أبناء السوريات المتزوجات من أجانب يعاملون معاملة الأجنبي من حيث الملكية والانتخاب والإقامة والتعليم والزواج وغير ذلك ما يجعلهم غرباء في بلد ولدوا وعاشوا فيه، ووفقا لإحصائية كشف عنها عضو مجلس الشعب محمد حبش"تم تسجيل 100 ألف أسرة ضمن هذه الحالة دون الحالات غير المسجلة".
واعتبر حبش أن "من المنطقي أن تطالب المرأة بحقها في منح الجنسية لأولادها لكن هذا الحق يصطدم بجملة من العقبات"، وأعرب عن تأييده لهذا المطلب بشرط "عدم التعارض مع قرارات الأمة العربية"، بالمقابل اعتبر عضو مجلس الشعب غالب عنيز أن إصدار قانون بهذا الشأن" يجب دراسته بشكل دقيق وموسع والتفكير بعمق وواقعية بنتائجه الإيجابية والسلبية قبل إقراره ليعود على المجتمع السوري بالنفع" وأضاف أن "هذه القضية ليست مهمة في الوضع الراهن ولم تصل إلى حد الظاهرة التي تستدعي إصدار مثل هذا التشريع في مثل هذه الظروف التي تعيشها سورية كدولة مواجهة".
يعاملون معاملة الأجانب
حاول الشاب علي جان الذي ولد وعاش في سورية(امه سورية ووالده تركي) مرارا الحصول على الجنسية السورية لكن بحسب ما يقول "جميع محاولاتي باءت بالفشل، حاولت بالطريقة العادية وقدمت طلب للحصول على الجنسية بالشروط الموجودة بالقانون كأي شخص لا يمت إلى سورية بصلة ولكن دون نتيجة".
ويتابع علي "بما أنني لا أملك الجنسية السورية فقد واجهتني مشكلات كثيرة في حياتي وأولها مشكلة الدراسة ، ففي كل مراحل دراستي كنت مضطرا أن أحضر عدة أوراق رسمية من وزارة التربية والمديرية ووزارة الخارجية فقط لإثبات هويتي"، مضيفاً أن "المشكلة الثانية هي بطاقة الإقامة، حيث يتحتم علي في كل سنة أن أقوم بتجديد إقامتي فإذا تأخرت عن الوقت المحدد لتجديدها سأطرد خارج البلد مكبلاً"، مضيفاً أن "الأجنبي إذا منح إقامة دائمة في سورية فسيمنع من السفر خارجها وهذه تعتبر مشكلة ثالثة تواجه الأجانب".
من جهتها، تقول ابتسام (لبنانية من أم سورية) " رغم نشأتي في سورية إلا أن القانون السوري ما زال يعاملني كأجنبية، وعندما أحتاج لأي ورقة رسمية أضطر إلى إحضار إثبات لهويتي، ما يجبرني على السفر وعند العودة لسورية ينبغي الانتظار حتى أحصل على الموافقة الأمنية"، مشيرة إلى أن "هذه التعقيدات أخذت الكثير من الوقت ووقفت في طريق تقدمي للعمل وتأمين مستقبلي، فأنا أتمنى أن أعمل بمجال دراستي في القطاع العام لكن الأمر لم يتم لأني لا أحمل هوية سورية".
فيما يتعرض محمود (جزائري الجنسية وأمه سورية) لمشكلات عديدة لعدم امتلاكه الجنسية السورية "من ناحية دراستي الجامعية اضطر في كل سنة أن ادفع مبلغ 2000 دولار حتى لو رسبت في السنة، مع العلم أن التعليم الجامعي شبه مجاني"، ومن ناحية أخرى يسكن محمود وعائلته في منزل مسجل باسم أمه بحكم أن الأجنبي لا يحق له التملك في سورية، وبما أن أمه متوفاة فهو غير قادر على البقاء في منزله لأنه ليس ملكاً له على اعتبار أن الأم السورية لا تستطيع توريث أبنائها الأجانب، ومن هنا يجب على محمود-بحسب ما يقول- أن يترك منزله الذي أمضى عمره فيه وأن يبحث عن منزل آخر بالإيجار ليكمل حياته مع عائلته.
بدورها تحاجج عبير ناعسة (سورية متزوجة من تركي) أن "السبب الرئيسي الذي تضعه الحكومة السورية لمنع منح الجنسية لأولاد المرأة السورية المتزوجة من أجنبي وهو حماية حق الفلسطينيين الموجودين في سورية بالعودة إلى فلسطين غير مقنع و مجرد حجة واهية لإخفاء الأسباب الحقيقية"، مضيفةً أن" السبب الحقيقي متعلق بالدرجة الأولى بالقوانين المستمدة من الأعراف والتقاليد الاجتماعية التي تعتبر دائما أن المرأة هي الطرف الأضعف وغير قادر على اتخاذ القرار الملائم بحق الزواج، وقبل التفكير بالأولاد أفكر بنفسي فالمرأة السورية المتزوجة من أجنبي تفقد تماماً الاستقرار في حياتها".
مطالبات بالتعديل
انطلاقا من نص الدستور السوري في مادته (25) على أن (المواطنين متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات)، بدأت حملة الوطنية لرابطة النساء السوريات(جمعية أهلية) منذ عام 2002 من اجل المطالبة بحق منح الأم السورية الجنسية لأبنائها، هذا ما تقوله عضوة الرابطة سوسن زكزك مضيفة "نعمل على تعديل جميع القوانين التي نجد فيها تمييز ضد المرأة وقررنا البدء بإحداها وهو قانون منح الجنسية الذي لم يعط أهمية يستحقها، وتقوم الحملة على تعديل البند ( أ ) من الفقرة الثالثة من قانون الجنسية السوري بحيث تتمكن المرأة السورية المتزوجة من غير السوري عربي أو أجنبي من منح جنسيتها لأبنائها".
وتضيف زكزك بان حملتهم جاءت اثر "مصادقة سورية على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) وتحفظها على البند الثاني من المادة 9 المتعلق بحق الأم بمنح جنسيتها لأفراد عائلتها"
وحول عملهم على الأرض لتفعيل مطلبهم تقول "رغم تقديم عدة مذكرات لمجلس الشعب تقترح تعديل القانون وموقعة من قبل 35 عضو من أعضاء المجلس إلا أنها قوبلت بالإهمال، وفي عام 2006 أقامت الرابطة عريضة شعبية وقعت من عدة محافظات سورية وجمعت عشرات الآلاف من التواقيع المساندة لموضوع تعديل القانون، وكتبت الرابطة ثلاث مذكرات جديدة في نفس العام وقدمت واحدة لرئيس مجلس الشعب و أخرى لرئيس مجلس الوزراء وواحدة لرئيس الجمهورية".
وزارة العدل: مطلب محق
وتكشف زكزك "أرفقنا العريضة الموقعة مع المذكرة المرفوعة لسيادة الرئيس، فقد بعث نسخة من مذكرة الرابطة إلى وزارة العدل وكان رد الوزارة خلال شهرين أن هذا الطلب محق و قانون الجنسية بالأصل لا يتواءم مع الدستور لذا يجب تعديل هذا القانون، والرابطة تملك صورة موثقة عن جواب وزارة العدل".
وتضيف زكزك "بعدما تعمقنا في الموضوع أكثر اكتشفنا العديد من الحالات الصعبة، شبان وشابات تتراوح أعمارهن بين 20 – 30 عام لا يحملون جنسية الأب ولا حتى جنسية الأم ولا يملكون ما يثبت هويتهم سوى شهادة الميلاد فقط، هؤلاء هم ضحايا الزيجات التي يتم فيها الانفصال سريعاً كحالات زواج الخليجيين من شابات ريف دمشق" لافتة إلى أنه "غالباً ما تكون أعمار الشابات ضحايا هذه الزيجات تتراوح بين 16 -20 عام يتم إغراء أهلهن بمبلغ نقدي كبير فيتم الزواج، والأمر المخيف فعلاً هو حجم انتشار هذه الظاهرة".
حجة واهية
و تعتبر زكزك أن "حجة عدم منح الجنسية لحماية حق الفلسطينيين في العودة لبلدهم، حجة مردودة ولا أساس لها من الصحة"، وتؤكد على أن "الحصول على الجنسية أياً كانت لا يتعارض قانونياً مع حق العودة وحق الحصول على تعويض، حتى توصية الجامعة العربية بعدم منح الفلسطينيين جنسية البلد المقيم فيه لحماية حق عودتهم تمّ التراجع عنها واستبدلت بتوصية أخرى هي تقديم التسهيلات لهم".
وبالنسبة للحلول تطالب سوسن زكزك بتعديل القانون بإضافة (والدة عربية سورية) ليصبح بعد التعديل كما يلي "الفصل الثاني من قانون الجنسية العربية السورية المادة الثالثة يعتبر عربياً سورياً حكماً آ– من ولد في القطر أو خارجه من والد عربي سوري أو من والدة عربية سورية"، وتؤكد على أن "التمييز الموجود بين المرأة والرجل هي ليست مسألة مقدسة بل هي من صنع المجتمع مما يجعله قادراً على تغييرها باتجاه قوانين غير تمييزية".
حبش:لا اثر للمنح على توطين الفلسطينيين
بحسب إحصائية كشف عنها عضو مجلس الشعب محمد حبش لسيريانيوز "تم تسجيل 100 ألف أسرة ضمن هذه الحالة دون الحالات غير المسجلة" ولو فرضنا أن "في العام الواحد هناك 4 آلاف حالة فخلال 20عام هناك تقريباً 80 ألف حالة"، كما يعتبر الحصول على الجنسية بالطريقة العادية "بالغ الصعوبة"، حيث يخضع الأجنبي للمادة الرابعة من المرسوم التشريعي رقم (276) لعام 1969 ويخضع العربي للمادة (16) من المرسوم نفسه، والتي يتفق فيهما شرط أساسي هو كمال الأهلية والخلو من الأمراض السارية والعاهات.
وعن رأيه يقول: "ينص الدستور السوري على المساواة بين المرأة والرجل وبذلك فمن المنطقي أن تطالب المرأة بحقها في منح الجنسية لأولادها لكن هذا الحق يصطدم بجملة من العقبات، وبالنسبة للفلسطينيين فنحن نتفهم أن هذا الموضوع يمسهم وهناك قرار في الجامعة العربية بعدم توطينهم من أجل تحفيز حق العودة ونحن موافقون على هذا وتقدمنا في اقتراح القانون بأن لا يتعارض المشروع بقرارات الأمة العربية".
ويضيف حبش "مشروع القانون يجب أن لا يتعارض مع قرارات الأمة العربية وتلقائياً لن يكون لهذا القانون أي أثر على توطين الفلسطينيين، خاصة أن لهم وضع خاص في سورية فهم يعاملون معاملة السوري في الإقامة والتوظيف وكل الامتيازات باستثناء الانتخاب والترشح وهذا أمر جيد"، لافتاً إلى أنه "تم الآن طرح الموضوع في الجلسة الأخيرة في البرلمان، وأن الفكرة لا بأس بها على أن يكون هناك شروط على منح المرأة حق تجنيس أبنائها في المرحلة الراهنة على سبيل التوجه نحو المساواة الكاملة، كما تم إرفاق شرط تحقيق الابن إقامة عشر سنوات حتى يحصل على الجنسية من الأم السورية".
مخاوف والحكومة تطالب بالتريث
وحول الانتقادات الموجهة للقانون يوضح عضو مجلس الشعب أن "هناك بعض المخاوف في السنوات الماضية نظراً لحالات اللجوء العراقي الكثيف في سورية، ورأى البعض أن منح هذا الحق سيؤدي إلى خلل وفوضى ديموغرافية خطيرة في سورية" مشيراً إلى أن "الحالة العراقية أصبحت تقريباً في طريقها إلى الحل والمخاوف تضاءلت".
ولفت حبش إلى أنه "حالياً لا يوجد مشروع قانون جديد محال إلى الحكومة بهذا الخصوص، ولقد أصبح واضحاً بأن الحكومة لا تزال تطالب بالتريث بهذا الأمر وكما هو معلوم الحكومة لديها أغلبية في البرلمان في هذه المرحلة، مع أن هذه الأغلبية مقتنعة بإعطاء هذا الحق للمرأة لكن بالتالي هناك حسابات وطنية ندركها".
وأضاف حبش "المجلس هو صورة لما يتواجد في الشعب السوري فهناك نواب يؤيدون وآخرون لا يؤيدون، بالإضافة إلى وجود مخاوف حكومية من محقات قد تترتب بتشريع مثل هذا القانون طبعاً لأن منح الجنسية يعني امتيازات مادية يمكن أن يستفيد منها هؤلاء وهناك المخاوف من هذا الجانب لكن أعتقد أن هذه المخاوف يجب أن تتبدد"، مشيراً إلى أنه "لا يوجد أي توجه لدى القانون السوري بمنع السورية من الاقتران بشريك حياتها سواء كان سورياً أو غيره، فهذا من حقها الطبيعي ولا تطلب الدولة موافقات أمنية على الأزواج حتى يتم الاقتران بهم".
ومن الناحية الدينية أكد حبش على "عدم وجود مانع ديني فالدين يتحدث عن النسب أي أن الولد يجب أن يكون للأب لكن النسب شيء والجنسية شيء آخر، الشرع لم يتكلم عن الجنسية أبداً والجنسية تكتسب ليس فقط بالأبوة أو الأمومة قد تكتسب الجنسية بعدة طرق كالعمل أو الإقامة الطويلة هذا لا علاقة له بالنسب ولا أعتقد أن هناك من علماء الشريعة من يعارض منح هذا الحق للأمهات السوريات".
عنيز: خطير وحساس
أما عضو مجلس الشعب غالب عنيز فبرأيه أن "موضوع منح الجنسية السورية لأولاد المرأة السورية المتزوجة من غير السوري خطير وحساس بالنسبة لدولة مواجهة كسورية فهو قانون سيادي له وضعية خاصة على اعتبار أن سورية لها وضع سياسي واجتماعي خاص، لذا يجب دراسته بشكل دقيق وموسع والتفكير بعمق وواقعية بنتائجه الإيجابية والسلبية قبل إقراره ليعود على المجتمع السوري بالنفع"، وأضاف أن "هذه القضية ليست مهمة في الوضع الراهن ولم تصل إلى حد الظاهرة التي تستدعي إصدار مثل هذا التشريع في مثل هذه الظروف التي تعيشها سورية كدولة مواجهة".
ولفت عنيز أن "الحل الوحيد لمنح الجنسية السورية هو فتح المجال أمام الراغبين والراغبات بتقديم طلبات المنح لمرة واحدة وعلى فترات متباعدة ودراسة هذه الطلبات من قبل الجهات المختصة، مع وجود عدة ضوابط ومعايير قاسية وليست هشة كأن تكون الأم سورية وهو الشرط الأول، وأن يثبت للولد إقامة دائمة في سورية لا تقل عن 15 سنة دون السفر خارج سورية، والدراسة الأمنية الموسعة حول الأسرة وهل لها أي مساس بالأمن الوطني والسياسي والاجتماعي، وبعض الاستثناءات ممن لهم قضايا وطنية متفق عليها بالمستوى القومي".
وأكد عنيز أن "هناك نسبة لا بأس بها ممن يوافق على هذه الشروط ضمن المجلس، وهذا لا يعني أن هذه النسبة ضد المطالبات بإصدار القانون لكن منطقياً الموضوع بحاجة إلى المزيد من التروي والتعمق لأنه يرتبط ويسير بشكل مباشر بتوجه السيادة السياسية في سورية".
سيريانيوز، (حق المرأة السورية بمنح الجنسية لأبنائها.. ومخاوف من العواقب)