود وتشارك مباشرة بالعمل المناهض للعنف ضد المرأة على مستويات عدة، وبجهد وكد، ودون إعطاء قيمة أو وقت للثرثرة والتفاخر والمنابر و.. هي جائزة تستحقها كل امرأة سورية عملت من أجل مجتمعها. ولكن بالتأكيد لا تستحقها النساء، ولا الرجال الذين اعتادوا أن "يكدوا" في توليف الكلمات الفارغة، والطعن بجهود الآخرين، وسرقة عمل الناس، وادعاء ما هم أبعد الناس عنه!
أما الحديث عن من هي "هيلاري كلينتون"، و"الأهداف الغامضة" وراء هذه الجائزة، وعدم "شرعية" التصفيق لها ولا قبول جائزتها، فهو في الواقع أمر لا يستحق الرد بحال. فالجائزة، أي جائزة، لا تأخذ قيمتها من الشخص الذي يمنحها، ولا الشخص الذي يقدمها على المنصة، بل من معناها ومدى دقة وصدقية معاييرها. ولعل الأخت ماري كلود، ومن معها من نساء ورجال، من قلة يصعب على أحد أن يشكك في صدقية عملهن/م، دون أن يتسبب بابتسامة ساخرة على الوجه.
نهنئك ماري كلود.. جائزتك هي جائزة لنا جميعاً، ومعاً من أجل مجتمع خال من العنف والتمييز.