حتى الآن تم رصد أكثر من 25 حالة اغتصاب (نتحفظ بالكامل عن ذكر أي من تفاصيلها) في مناطق عدة، ناجمة عن العنف الدائر في سورية، سواء كوسيلة لإهانة المجتمع الصغير الذي تنتمي إليه الضحية، أو لتفريغ شهوات جنسية استغلالا للظرف الأمني القائم.
وفي هذا الصدد ليس مهما الاتجاه السياسي أو الديني الذي يحمله الشخص المعتدي، ففي كل الأحوال استندت عملية الاغتصاب إلى الثقافة الذكورية البيهيمية التي ارتفع منسوبها في المجتمع السوري منذ بدأ العنف قبل سنة ونيف، وخاصة منذ صارت هناك مناطق واسعة غير آمنة. وهو أمر متلائم مع الضخ الإعلامي العنيف لقيم الذكورة بصفتها قيما "سامة"، فالبطل والشهم والشجاع والمناضل والمقاتل.. هو ذكر.. فيما ارتفعت بشدة ممارسات الحط من قيمة النساء من خلال اعتبار كل فعل دنيئ أو جبان أو.. هو فعل "نسوان"..
إلا أن واقع أن الذكور هم من يحملون الأسلحة ويتقاتلون، وهم من يسيطرون على الشوارع والحارات والبيوت، جعل من الذكور سلطة مطلقة ليس فقط في مناطق الصراع المسلح المحتدم، بل أيضا في عموم الثقافة السورية.
كذلك فإن واقع أن سلطة الدولة القانونية غائبة عن الكثير من المناطق، لتسود سلطة "المسلح"، جعل الذكور أنفسهم يتطرفون في سلوكهم، مثلما أجبر النساء على الخضوع لسلطة قوة غاشمة لا قانون لها.
وأيضا، شكل الطابع الأصولي المتطرف والمتخلف للفئة الرئيسية من حملة السلاح ضد الدولة، عاملا مهما جدا في رفع وتيرة العنف الذكوري ضد النساء بكافة مستوياته وأنواعه، وخاصة العنف الجنسي الذي يشكل "حقا" للذكور المتطرفين دينيا.
تمكنا من معرفة التفاصيل في بعض الحالات المذكورة، فيما لم نتمكن من ذلك في الكثير منها، نظرا لحساسية وضع الضحايا النفسي والاجتماعي، الذي جعل طرح الأسئلة بحد ذاته مشكلة كبيرة لهن. عدا عن كونهن جزءا من الثقافة العامة التي وجهت نفسيا الاعتداء الذي تعرضن له باتجاهات مرتبطة بالصراع المسلح على السلطة الدائر اليوم في سورية.
وتكمن المشكلة الحقيقية في جانبين:
- عدم إمكانية رفع أي شكوى ضد المعتدين، سواء بسبب الوضع الأمني، أو بسبب الوضع النفسي-الاجتماعي. إذ فضلت النساء الـ 25 كتمان الأمر عن أسرهن وأقاربهن، والتصرف بطريقة شخصية بحتة (بعضهن اضطر للجوء إلى عمليات إجهاض للحمل الناتج عن الإغتصاب)، خاصة أن حياتهن نفسها في خطر جدي في حال تكشف أنهن كن ضحايا لهذه الجريمة.
- ميل الضحايا الشديد لاعتبار أنفسهن ضحايا طرف من أطراف الصراع، ولسن ضحايا اعتداء ذكوري. أي النظر إلى المعتدي عبر موقفه السياسي من الأحداث الجارية، وتحميل كل من يحمل ذلك الرأي مسؤولية الاعتداء الذي تعرضت له. مما يصعب إلى درجة كبيرة إمكانية الضحايا أنفسهن، أو أي جهات أخرى، العمل على تخفيف الآثار النفسية للاغتصاب.
من المؤكد أن أعداد النساء السوريات المغتصبات خلال سنة ونيف من بدء الأحداث في سورية يشكل أضعافا مضاعفة للرقم المذكور أعلاه.
وإذا كان من شبه المستحيل الوصول إليهن جميعا، ومن المتعذر جدا التواصل معهن من خلال الدولة أو المنظمات العاملة، فإن المسؤولية الكبرى في مساعدة هؤلاء النساء تقع اليوم على الأفراد الذين يحيطون أو يتواصلون مع هؤلاء النساء، والذين قد يشكلون مصدر ثقة وإن محدود، مما يسمح لهم بالعمل الجدي على مساعدتهن نفسيا، وأحيانا عمليا.
وإضافة إلى إمكانية استشارة هؤلاء للأشخاص المختصين (سواء أطباء نفسيين أو منظمات متخصصة كمرصد نساء سورية) للحصول على بعض الإرشادات المساعدة، فإن الحفاظ على السرية المطلقة لكل تفصيل من حياة هؤلاء الضحايا، بدءا من الإسم، هو أمر حيوي للغاية.
وسيكون هذا العمل الفردي بالغ الأهمية الآن، وأيضا مهمه جدا غدا بعد أن ينتهي العنف المسلح ويستقر الوضع الأمني بما يسمح بحركة مدنية ممنهجة لمعالجة هذه الآثار. فكلما كان العمل الفردي هذا جادا ومسؤولا، حتى مع معلومات ضعيفة، كلما كانت إمكانية تجاوز الآثار المتراكمة أسهل لاحقا.
العنف المجتمعي هو الأساس في العنف الفردي، لا العكس. وكلما ارتفعت شدة حضور ثقافة العنف المجتمعي، وممارسة هذه الثقافة، كلما عانت النساء (والأطفال) أشكالا ومستويات أشد من العنف الذكوري.
بسام القاضي، العنف السياسي يغتصب النساء في سورية، العنف يغتصب النساء في سورية، 2012/4/28
خاص: مرصد نساء سورية