كم حاولت منعك من المجيء إلا أنك أصريت وألحيت وباءت كل محاولاتي بالفشل، أغلقتُ جميع الطرقات بوجهك سددت جميع المنافذ وضعت الحواجز تلو الحواجز وعممت اسمك في كل مكان وكنت على رأس القائمة السوداء.
أنكرتك وتنكرت لك، تبرأت منك ومع ذلك أتيت.. وحين لم استطع منعك بكل ما أوتيت به من قوة ورغم تحريك جميع الواسطات والطلب من السلطات وتدخل الجهات المعنية والمختصة ولكنهم جميعاً لم يستطيعوا إيقاف تقدمك.
تسللت كمجموعة إرهابية.. كالصوص في الليل..مررت أمام الجميع متخفياً كشبح وظهرت كمفاجأة رغم معرفتهم بقدومك يوما مااااااااااا.
ورغم يقيني أنا أيضاً بمجيئك،حينها وقفت مكتوفة الأيدي أمام وصولك الصاعق لذا قررت أنا الهروب منك بشتى الوسائل، لم أترك طريقة ولم أعدم وسيلة فقد تحايلتُ على الشكل وغيرت في المضمون، زورت وخدعت وأخفيت وكذبت ولكن؟؟؟
ما النتيجة؟؟ الفشل.. أجل لم انجح ها قد أتيت مع أن قدومك كان مختلفاً هذا العام كإحساسي بك كنتَ مكفهراً شاحبا كئيباً فضلتَ السواد لتتشح به حاملاً بيدك بندقية بدل باقة الزهور، تفوح منك رائحة الدم والبارود بدل روائح العطور التي عودتني عليها في كل عام.
تحول الشريط الأحمر الذي كان يلف خصر باقات الزهور إلى شريط أسود يقبع في الزوايا العلوية للصور في البيوت.
وأنت أين اختفت الابتسامة والنظرة البريئة ليرتسم مكانها تكشيرة ذئب ونظرة حقد نابعة من قلب أسود ملأه الحزن والألم والدمار.
تحول الحصان الأبيض الذي كنت تمتطيه إلى دبابة أضلت الطريق فلم تسلك طريق المنزل المفروش بالياسمين كما قالت لك الجدة وإنما أخذت بنصيحة الذئب وسلكت طريق الغابة الموحش.
نعم ها أنت هنا الآن،هاقد جئت ولم أكن في انتظارك.. وهذه المرة من أكثر المرات فيها "غير مرحب بك".. إنه أنت عيد ميلادي ال.. لا لن أخبركم عن عدد السنوات ولن أخبركم أيضاً بعدد الشمعات التي ستوضع على قالب " الكاتو " الذي لم ولن يأتي.
ففي بلدنا لا نسأل سيدة عن عمرها ولا رجل عن دخله الشهري،و لكن في الحقيقة ليس هذا هو السبب فسنوات عمري أنا ليست كغيرها لا تحسب إلا بعدد سنوات السعادة التي قضيتها وبعدد السنوات التي حققتُ خلالها حلم ما أو أمنية معينة ودون ذلك لا قيمة له.
كم قاومت هذه اللحظة قمت بتمزيق ورقة الروزنامة التي كتب عليها هذا التاريخ لعل أحداً لن ينتبه إلى اختفاء يوم منها ربما سقط سهواً كغيره من الأيام الكثيرة التي تُسرق من عمرنا في غفلة منا.. جميع الأيام أصبحت متشابهة، فحزن وألم اليوم لا يختلف عن ألم الأمس وغداً..
ًفكرت في السفر إلى قارة أخرى يختلف فيها التوقيت فربما بين هنا وهناك يضيع هذا التاريخ ولا أمر به نهائياً، يتوه في الفضاء يطير بعيداً جداً.
عيد ميلادي هذا العام كان مختلفاً وأكثر ما يميزه هو غيابك المفاجئ، لوجودك رونقه الخاص، حضورك له نكهته المميزة في كل شيء نفعله سوية أو نمر به أو نعيشه ونحياه..
احتاج إليك أكثر من أي وقت مضى..لم يستطع أحد أن يحتل ولو جزء صغير في مكانك المحجوز لك حتى تعود وإن طال غيابك.
ميلادي بدأ معك، مع وجودك، لذا أصبح له معنى،أما الآن بعد هجرك لي كيف سأحتفل بعيد ميلادي أم أن التقويم أصبح هجري لأقول عيد ميلادي قبل الهجرة وبعد الهجرة.
فالذاكرة ترفض أن تتخلى عنك ففي أوقات السعادة والحزن تكون أنت فقط حاضراً وبشدة.
نعم.. لقد آلمني غيابك جداً زاد من حلكة الظلام الذي نعيشه.. أضفى على يومي صمت مرعب رغم جميع أصوات إطلاق النار والانفجارات التي يتخللها فاصل قصير من التكبير، والتي ظننتها للوهلة الأولى أصوات الألعاب النارية احتفالا بالمناسبة السعيدة..تلك التفجيرات التي كان إحداها من نصيبي يوماً هل تتخيل الشعور الذي يمكن أن ينتاب شخص وسط الدمار.. تشعر بأنك ستهلك بعد دقائق لا بل هلكت فعلاً لأن تفجيراتنا لا تأتي مفردة كالمصائب..
في تلك اللحظات القاسية يمر شريط عمرك كاملاً أمام عينيك في ثوان معدودة.. تستعيد كل شيء وتكتشف فجأة حجم الوهم الذي كنا فيه يوما..
الماضي والحاضر وحتى المستقبل يمر أمامك في تلك اللحظة.. مستقبل أضعناه من بين أيدينا فليس شرطاً أن يكون المستقبل في الأفق فربما كان قريبا جدا منا يعانقنا ونحن غير مكترثين به بينما كنا نحلم بمستقبل آخر دون أن ندري بأنه قد لا يأتي أبداً..
وجوه معينة تمر في شريط حياتك في تلك اللحظة دون غيرها ووجهك أنت اختصر كل الوجوه.
فماذا يعنيني أنا من 7 مليارات يشاركونني هذا الكون يتقاسمون معي الماء والهواء والأرض وليس في القلب سواك.
حنان عارف، زاوية بوح، 2012/11/12، (عيد ميلادي الهجري..)
خاص: مرصد نساء سورية