لا تأتي "جرائم الشرف" المدعومة من الحكومة السورية ورجال دين ومثقفون لم تنفع شهاداتهم الجامعية في الرقي بهم عن ثقافة الغابة (ممثلين بالداعمين والمبررين لاستمرار المواد العار في قانون العقوبات السوري: المرسوم 37 لعام 2009، والمادة 192)، من فراغ! بل هي مؤسسة في "نظام" من العنف والتمييز ضد المرأة يبدأ بالطرائف والنكات، ولا ينتهي بتشريع القتل! مارا بعادات وآليات مؤسساتية وخطاب ذكوري و..
اليوم العالمي للتضامن مع ضحايا جرائم الشرف
فالعنف ضد المرأة في سورية، والذي يشكل الثقافة اليومية هنا (رغم بعض التطور الذي حصل خاصة في الأسر الجديدة التي استطاعت أن تبتعد قليلا عن هذه الثقافة)، يجد أرضه الخصبة في كل مكان حولنا:
- قانون أحوال شخصية يتحكم بحياة الناس من ميلادهم إلى ما بعد وفاتهم (الإرث)، قائم كليا على اعتبار المرأة مجرد "متعة" للرجل، ومنجبة لسلالته العظيمة! فهي مرتبطة كليا بإرادة رجل ما هو والدها أولا، ثم زوجها، وقد يكون أيضا أيا من أخوتها أو عمومتها.. بل حتى قد يكون إبنها! إذ لا تستطيع المرأة أن تقرر أي شيء في حياتها دون إرادة ذكر ما. ولا تستطيع أن تزوج نفسها حتى إن بلغت مئة سنة من العمر! ولا تستطيع أن تطلق زوجها إلا إذا أثبتت أنها مقصر في "واجباته الزوجية"! أي، حصرا: مضاجعتها، وتأمين طعامها! بل حتى إذا طلقت بإرادة منفصلة من ذكر ما (ويمكنه أن يطلقها بمجرد أن يلفظ "ملافظ" الطلاق أو يكتبها أو حتى يدل عليها!) فإن ليس لها إلا ما تأخر من "ثمنها" الذي سبق أن دفعه قبل "الدخلة" بها (المهر)! وهي مجبرة أن تتحول إلى شبح محبوس في مكان واحد حتى لا يأخذ الحضانة منها! وهي مجبرة أن "تدبر رأسها" بمبلغ لا يكفي طفلا صغيرا يسمونه "نفقة"! وعليها أن "تدبر رأسها" أيضا في تأمين السكن طيلة فترة الحضانة لأن "العتاة" المعتدون بذكورتهم رفضوا أن يقروا عدالة لا يختلف عليها طفلان: سكن الحاضن مسؤولية مشتركة يتحمل القسط الأوفر منها من لا يقوم بالحضانة.
ومئات التفاصيل الأخرى المتعلقة بالزواج المتعدد، العمل، التعليم، السفر.....
- قانون عقوبات أكل الزمن عليه وشرب حتى صار مهزلة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. قانون عقوبات يسمح للأزواج أن يغتصبوا زوجاتهم! حرفيا ينص على أن "المادة 489 1 ـ من أكره غير زوجه بالعنف أو بالتهديد على الجماع عوقب بالأشغال الشاقة خمس عشرة سنة على الأقل"! قانون عقوبات يسمح للذكور أن تقتل النساء في عائلتها (الأخت والابنة والأم والزوجة...) مع وعد واضح أنه سيكرس بطلا بحد أدنى من العقوبة لا يتجاوز سنتين (حقيقة لا يغيرها اللعب بالكلمات)! المرسوم 37 لعام 2009 والمادة 192!
قانون عقوبات يقول للذكور: حتى في ممارسة الجنس خارج الزوجية سوف يكون عندكم عقوبة أخف بكثير من عقوبة النساء، فيما إذا "أثبت ذلك"! فقط نرجوكم لا تفعلوا ذلك في "بيت الزوجية"! (المواد 473-474-475)!
- قانون جنسية يعاقب النساء التي تتجرأ على الزواج من خارج "قبيلة الذكور" بحرمان أطفالها من حقهم الطبيعي بجنسية أمهاتهم! فيكونون غرباء في وطنهم! يعانون وتعاني أمهاتهم الأمرين فقط لأنهن لم يتزوجن من "ذكر" سوري!
- قرارات وتعاميم في وزارات الحكومة كلها لا تكف عن اضطهاد النساء واعتبارهن مجرد كائنات ملحقة بذكر ما! لن يكون آخرها تجرأ الحكومة السورية على حرمان النساء المطلقات والأرامل من ما تبقى من "الدعم" الحكومة للمحروقات، حرمانهن ما لم يكن يقمن الآن بحضانة ابن لذكر ما! فهؤلاء النساء لسن "مواطنات" في نظر الحكومة، لذلك هن فقط "تحت" أب ما، أو زوج ما.. أو "ليدبرن رؤوسهن"!
- ممارسات يومية في كل مكان تحقق العنف ضد النساء. حتى في "مخافر الشرطة" التي ترفع شعار "الشرطة في خدمة الشعب" فيما هي تقصد: "الشرطة في خدمة الذكور".! فإذا ما فكرت امرأة ما أن تشكوا عنفا تعرضت له في الشارع، العمل، أو في البيت.. فسيكون هؤلاء الذكور في المخافر سدا منيعا لا يعيدها صاغرة فحسب، بل يهينها بكل ما يتوفر لدى هذه المخافر من "سلطة وهيبة".
- خطب ومواعظ في الجوامع والكنائس لا تمل ولا تكل من الحديث عن "لباس النساء وتبرجهن"! حتى ليظن المراقب من الخارج أن الأديان صارت "فرق مطاوعة" لا هم لها ولا هدف إلا أن تراقب ما ترتديه أو تفعله النساء السوريات! آلاف "السيديهات" التي تجعل من النساء حيوانات جنسية يجب أن تضبط بقهرها وضربها وحبسها وتنقيبها و... بل إن بعضها يبث أيضا على شاشات وإذاعات سورية ليشكل واحدا من أهم مروجي العنف ضد النساء في السنين الخمسة الأخيرة!
كل هذا يشكل البيئة الأساسية لاستمرار العنف ضد النساء الذي لا يشكل اليوم "ظاهرة" في سورية، بل بات سلوكا يوميا لا يفكر بها المعتدون ولا شركاءهم (شركاء بالتحريض والتبرير والدعوة إلى العنف). سلوك لا يحصد عشرات النساء السوريات كل عام تحت مسمى "الشرف" فحسب، بل إنها يحصد آلاف النساء السوريات، وعشرات آلاف الأطفال، كل عام، بدفعهن لحياة ليس فيها إلا العنف!
قبل عامين تقريبا، قالت السيدة أسماء الأسد في المؤتمر الثاني لمنظمة المرأة العربية (11/2008): "لا يكون الوطن آمنا إذا كان نصف المجتمع غير آمن". ربما تكون المرة اليتيمة التي يجري التعبير فيها عن واقع العنف وحقيقته من شخصية على هذا المستوى. تعبير يلامس جوهر الحقيقة تماما: المعتدى عليه لا يكون آمنا أبدا. والنساء السوريات، منذ ولادتهن وحتى موتهن، ومن المتسولات حتى أعلى منصب.. هن غير آمنات في بلد تدعي حكومته أنها مسؤولة عن أمن كل من يخضع لدستورها.
النساء السوريات غير آمنات في وطنهن! يوميا يخضعن للعنف والتمييز! ويوميا تؤكد حكومة بلدهن أنها معنية فقط بمصالح "الذكور"، وأن وطنها (وطن هذه الحكومة) هو وطن الذكور فقط! أما النساء فيه فهن لسن إلا "متعة" ليستمتع بهن الذكور!
- بسام القاضي، افتتاحية مرصد نساء سورية (في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة: النساء السوريات غير آمنات في وطنهن!)