بعد ليلٍ طويل مرّ بلا نوم جلست أسند تعبي, الحزن يقض مضجعي, ومشاعري ترفض ما يحدث..لا .. ليست بلادي الآمنة تلك التي تتجرع اليوم كأساً مراً.
الصراخ والهتاف والرصاص ودعواتٍ لجهادِ الأخوة ضدّ إخوتهم..أصواتٌ اخترقت رأسي فصرت أسمعها دون أن تكون موجودة.
بعد عدة ساعاتٍ, حلّ هدوءٌ صامت وكدت أغفو حين شعرت بثقلٍ على كتفي الأيسر, حركت ذراعي لكن الثقل بقي جاثماً, نظرت جانباً لأرى السبب فوجدتكِ تستندين بشموخكِ وكبريائك لتشكي همّك لي.
أيعقل؟ لم أصدق! أنتِ ! أنتِ التي أستند على حجارتك السوداء لأبكي أحزاني, وأقطف من ياسمينك الأبيض لأزين فرحتي, وأمشي فوق طرقاتكِ واثقة الخطوة, تشرق ابتسامتي لكل من ألقاه في طريقي, لا أسأله لوناً أو ديناً أو انتماءَ, أنتِ غاليتي.. مدينتي.. تبكين على كتفي؟!
أهو كابوسٌ أم حقيقة؟
حمص الأبية..حمص العدّية.. تبكي أولادها وتستغيث, تناديهم بحقِ الهواء والماء والتراب, بحق الشمس التي تطل عليها كل يوم, بحق الربيع الذي جاء يسكنها في نيسان ككل عام فخاف من أبنائها وحزم أمتعته متردداً بالبقاء.. تنادي هؤلاء الذين أرضعتهم من حنانها أن يعقلوا ويفكروا كم هم أخوة بالإنسانية, وأنهم أبناءٌ لأمٍ واحدة هي حمص, من رحمها ولدوا ومن عاصيها شربوا.
خاطبتني هامسةً باكية : " أقسى ما يصيب الأم أن تجد أبناءها يعصون, يتآمرون, يطمعون, ويسفك دمهم لتتلقاه ذراعاها وهي تنتحب, ما أصعب شعورها حين يسكن الشر قلوبهم غضباً فيقتلون بعضهم بعضاً أو يسمحون لغريبٍ أن يبث الحقد في نفوسهم. أنا الأم الحزينة.. أريد أبنائي, أحبهم جميعاً, لم أفرق يوماً بينهم فلماذا يطعنون جنبي بالحراب."
خاطبتها وقد طفرت دموعي باكيةً على أنفسنا لا عليها: " لا تخافي يا غالية, الكل أدرك كم يحبكِ يوم رأى جراحك تنزف. ستأتي الصحوة لأولادك البررة لا محال, وسيعرفون كم هم متحدون, زرعت فينا حب الوطن وعشق أرضك, علمتنا أنك فوق كل اختلاف. يكفينا فخراً أننا حمامصة سوريون. لا تعصب..لا طائفية.. لا فتنة.. كل هذه الأملاح السوداء ستذوب أمام حبكِ الأبيض. سيتذكرون غداً أن المحبة والتسامح وقبول الآخر هي أساس الحرية."
عشتِ حبيبتي عزيزةً كريمة ..عشتِ يا أمي يا حمص الدافئة ودام فيك الإخاء والسلام.
د. لين غرير، زاوية "بين السطور"، (حمص.. يا دار السلام)