تتحجج السلطات السياسية في لبنان (و في عدد من الدول العربية، كسوريا مثلا) بخطر التوطين الفلسطيني من أجل عدم إعطاء النساء حق إعطاء الجنسية لأطفالهنّ أو لأزواجهنّ.
فبالنسبة للسلطات فإن إعطاء هذا الحق للنساء سيزيد خطر التوطين طبقًا لنقاط ثلاث هي :
1 - إعطاء الجنسية للزوج الفلسطيني يعني توطينه في لبنان؛
2 - إعطاء المرأة حق منح الجنسية لزوجها سيزيد من عدد الزيجات البيضاء والتي تهدف للتحايل على القانون من أجل الحصول على الجنسية اللبنانية وإذن التوطين؛
3 - أطفال المراة اللبنانية من زوج أجنبي سيكون إنتمائهم لوطن الأب، لا الأم، وفي حال كان الأب فلسطيني، فهذا يعني أن الأطفال سيكونوا فلسطيني الهوية رغم الجنسية اللبنانية. إذن سيكون هناك توطين مقنّع.
هذه الحجج الثلاث هي حجج خاطئة وخطيرة. وإن كان الطبقة السياسية تستخدمها خلف قناع التوطين الفلسطيني في لبنان، فإن هذه الحجج تُستخدم في العديد من الدول العربية والأجنبية كوسيلة لتبرير منع إعطاء المرأة حقوقها. وهي حجج تدخل في الأصل في أدبيات اليمين المتطرف.
فأولا، إعطاء الجنسية للزوج هو حق للمرأة لتستطيع أن تعيش في وطنها مع زوجها. فحق لمّ الشمل هذا، هو حق إنساني أساسي. فلا يجوز تخيير المرأة اللبنانية بين العيش في وطنها مطلّقة أو العيش في المهجر والإغتراب مع زوجها.
ثم إن تبرير التوطين ساقط لأن الرجل اللبناني يعطي الجنسية بشكل تلقائي لزوجته، وإن كانت فلسطينية. فإذا تبعنا منطق الممانعين، فمن حقنا أن نسأل، لماذا يحق للرجل أن يوطّن إمرأة (و أكثر بما أن الرجل يستطيع أن يتزوج أكثر من إمرأة) فلسطينية ولا يحق للمرأة أن تفعل ذلك أيضًا؟
ثانيًا، فإن الزيجات البيضاء غير محصورة بالنساء فقط. بل إن الكثير من النساء يتزوجن رجالاُ طمعًا بجنسيتهم.
بالإضافة فإن هذه الحجة تعتبر أن المرأة إنسان ضعيف يُسهل خداعه، وبذلك تتشارك هذه الحجة مع التيار الذكوري الذي يعتبر المرأة قاصرًا وناقصة العقل.
ثالثًا، فإن ولاء الأطفال كولاء الكبار، ينبع من خلفيات ثقافية وإجتماعية، أوّلها مكان الإقامة والعلاقات الإجتماعية.
إعتبار الولاء سيكون لدولة الأب هو إعتبار ذكوري متسلّط، ينبع من خلفية أن الطفل ينتسب للأب في الهوية الثقافية.
هذه الخلفية هي غير صحيحة. فإن كان الطفل أحيانا كثيرة يتبع الأب في الفكر الثقافي، فهذا لأن الأب والأم يتشاركان هذا الفكر ويعيشان معًا في عائلة موحدّة وفي وطن الفكر ذاته.
كثيرًا من العائلات المفككة، يتبع فيها الطفل الأم أو الأب أو يكوّن فكرًا وإنتماءًا مختلفًا تمامًا.
إن هذه الحجج، وإن إختبأت وراء فزّاعة التوطين، فإنها في الحقيقة تخفي تسلّط ذكوري لدى الطبقة السياسية الحاكمة ولدى جزء من المجتمع اللبناني.
ذكورية تحرم الأم من إعطاء الجنسية لزوجها وأطفالها، رغم أنها هي من حملت الأطفال تسعة أشهر وهي من أرضعتهم سنتين على الاقل، بينما يقتصر الدور الحيوي للأب على دقيقتين قبل تسعة أشهر من الولادة...
عادل نورالدين، (التسلّط الذكوري في منع المرأة من إعطاء الجنسية لأطفالها)