رغم أن الإرهابيين في سورية قد أعلنوا برنامجهم الأصولي الإسلامي بشكل صريح وواضح، ورغم أن عبارة "الشريعة الإسلامية" هي عبارة مطاطة تتضمن كل ما يرغب به هذا المعمم أو ذاك (فهي تتضمن فتاوى ابن تيمية والقرضاوي والظواهري.. مثلما تتضمن التشريع القرآني!)، إلا أن واقع الإرهاب في سورية قد تجاوز كل هذا، ومارس ويمارس انحطاطا أخلاقيا لم تشهد سورية له مثيلا في تاريخها الممتد عشرات آلاف السنين.
ويشكل اغتصاب النساء كجزء من الحرب الإرهابية أحد الأشكال الكثيرة لهذا الانحطاط.
بدأ استخدام سلاح الإغتصاب من قبل الإرهابيين مترافقا مع الأيام الأولى لسيطرة الأصوليين الإسلامين على الحراك العفوي السوري (الذي كان يحمل بذورا للديمقراطية والمدنية، تم إجهاضها وقتلها قبل أن تنتش)، ففي حزيران 2011، اغتصبت العديد من النساء في جسر الشغور وإدلب. وبرر هذا الفعل بأنهن "سبايا" لأنهن ينتمين إلى طائفة إسلامية معينة، ولأنهن لا يوالين الإرهابيين إرهابهم.
ومن ثم تتالت الأخبار بشكل سريع عن شيوع هذه الجريمة كسلاح أساسي لدى الإرهابيين، وتأكد المرصد (ضمن معايير أقل دقة من التي كان يستخدمها سابقا، بسبب من الأوضاع الامنية) من عشرات حالات الإغتصاب التي قام بها الإرهابيون كجزء من معركتهم لتدمير سورية، امتدت من حمص وريفها حتى الحدود التركية.
وفي كل مرة من هذه الحالات كان يجري اختطاف المرأة بشكل عشوائي أحيانا، ومخطط له أحيانا أخرى.
ففي حالات الاختطاف العشوائي كان يجري إيقاف وسيلة نقل (مثلا) وإنزال كل ركابها، واختطاف بعضهم نساء ورجالا، حيث يتعرض الرجال إلى كافة أشكال التعذيب، وقد يتعرضون للاغتصاب أيضا، ويجري مبادلتهم لاحقا بفدية كبيرة تستخدم لتمويل الإرهاب، أو قتلهم بكل بساطة. فيما يتم اغتصاب النساء، إضافة إلى مبادلتهن بفدية أو قتلهن.
أما في حالات الاختطاف المخطط، فيجري اختيار النساء المقصودات على أن يكن من أسر أو قرى رفضت موالاة الإرهاب، ويختطفن بهدف إذلال أهاليهن وقراهن، وأحيانا بهدف إجبارهم على دعم الإرهابيين، ومن بين هؤلاء نساء يجري اغتصابهن كجزء من عملية الإذلال والإجبار.
إضافة إلى ذلك، مارس الإرهابيون الأصوليون على نطاق محدد عمليات سبي تقوم على أساس ديني-قبلي. فالمجموعات الإرهابيية في منطقة الحصن (ريف حمص) على سبيل المثال، مارست لوقت طويل سبيا لنساء يعتقدن بالمسيحية على أساس فتاويهم الخاصة بأن سبي النساء المسيحيات واغتصابهن هو حق مشروع لهم. (يذكر في هذا الصدد أن دفع "الجزية" بات أمرا واقعا في بعض المناطق يمارسه الإرهابيون ضد السوريين المعتقدين بالمسيحية، كما يحدث في يبرود مثلا).
صحيح أن بعض الميليشيات المسلحة الموالية للنظام السياسي في سورية قد مارست أيضا خطف النساء واغتصابهن لأهداف طائفية وسياسية، إلا أن ما مارسته هذه الميليشيات لا يشكل إلا جزءا بسيطا مقارنة بما مارسه الإرهابيون، وأتى لاحقا لممارسة الإرهابيين، وإن كان الاعتبارين هذين لا يقللان أبدا من الطبيعة الجرمية والمنحطة لهذا الفعل. فكل رد فعل يترجم بإرادة ومعرفة هو فعل كامل.
وسنعمل لاحقا على نشر العديد من قصص هؤلاء النساء-الضحايا ممن تمكنا من الوثوق من نسبة كبيرة من صدقية قصصهن.
هذه هي حقيقة ما يسمى "الثورة السورية"، وهي في الحقيقة مجرد مجموعات من المجرمين الأصوليين الذين لا يؤمنون بأي حقوق لأي إنسان، رجلا كان أو امرأة، فالجميع هم عبيد أهوائهم وشهواتهم وأمراضهم النفسية التي يجسدها لهم في فتاو بعض من كبار المجرمين القتلة المعممين بعمامات رجال الدين.
إلا أن الموقف من النساء يكشف أكثر حقيقة انحطاطهم، إذ تشكل المرأة بالنسبة لهم عارا مجسدا، كائنا ما تحت إنساني، كائن جنسي وظيفته الوحيدة هي تلبية شهواتهم الخاصة، إلا حد أن تم اختزل الجنة الموعودة نفسها إلى مساحة مفتوحة للجنس الجماعي، كما يعبرون ويعبر قادتهم الدينيون بشكل دائم، عبر الحديث عن "الحوريات" اللواتي ينتظرن من يمارس القتل والإرهاب، بل إن عدد أولئك "الحوريات" لكل إرهابي يتزايد طردا مع عدد الجرائم التي يرتكبها ضد الشعب السوري.
افتتاحية مرصد نساء سورية، بسام القاضي، 5/12/2012، (اغتصاب النساء سلاح أساسي في "الثورة السورية المنحطة")
مرصد نساء سورية