تشير مقولة إن الإنسان حيوان اجتماعي لا يستطيع العيش وحيدا، إلى حقيقة واقعية نلمسها كل يوم، فنحن قلما نستطيع العيش من دون الآخرين، ونبحث باستمرار عن الشريك والصديق والزميل لنجد معهم متعة التبادل والتواصل وكثير منا يشعر بالراحة عندما يكون مع الآخرين أكثر مما لو كنا لوحدنا. ولكننا لانستطيع الجزم أن القلق من الوحدة عبارة عن ظاهرة طبيعية، فالوحدة يمكن أن تأخذ شكلا مرضيا. ولكن إذا ما أردنا الحكم على متى يكون القلق من الوحدة سويا ومتى يكون غير سوي، لابد من مراعاة الموقف الذي يتم فيه.
الإحساس بالوحدة: فالطفل الصغير الذي يصرخ ولا يلاقي من يهتم به من الطبيعي أن ينزلق في موقف قلق أو خوف، خوف من أن يترك لوحده ولايعنى به ثانية، وهنا يكون القلق تعبيرا عن دافع البقاء وعن ضرورة وجود شخص يهتم بالطفل الصفير الذي لاحول له ولاقوة. والنسوة اللواتي يسرن في الليل وحدهن في الشارع غير المضاء والحارات الضيقة لهن أيضا أسبابهن في أن يشعرن بالخوف.
ويظهر هذان المقالان أن القلق والخوف من الوحدة عندما يكون في المواقف الخطرة التي يشعر فيها الإنسان انه قليل الحيلة هو خوف طبيعي ومبرر. ففي هذه الحالات يكون المرء بحاجة إلى الدعم النفسي والجسدي للآخرين. وعليه فهناك ظروف يكون فيها الخوف من الوحدة طبيعيا ومقبولا. إلا أن القلق بحد ذاته عبارة عن شيء غير سوي إلى حد ما. إذ انه يمكن أن يقيد الشخص بحيث لايعود قادرا على أن يحيا حياة طبيعية.
ماهو مصدر القلق من الوحدة
غالبا ماتعود جذور القلق من الوحدة إلى الطفولة. فالأطفال الذين كان عليهم تحمل المسؤولية غير القادرين على حملها بعد بسبب صفر سنهم ولفترة طويلة يشعرون لاحقا بالقلق إذا ماتركوا وحدهم وغالبا مايعود هذا القلق للظهور في المستقبل.وهنا يكون القلق تعبيرا عن حاجة للتعويض عن الحنان والعطف والرعاية التي فقدوها في صغرهم، ومن الناحية النفسية فإن هذا القلق عبارة عن نكوص وتثبيت على طور باكر من مراحل النمو.
وفي حالات أخرى كثيرة يكون القلق من الوحدة عبارة عن قلق من المستقبل. فالقلق هنا يتجه إلى المجهول وإلى الكبر. وفي الحقيقة فإن الكبار في السن يعانون القلق من الوحدة إذا ما كانت علاقاتهم الاجتماعية محدودة بعد التقاعد.
كيفية الخلاص من الوحدة
لابد في البدء من أخذ الأشخاص الذين يعانون من قلق الوحدة مأخذ الجد، إذ أن هدم القدرة على تحمل الشعور بالوحدة قد يقود إلى نوبات من الهلع التي تعبر عن نفسها من خلال الآلام الجسدية، ويمكن أن تقود في الحالات الأشد إلى التفكير بالانتحار. لهذا يجب عدم إهمال نداء الاستغاثة المباشر أو غير المباشر الذي يطلقه هؤلاء. من ناحية أخرى على المرء ألا يخضع لضغط الشخص الذي يعاني من قلق الوحدة المرض، فهو بهذا يعزز ويدعم القلق بصورة غير مباشرة. على المرء في الحالات الشديدة أن ينصر الشخص الذي يعاني القلق من الوحدة بمراجعة الطبيب أو المعالج النفسي.
الوحدة كشكل من أشكال الحياة
هناك بعض الناس الذين يفضلون العيش وحدهم وباختيارهم. وهؤلاء يحتاجون إلى الشعور بالفردية و البعد عن الناس، ويجد البعض في الوحدة متعة خاصة ومكسباً شخصياً. إذ يرغب المرء هنا بالانشغال في نفسه والتفكير بأموره الخاصة وقراءة كتاب ما أو ممارسة هواية.
قلق العلاقة
ما هو قلق العلاقة أو الخوف من إقامة العلاقة؟
نتحدث عن قلق العلاقة عندما يكون الإنسان غير قادر على الدخول في علاقة مع شخص آخر. ومن الممكن جدا للأشخاص الذين يعانون من قلق العلاقة أن يكونوا متزوجين ولهم زوجة إلا أنهم غير قادرين على بناء علاقة مقبولة مع محيطهم. وعلى العكس من ذلك ليس على الأشخاص الذين يعيشون وحدهم أن يعانوا من قلق العلاقة بالضرورة. ويعبر قلق العلاقة عن نفسه من خلال نقص التواصل. وتشير الدراسات إلى أن الأزواج في اليابان يتواصلون مع بعضهم في المتوسط لمدة 19دقائق يوميا وفي الولايات المتحدة الأمريكية أربع دقائق فقط.
والكثير من الدلائل تشير إلى أن عدد الذين يعانون من قلق العلاقة يزداد باستمرار. وهذا مايشير إلى وجود مشكلة اجتماعية.
فطبيعة الحياة متسارعة التغير وخاصة في المدن الكبيرة والظروف الاقتصادية والطموحات الفردية نحو الاستقلالية وتحقيق الذات في المجال المهني تقود إلى تزايد عدد الأشخاص الذين يفتقرون إلى علاقات اجتماعية حميمة وبالتالي يعانون شكلا من أشكال قلق العلاقة. كما أن عدد الأمر الصغيرة يأخذ بالازدياد بسبب الظروف الاقتصادية في حين تتناقص الأسر متعددة الأجيال التي يعيش فيها أكثر من جيل واحد، والأسرة الواحدة أصبحت تمتلك عددا أقل من الأطفال. ومن هنا تزداد صعوبة التمرن على إقامة علاقات إنسانية متعددة بسبب نقص الأشخاص المرجعيين كالأب والأم والجد والجدة والعم والخال... الخ.
كما وأن القيم الأسرية تزداد توجها نحو القيم المهنية فالحديث لايدور إلا حول المهنة أو المدرسة أو حول المسلسل التلفزيوني.. الخ. وبالتالي فإن قلق العلاقة عبارة عن نتيجة للتبدل الحاصل في أسس الحياة الاجتماعية.
ما هي أسباب قلق العلاقة
غالبا ماتنشأ مخاوف العلاقة من خليط من عوامل التأثير الاجتماعي والاستنتاجات_ الخاطئة_ المستخلصة من ذلك. فالعلاقات الاجتماعية الطيبة غالبا مالا تحظى بالاعتراف الاجتماعي مثل التوجه القيمي نحو المادة والملكية. فالاتجاه المتزايد نحو القيم المادية غالبا مايلاقى التأييد والاحترام أكثر من ذلك الذي يسعى للاهتمام ورعاية الأسرة وتحقيق الاعتراف الاجتماعي عن طريق المادة والمهنة غالبا مايكون أيسر وأسهل ملاحظة من العمل على إقامة علاقة إنسانية طيبة تحتاج من جهتها للجهد والوقت والمال أحيانأ.
هناك أسباب أخرى لقلق العلاقة منها:
*- غالبا ما ينشأ قلق العلاقة من الخوف من فقدان الحرية. فالعلاقة تعني التضحية بجزء من الذات.
*- كما أن خوف الاقتراب من الآخرين يمكن أن يثير قلق العلاقة. فالمرء يخاف أن يخسر شيئا ما إذا ماتخلى عن المسافة الفاصلة بينه وبينهم (كفقدان الهيبة أو الاحترام أو السلطة).
*- غالبا مايخشى الإنسان أن يصبح مجالا للهجوم والانتقاد من الآخر إذا ماكان منفتحا كثيرا.
*- عندما يفشل الإنسان في علاقة قديمة فإنه يمكن أن يتخذ موقفا دفاعيا للحماية من العلاقات الأخرى.
*- إذا ما كانت العلاقة ببن الأهل سيئة عندئذ يفتقد المرء المثال لإقامة علاقات طيبة مع الآخرين. وهذا يمكن له أن يعيق الثقة بالقدرة الذاتية على إقامة علاقة مثمرة.
*- كما وأن خبرات الانفصال المؤلمة وغير الملائمة عن أشخاص الإطار المرجعي (الأشخاص الذين يعتمد الطفل عليهم) وبصورة خاصة عن الأم يمكن أن تكون كامنة خلف قلق العلاقة.