"كاوبوي" (سوري هذه المرة) جديد انضم إلى سلسلة الأبطال الخارقين التي يعرفها الأطفال حول العالم، والتي تكرس مفاهيم العنف كحل مناسب للتخلص من المشاكل، شأنه في ذلك شأن "السحر" الذي يريحنا من العمل والتعب.. لكن هذا البطل أو "العقرب الفضي" يختلف عن زملائه في تلك السلسلة بإعاقته الحركية.
العقرب الفضي كتاب رسوم مصورة (كوميكس) نتاج شراكة بين مبادرة الأيادي المفتوحة والمنظمة السورية للمعوقين آمال، مستوحى من مجموعة من الشباب/ات من الولايات المتحدة وسوريا والتقوا في (قمة قدرات الشباب) التي عقدت في دمشق العام الماضي.
على مدار ثلاثة أيام اجتمع ثلاثة عشر طالباً سورياً من ذوي الإعاقة مع عشرة من نظرائهم الأمريكيين وتناقشوا حول الاستراتيجيات الفضلى لتحسين حقوق المعوقين وظروفهم. وكجزء من هذه النقاشات قاموا بعصف ذهني لأفكار عن كتاب رسوم مصورة يعزز المساواة والدمج، يقول جاي سنايدر مؤسس المبادرة، ويضيف: ليس هناك وقت أفضل من الآن لأميركا لإظهار قضية مشتركة وتوسيع علاقاتها مع شعوب العالم العربي، الأمر المدهش في هذا الكتاب (بحسب سنايدر) ليس خروجه ببطل خارق من المعوقين كشخصية رئيسية، وإنما "إعطاء العالم نموذج يحتذى به يتجاوز خلافاتنا".
فما هو هذا المثال الـ"يحتذى"؟!
عنف وعدالة اجتماعية على الطريقة الاميركية
يروي الكتاب المصور الذي عُرض يوم 9 شباط الماضي، بحضور السيدة أسماء الأسد وممثلي مبادرة الأيدي البيضاء والمنظمة السورية للمعوقين آمال، قصة بشير: مراهق عربي فقد ساقيه نتيجة انفجار لغم خلفته أيدي عصابات عنيفة! يلجأ بشير(العقرب الفضي) إلى العزلة والغضب، رافضاً نظرات الشفقة وإحسان الغرباء عليه، يتعرف بالصدفة على طارق (حدّاد البلدة) وهو مكفوف لديه قدرات خارقة على التحكم بالحديد، إلاً أن العصابة نفسها تقتله (!!) لرفضه التعامل معها؛ ليتم اختيار بشير، قبل وفاة طارق، ليكون الحارس الجديد لقوة أزلية بقيت مخبأة لقرون عدة في قطع من تاج زنوبيا، هذه القوة تمنحه القدرة على التحكم بالحديد، لكن يتوجب عليه أن يستخدمها لخدمة الخير والعدالة، لا لمصالحه الشخصية.
انتصار الخير على الشر لكن بطريقة عنيفة شبيه بأفلام هوليوود بإحقاق العدالة الاجتماعية، كانت مثار جدل في المؤتمر الصحفي عقب الانتهاء من عرض الفيلم المصور، الذي بدوره تجاهل ذوي الإعاقة السمعية ولم يتضمن أي وسيلة لمساعدتهم/ن عن طريق ترجمة النص أو لغة الإشارة.
مؤسس مبادرة الأيدي المفتوحة أكد خلال المؤتمر أن هذه القصة خيالية وليست عن عالم حقيقي أو مثالي: "نريد أن نكون مخلصين لهذا النوع من الأدب ولمحبيه، حيث ينتصر الخير دائماً على الشر"، موضحاً أن البطل لم يستخدم قدراته في الهجوم على الآخرين وإنما دافع عن العنف الموجه له، وأن الهدف الرئيسي هو "نشر الوعي بين جميع الأشخاص بأهمية الدمج في المجتمع".
بدوره الممثل قصي خولي ـ صوت العقرب الفضيّ ـ أكد أن ما يعني الصغار في مثل هذه القصص المصورة هو انتصار الخير على الشر.
وعن سبب اختيار "زنوبيا" شعاراً للقوة، أشار القائمون على الكتاب أنهم تعرفوا على الملكة زنوبيا من قبل الأطفال المشاركين في السلسلة.
إذاً، هذا هو مفهوم "العقرب الفضي" للخير والشر! إنهما كتلتان منفصلتان كل منهما تقبع في "خندق"، وما على "الخير" إلا أن يستخدم كل ما لديه من عنف، وإعجاز، لتدمير الشر!
وبما أن ثنائية الشر والخير هذه لا تعترف بالعقل أصلا، ولا بالتخطيط، فإن الوسيلة الأفضل لذلك هي نسخة محدثة من "كاوبوي" الغرب الأمريكي، لكن هذه المرة عبر معجزة "قطعة من تاج زنوبيا"! فالعلم والعمل والوعي والمفرفة والظروف الملائمة والناس و.. كلها لا تعني شيئا لدى "العقرب الفضي"! بل معجزة القطعة تلك!
وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فلا بأس أن ننسى أن هناك، في العالم، طفلات! فالقصة هي قصة بطل طفل (ذكر)، حيث لا يوجد إطلاقا في القصة أي طفلة!
وكل هذه هي رسائل تثير الدهشة فعلا! فبينما يعمل المجتمع السوري على تجاوز كافة أشكال العنف، يطلق كتاب حافل بالعنف والجريمة، يلغي العقل والعمل والتخطيط، ويعتمد على المعجزات..!
حول كل ذلك، توجه مرصد نساء سورية باستفساراته للدكتور مازن حيدر الاختصاصي في الطب النفسي، والدكتور رامي خليل المدير التنفيذي في منظمة آمال..
د. حيدر أكد، فيما يخص التساؤل حول كل هذا العنف الموجود في كتاب يفترض أنه موجه للأطفال، أن المعاني السلبية في الكتاب بدأت من العنوان "العقرب الفضي" الذي يحمل معني رمزي سلبي بالمطلق في ثقافتنا وفي اللاشعور الجمعي الإنساني ككل، موضحاً أنه من غير المفيد "إطلاقه على طفل من ذوي الإعاقة، مهما حاولنا تحميله من معاني إيجابية،رمزية العقرب المعروف بالعدائية الشديدة وحب الإيذاء الراسخة في أذهان البشر عموما وليس الذهن العربي فحسب قد تسيء لحامله بشكل كبير".
وأشار د. مازن حيدر، إلى أن القصة أشارت في بدايتها إلى "العقرب" كمخلوق عدائي يتم قتله من قبل البطل (بشير) والمعنى التحليلي لهذا الفعل هو "قتل المعتدي واستبطان أو تقمص عدوانيته".
وحول تعليم الأطفال "الخير والشر" على طريقة الكاوبوي الأمريكية، أكد د.حيدر أن هذا الكم من العنف فائض إلى حد ما عن ثقافتنا العربية وإن كان مباحاً في الثقافة الغربية، بناء على مقتضيات الواقع".
كذلك اعتبر د. حيدر في حديثه لـ نساء سورية أن غياب الدور الأنثوي كليا عن القصة غير مبرر ولا يمكن أن يخدم فكرة الدمج ولا فكرة المساواة بين الجنسين "حتى في أكثر الأعمال السينمائية عنفا لا تخلو من الجنسين كمكونين أساسيين للحياة بكل أشكالها من إعاقة وعنف وسلام" .
أما عن اعتبار "قطعة من تاج زنوبيا" هو معجزة قادرة على فعل المستحيل، على العكس من "العمل"، أوضح د. حيدر أن التفكير السحري موجود لدى الأطفال في سن معين. وبالرغم من الرغبات اللاشعورية لجميع البشر بقدرات خارقة وسحرية وغيبية تحل لهم أزماتهم وتحقق الانتصار على الظلم والطغيان، إلا أن المرحلة الثقافية الراهنة لمجتمعنا لا تستدعي اطلاقا مزيدا من التركيز على هذه القدرات سواء أكانت مستمدة من تاج زنوبيا أم من سواه. ويجب أن يبقى التركيز على العمل والإرادة هو الأساس وبحسب د. حيدر" المعنى النفسي للبحث عن الخوارق والغيبيات دائماً يختفي وراء هذا البحث - المتغلغل أساسا في مجتمعنا- شعور بالعجز والإحباط وعدم القدرة على التغيير" وهذا بالتأكيد ما لا نريد أن نوصله إلى طفلنا عموما والى طفلنا ذو الإعاقة خصوصا بأن نجعله ينتظر الخوارق والقوى السحرية لتحل مشكلاته.
وعن تبرير كل ما ورد في الكتاب المصور أنه نتاج لأفكار الأطفال المشاركين/ات في قمة العام الماضي أوضح الدكتور حيدر أن الإشارة إلى هذا الموضوع لا يعني بالضرورة تعميمها أو أنها صحيحة وإنما قد يشير إلى ما يعتمل في نفوسهم من مشاعر وتناقضات وصراعات واحباطات يمكننا فهمها من خلال هذا التعبير ومساعدتهم على تجاوزها.
الدكتور حيدر نوّه بالعديد من النقاط الإيجابية التي وردت في الكتاب منها الحالة الإبداعية عند العم طارق الكفيف "في حال لم يبررها لاحقا بأنها ناتجة عن امتلاكه لقطعة سحرية من تاج زنوبيا" وفكرة التركيز على القدرات الأخرى عندما تخسر إحدى قدراتك.
آمال "متحفظة" واقتصر دورها على التنسيق للقمة !
وفيما يخص دور منظمة "آمال" ضمن اتفاقها مع "مبادرة الأيدي المفتوحة" في قبول ورفض الأفكار التي لا تتناسب مع خطها وخطتها في دمج المعاقين، خاصة لجهة عدم تضمنها أي عنف، وهو ما لم يبدو محققا في الكتاب الذي طرح (ويتعارض بشكل صريح وواضح مع ما تعمله آمال بعد انتقالها من حال التقوقع والسلبية إلى حال النشاط والفاعلية منذ نحو عام)، قال د. رامي خليل، المدير التنفيذي في آمال، أن دور المنظمة في الإعداد لهذا الكتاب كان مجرد دور تنسيقي للشباب السوريين المشاركين في القمة التي عقدت مطلع شهر آب 2010 ، واقتصر على التنسيق مع الجمعيات المعنية بمجال الإعاقة لترشيح شباب ذوي إعاقة للقاء والحوار والنقاش الثقافي مع نظرائهم الأمريكيين. موضحاُ أنه، خلال ثلاثة أيام من اللقاءات، تناقش المشاركين حول عدة قضايا منها إبداع شخصية كرتوينة (بطل خارق) لديه إعاقة. وهنا لم يكن لنا (آمال) أي دور في هذا الجانب وما تلاه من خطوات تنفيذية.
وأبدى د.خليل في تصريحه للمرصد تحفظه على ما تم تقديمه في الكتاب حول قضية الإعاقة والدمج والعنف. مشيراً إلى أن "آمال" أخبرت مبادرة الأيادي المفتوحة بهذا الموضوع.
الجدير ذكره أن 50 ألف نسخة من كتاب العقرب الفضي الذي أعد نصه العربي عبدالله الكفري، ستوزع مجاناً في المدارس ومراكز الشباب ومكاتب اليونسيف في جميع أنحاء سورية، كما سيتم إطلاق النسخة الإنكليزية منه أواخر شهر آذار المقبل في الولايات المتحدة.
وهذا أمر خطير حقا. فإن هذا يعني أن ما لا يقل عن 50 ألف طفل سورية سوف يقرؤون ما يشجعهم على العنف لأن العنف هو "طريق الخير"! وسيفكرون أن دراستهم وتعبهم لا معنى له لأن "قوى سحرية" ما سوف تحل لهم كل مشاكلهم وتنتصر على "الأعداء" دون جهد!
ومن هنا، فإننا نتحفظ بشدة على توزيع هذا الكتاب. ونطلب أن لا يوزع في أي مدرسة سورية، ولا من خلال أي منظمة (ضمنا منظمة آمال). وعلى أقل تقدير، فإننا نطلب أن يعاد تقيم الكتاب من قبل مختصين/ات في علم النفس، وخاصة علم نفس الطفل، وكذلك في مجال دمج المعوقين.
بل إننا نوجه دعوة صريحة لمنظمة "آمال" أن تتدارك الخطأ الذي حدث، وتبادر إلى رفض الكتاب. كما أن تكون (في المرات القادمة) على قدر المسؤولية لتقول لا لأفكار تروج العنف والحلول السحرية. فلا ينقصنا في مجتمعنا المزيد من العنف، ولا المزيد من التكاسل والاتكالية. ونعرف أنها قادرة على ذلك إن هي أرادت.
عن منظمة آمال:
آمال: منظمة أهلية غير حكومية غير نفعية تخصص نشاطاتها لتحسين حياة المعوقين في سورية وتسعى المنظمة لمساعدة المعوقين ولتدريب الطواقم على تقنيات إعادة التأهيل.
عن مبادرة الأيدي المفتوحة:
تمثل مبادرة الأيدي المفتوحة أول جهد خاص كبير في الدبلوماسية العامة لإشراك المواطنين السوريين والاميركيين في العلاقات التبادلية والحوارات في مجالات الحياة اليومية مثل: الإعاقة، والفن، والموسيقى.