أكدنا مرارا أن وجود العديد من قوانين الأحوال الشخصية المبنية على أسس طائفية يشكل ضربة في الصميم لمفهوم المواطنة، ويذهب النساء والأطفال ضحية أولى وأساسية لهذا التعدد. لا يخفي هذه الحقيقة تلوين بعض القواني الطائفية بجمل براقة حول السيداو، أو ادعاء بعضها الآخر أنه يحترم "الخصوصية"، لأن قوانين الأحوال الشخصية القائمة الآن، مسيحية ومسلمة، لا تعتبر المرأة إلى كائنا ما تحت سلطة رجل دين ما. له أن يلعب بها كما يشاء بالتحالف مع رجاء الطائفة الآخرين من آباء وأزواج!
ولذلك طالبنا دائما بإلغاء تعدد قوانين الأحوال الشخصية في سورية، متضمنا ذلك إلغاء القانون الطائفي المعمول به حاليا. وتشريع قانون أسرة عصري وطني لا يعترف بأي معيار إلا معيار المواطنة، ولا يتضمن أي نوع من التمييز بين مواطن/ة من هذا الدين أو تلك الطائفة.
قبل أيام صدر مرسوم جديد يتعلق بصلب هذا الموضوع (منشور أدناه) عمل على تعديل المادة 308 من قانون الأحوال الشخصية السوري النافذ حاليا. ويعزز سلطة رجال الدين المسيحيين على رقاب المواطنين، وخاصة المواطنات السوريات.
ومن المفهوم أن رجال الدين هؤلاء دأبوا على المطالبة بهذا التغيير، فهم يعتقدون (صراحة أو مواربة) أن سلطاتهم التي يتوهمون أن الكنسية قد أعطتهم إياها على حياة الناس يجب أن تمتد لتحكم على توزيع الإرث. مستنندين (قول حق يراد به باطل) على أن قانون الأحوال الشخصية العام هو أصلا قانون طائفي يلغي المواطنة، وبذلك هو يتعدى على "حقوقهم".
لا نعرف كيف يمكن أن تصاغ كلمات مثل "حقوقنا" على اساس ديني أو طائفي في بلد يفترض أن ينحو إلى المزيد من تعزيز المواطنة على حساب الانتماءات الدنيا. فلا يفترض أن تكون هناك حقوق لأحد في التشريع تتجاوز اعتبار المواطنة ايا كانت مبرراتها.
إلا أن هذه النتيجة، من وجه آخر، هي نتيجة طبيعية للاستمرار بقانون أحوال شخصي طائفي يسود على الناس في سورية ويجبرهم على التخلي عن انتماءهم للوطن، ويخضعهم كليا لعمامات وقفاطين رجال الدين الذين يدعون أنهم يحافظون على كرامة المرأة وحريتها فيما هم يدعمون صراحة كافة أشكال العنف ضدها (اغتصابها من قبل الزوج، تمكين الزوج من التصرف بتفاصيل حياتها غير المالية، تنقيبها، حرمانها من أي علاقة إنسانية من أولادها..).
الواقع أن هذه الخطوة تمثل خطورة شديدة على المرأة والطفل في سورية. فهي تعيد الدولاب إلى الوراء قرونا. فهي بتعزيزها سلطة رجال الدين المسيحيين على المواطنين/ات السوريات المعتقدات بهذا الدين، تفتح الباب واسعا للمزيد من سلطة رجال الدين الآخرين (السنة والدروز والشيعة و...) على الناس المعتقدين/ات بتلك العقائد. والنتيجة واحدة أثبتتها كل دول العالم دون اي استثناء (من السعودية إلى إيران إلى أفغانستان..): النساء سوف يدفعن الثمن غاليا أولا. ثم المجتمع نفسه الذي سيعزز بناءه الطائفي على حساب بناءه المواطني.
إننا، في مرصد نساء سورية، نرفض هذه التعديل جملة وتفصيلا. ونطالب بإلغاء فوري لكافة قوانين الأحوال الشخصية الطائفية في سورية، واعتماد قانون أسرة وطني يعتمد معيارا وحيدا هو انتماء الأشخاص إلى الجنسية السورية، ويراعي كافة أوجه تطور المجتمع السوري والمرأة السورية بخاصة، ويدمج ما نصت عليه حقوق الإنسان (خاصة اتفاقية مناهضة كافة أشكال التمييز ضد المرأة: السيداو) في بنوده.
كما نطالب بإلغاء سلطة أي قانون للأحوال الشخصية على الأطفال، وإقرار مشروع قانون للطفل يخرج الأطفال من المنازعات المختلفة بين رجال الدين، ويؤمن كافة المعطيات المناسبة لنموهم الصحيح أطفالا سوريين لا انتماء لهم من أي نوع، بصفتهم أطفالا، سوى الانتماء إلى بلدهم.
فالبلد الذي تحكمه قوانين مختلفة وطائفية (خاصة في تنظيم الأسرة) هو بلد يمشي بالتأكيد إلى التفتت والتمزق.
نص المرسوم 76، لعام 2010، الخاص بتعديل المادة 308 من قانون الأحوال الشخصية السورية.. رجاء النقر هنا..
بسام القاضي، افتتاحية مرصد نساء سورية، (تعديل المادة 308: خطر المزيد من تفتيت الأسرة السورية تحت اسم "الخصوصية"!)