ما يزال حق الأطفال السوريين المولودين من أم سورية منتهك في القانون السوري إذ هم مجبرون على أن يكونوا أجانب في وطنهم الذي تنتمي إليه أمهاتهم (أو "النصف الذي يربي النصف الثاني من المجتمع" حسب قول الزايدين في الوطنية حين يهدفون إلى التقليل من شأن النساء عبر البلاغة الإنشائية!).
ورغم تردد الكثير من الكلام عن مشاريع في مجلس الشعب، إلا أن أيا منها لا يبدو أنه سيرى النور قريبا. لسبب بسيط: الحكومة السورية ترفض بشدة إقرار هذا الحق مثلما ترفض إقرار حقوق المرأة السورية بصفتها مواطنة! وهذا أمر متوقع. فالثقافة الذكورية متغلغلة إلى حد لا يسهل فيه اقتلاعها..
لكن ما هو غير مفهوم هو أمران:
- كيف يمكن أن تقبل الجهات والأشخاص التي تقول أنها تعمل من أجل إقرار هذا الحق، باجتزائه (وهو حق مواطنة أصلي)، عبر قبول أن يتضمن استثناءات للنساء السوريات المتزوجات من رجال فلسطينين؟ لقد سبق أن ناقشنا هذه الذريعة مرات وقلنا أن هذه ليست إلا ذريعة. وأن حصول الطفل المولود من أب فلسطيني وأم سورية على الجنسية السورية التي هي حقه، لا يؤثر إطلاقا على حق العودة كما تنص عليه الجهة التي وافق الجميع على قبول قرارها هذا: الأمم المتحدة. كما أنه من غير المقبول أن تنتهك حقوق الموطنة لاعتبارات تحمل أسماء سياسية أو ما شابه. فحقوق المواطنة تعلو على أية اعتبارات أخرى.
والواقع أن هذا القبول يفتح الباب على قبول آخر ربما هو أشد سوءا منه نظرا لعدد الأطفال المتضررين. هو قبول استثناء أطفال النساء السوريات الكرديات المتزوجات من رجال غير سوريين. ورغم أن ما يتعلق بالسوريين الأكراد المحرومين من الجنسية هو أمر ليس من اختصاصنا. إلا أن كل من ولد منهم لأم تحمل الجنسية السورية يجب أن يتمتع بهذا الحق مثله مثل أي مواطن سوري آخر. والاستثناء هنا أيضا مرفوض بشدة. فإذا كان لدى البعض مشكلة في هذا الأمر، فعليهم أن يحلوها بعيدا عن انتهاك حقوق الأطفال السوريين المولودين لأمهات سوريات.
إن قبول الاستثناءات، من وجهة نظرنا، يشكل خطأ فادحا من وجهة نظرنا. فهذه القضية ليست قضية شائكة ولا صعبة. المسألة بسيطة للغاية: إما أن النساء السوريات مواطنات، أو لا. فإذا كن مواطنات يحق لأبنائهن التمتع بحنسيتهن مثلما يحق لأبناء الرجل السوري التمتع بجنسيته. وبغض النظر عن أية اعتبارات أخرى. أو أنهن "مادة" أخرى للمساومة بين هذا التيار أو ذاك، هذا التصور أو ذاك، وتذهب النساء، كالعادة، ضحية لهذه الاختلافات التي تمرر عبر تمزيق حقوقها.
- أليس غريبا كيف أن الجهات التي تقول أنها هي من عملت في هذا الشأن (تأمين حق المرأة السورية بمنح جنسيتها لأطفالها)، ما تزال تعيش على أمجاد الماضي عندما جمعت بعض التواقيع من أجل دعم هذا التغيير، وعقدت بعض الندوات التي لا تتجاوز ندوة واحدة في السنة؟ بل وهي ندوة مكررة بشكل يدعو لأن يشك الحاضر إن لم يكن شريط فيديو مكرر؟
في هذه الندوة كانت الوجوه نفسها تقريبا.. الكلام نفسه.. أغلب الشاهدات هن اللواتي كن في العام الماضي، والذي قبله..
أليس مثيرا أن تكون هذه الجهة (رابطة النساء السوريات) قد فشلت في إنجاز حتى دارسة واحدة حول هذا الأمر تتعدى الكلام الصحفي؟ وأن لا تكون قد تمكنت من تقديم حتى رقم تقريبي لعدد النساء المتضررات في أية منطقة لا على التعيين؟!
الواقع أن هذه التساؤلات هي تساؤلات حقيقية ومشروعة. والاحتجاج بالمعيقات الموضوعية مثل قانون الجمعيات، وقانون الطوارئ، وغياب الإحصائيات الرسمية.. هو كلام حق يراد به باطل. فلو كانت الرابطة التي قالت إحدى ممثلاتها أنهن كن "يكتبن عشر مقالات في مواجهة مشروع قانون الأحوال الشخصية بنسخته الأولى" بينما يثبت الورق والانترنت أن مجموع ما كتبوه جميعا، لا يصل إلى عشرة واحدة من المقالات! لو كانت الرابطة جادة في الانتقال من واقعها المزري الحالي الذي تتحمل هي مسؤوليته، إلى واقع العمل الفعلي والميداني.. ولو بذلت القليل من الجهد فقط، لكانت استطاعت أن تغير الكثير من المعرفة والوعي في هذا الموضوع. أقلها أن تحافظ على وتير جيدة من حضور القضية بين الناس. إلا أن ذلك "متعب"، وبالتالي فهو غير مناسب! خاصة ما دامت الاسطوانة نفسها صالحة دائما: لا يمكن العمل في ظل الوضع الحالي في سورية!!
في النتيجة: من يخسر من هذا التكرار الممل هن النساء السوريات صاحبات القضية والمصلحة في هذا الأمر. (ولا يغير شيئا أن واحدة أو أكثر من عضوات الرابطة هن نساء سوريات تزوجن من رجال غير سوريين). فهؤلاء هن من جرى تحويلهن إلى نوع من الديكور في ندوات لا تحمل جديدا. وبإمكان رابطة النساء السوريات، كما في إمكان غيرها من منظمات المجتمع المدني في سورية، أن تفعل الكثير من أجل القضايا التي تقول أنها قضاياها، لو أنها، أي لو أن أعضاءها، ينظرون قليلا في المرآة ليروا أن العمل المدني هو عمل يحتاج إلى جهد وتعب على أرض الواقع، بين الناس، مع الزملاء والزميلات في الإعلام والمنظمات الأخرى و... وليس "جاها ووجاهة"!
فهل ستتعلم الرابطة، وغيرها، الدرس الكامن في أن الواقع لم يعد ينتظر أحدا؟ وأن الحياة تمضي فيما هم يخرجون منها؟ وأن عليهم أن يبدؤوا العمل الجدي بعيدا عن الذرائع المكرورة السخيفة المملة إذا أرادوا أن لا يجدوا أنفسهم موضع انتقاد دائم، ومنفيين خارج الواقع السوري؟!
بسام القاضي، (الجنسية لأطفال المرأة السورية.. التكرار الممل)