بثت "الإخبارية السورية" اليوم خبراً مفاده أنه تمت إحالة كل من محافظ درعا السابق، فيصل كلثوم، ورئيس فرع الأمن السياسي بدرعا، عاطف نجيب، إلى المحاكمة بناء على شكاوى أهالي درعا ضدهم حول العنف الذي مارساه ضد الناس عندما كانا على رأس وظيفتيهما، وضد الأطفال خصوصا.
إن هذه الخطوة تشكل، مبدئياً، خطوة صحيحة على طريق إيقاف العنف الدائر، والذي يهدد بالتوسع والدمار ما لم تعالج أسبابه بشكل جذري. والذي يشكل خطرا على كل سوري وسورية، خاصة على النساء والأطفال والمعوقين، بصفتهم الأطراف الأضعف في المجتمع السوري.
ومع تأييدنا التام لهذه الخطوة، نؤكد على ضرورة أن تكون المحاكمة مدنية لا عسكرية، وعلنية لا سرية، وعادلة لا متحيزة، وعاجلة لا بطيئة. فالمحاكمة المدنية العلنية العاجلة التي تسمح للناس أن تعرف فعلاً ماذا يجري قيد المحاكمة، وتلغي أية إمكانية لاستفادة المتهمين من نفوذهم السابق أو من علاقاتهم أو أية ارتباطات أخرى، هي محاكمة سيكون لها دور هام في تأكيد أن العنف يجب أن يكون مرفوضا ومدانا ومعاقب عليه أيا كان من ارتكبه، ومهما كانت سلطاته، وأياً كانت أهدافه. وهذا بدوره سيكون له أثر جيد على الناس الذين رفضوا كل هذا العنف الممارس ضدهم دون وجه حق.
إلا أننا، في الوقت نفسه، ندعو السلطات السورية إلى تعميم هذه الخطوة، والبدء فورا بإحالة كل المتهمين بممارسة العنف، في كل المدن السورية، سواء كانوا من أجهزة السلطة أو غيرها، إحالتهم إلى محاكم مدنية علنية وعاجلة. لينالوا عقابهم العادل على ما اقترفت أيديهم من هدر لدماء الناس. ويشمل ذلك كل من تقول السلطات أنهم "مجموعات مسلحة دخيلة". إذ ليس من المقبول ولا من المنطقي تصديق أن السلطات السورية لم تلقي القبض على أيا منهم رغم مرور أسابيع على تأكيد الإعلام السوري الرسمي على وجودهم وجرائهم!
إن تقديمهم إلى المحاكمة المدنية العلنية هو أيضا كفيل بإثبات صحة هذا الاتهام من عدمه، وكفيل أساسا بتحقيق عدالة يريدها كل الناس في سورية. إذ إن الشعب السوري كله عبر بوضوح خلال الأيام العصيبة الماضية عن رفضه وإدانته للعنف مهما كان مصدره.
وليس أفضل من كل ذلك سوى العمل على رفع قانون الطوارئ بشكل فوري، وعدم استبداله بأي "قانون طوارئ" آخر تحت مسمى جديد. بحيث لا يعود بإمكان أي شخص الاستفادة من موقعه الوظيفي في أي جهاز تابع للدولة، ضمنا أجهزة الأمن، ليقوم بخرق الدستور وانتهاك حقوق الإنسان بأي شكل كان.
إن الحاجة باتت ماسة اليوم لحماية المجتمع السوري من المزيد من العنف. والدعوات التي نسمعها، خاصة عبر الإعلام الرسمي السوري، حول أن "المواطنين" يريدون "قبضة أمنية من حديد"، هي دعوات مرفوضة جملة وتفصيلا (مثلما هي مرفوضة بعض الأصوات النشاز التي تحرض على الرد بعنف على العنف، بشكل مباشر أو غير مباشر)، بل يشكل نشرها وبثها والترويج لها، خاصة في فضائية "الإخبارية السورية"، ترويجا للعنف المجتمعي. فالعنف لن يجرّ إلا العنف. وإذا كان أحد ما يعتقد أن العنف يمكن اليوم أن يؤمن "السلم الاجتماعي" أو "الأمن والأمان"، فإن تجارب ماثلة للعيان، وأخرى قريبة جدا، تؤكد أن هذا لا يتعدى أن يكون وهماً في أحسن الأحوال.
إن مواجهة "التخريب" الذي تشير إليه السلطات السورية لا يكون بالعنف. ولا يصدق أحد في سورية أن السلطات السورية غير قادرة على ضبط الأمن دون استخدام العنف. فكلنا نعرف هذه السلطات ونعرف قدراتها.
والعنف الذي يتم الترويج له الآن، باسم "الأمن والأمان"، هو عنف لن يكون إلا بوابة للمزيد من العنف المضاد، ولانتشاره وتوسعه.
لذلك ندعو الإعلام السوري، خاصة الإعلام الفضائي الرسمي وشبه الرسمي، التوقف فوراً عن الترويج لهذا العنف. والتوجه فوراً، ودون تلكؤ، إلى الترويج لمعادلة أن المحاكمة المدنية العادلة هي مصير كل من يمارس العنف، سواء كان من أجهزة الدولة، من الناس، أو من أية جهات أخرى.
بسام القاضي، افتتاحية مرصد نساء سورية، (نعم لمحاكمة مدنية وعادلة لمن تسبب بالعنف في درعا.. وفي كل مكان آخر..)