يشكل اضطراب نقص الانتباه مع فرط الحركة Attention Deficit Hyperactivity Disorder أكثر الاضطرابات النفسية تشخيصا عند الأطفال في عمر المداس, وبالتالي فقد كثر تداول الاضطراب من قبل الأطباء واختصاصيي علم النفس والتربية. وفي هذا البحث حاولنا تقديم مادة علمية مفيدة وحديثة عن السبييات والأعراض ومعايير التشخيص والعلاج المناسب لهذا الاضطراب.
ازداد تشخيص الاضطراب في القسم الثاني من القرن العشرين بشكل كبير وتدرجت أسماؤه في المراجع من hyperkinetic reaction of childhood "الارتكاس الطفولي مفرط الحركة إلى hyperkinetic disorder "اضطراب فرط الحركة, ثم اسم attention-deficit disorder "اضطراب عوز الانتباه" في الدليل التشخيصي والإحصائي للجمعية الأمريكية للطب النفسي DSM-III وعدل هذا الاسم في النسخة المعدلة DSM-III-R من هذا الدليل ليصبح على النحو الحالي, ويعكس تطور التسمية تطور فهمنا لأسباب الاضطراب etiology ولتظاهراته السريرية المختلفة.
تتراوح نسبة وقوع المرض في الولايات المتحدة الأمريكية بين (3-7%) من مجمل الأطفال في عمر المدرسة, ويبدي الذكور معدلات أعلى للإصابة بالمرض من الاناث بحوالي مرتين إلى تسع مرات, ويرتفع معدل الاصابة عند التوأم أحادي البيضة للطفل المصاب حوالي (51-80%) مما يثبت علاقة المرض القوية بالوراثة.
هناك عدة نظريات تحاول تفسير نشوء الاضطراب, وثمة اتفاق عالمي تقريبا أن الوراثة هي العامل الأهم في نشوء ADHD حيث يعتبر المرض عائليا بالدرجة الأولى. يحدث المرض نتيجة تفاعلات معقدة بين الجهاز العصبي التشريحي neuroanatomical والعصبي الكيميائي neurochemical دون وجود أذيات واضحة في الجملة العصبية المركزية, وذكرت أسباب الخداجة والرضوض الميكانيكية على الجهاز العصبي للجنين وتعرض الحامل لبعض الانتانات والتعرض لمواد سمية كأسباب مشاركة في حدوث المرض.
يمكن تقسيم الأعراض التي يبديها الأطفال المصابون بالاضطراب إلى ثلاث مجموعات رئيسة: أعراض فرط الحركة hyperactivity, وأعراض نقص الانتباه attention deficit, وأعراض السلوك الاندفاعي impulsivity وهي الأعمدة الثلاثة التي اعتمد عليها الدليل التشخيصي والإحصائي للجمعية الأمريكية للطب النفسي DSM-IV-TR لتشخيص المرض وهي مذكورة بالتفصيل في البحث.
بالعادة تأخذ ملاحظات المعلمين دورا جوهريا في كشف تظاهرات المرض, فالطفل المصاب دائم الحركة, لا يهدأ في مقعده, ينهي الامتحان بسرعة قبل زملائه ولكن لا يجيب إلا على الأسئلة الأولى, ومن الصعب عليه انتظار انتهاء المعلم من طرح السؤال فنراه يرفع يده ويجيب حتى قبل انتهاء المعلم من سؤاله وحتى قبل أن يفهمه الطفل, وترافق الصعوبات المدرسية السلوكية والتعلمية شائع مع ADHD, وتأتي هذه المشكلات من اضطرابات الاتصال والتعلم المرافقة أو من شرود الأطفال ونقص انتباههم الذي يؤذي اكتساب المعلومة acquisition وتخزينها retention وإخراجها display.
في المنزل يتميز الطفل بالاستثارة وكثرة الحركة حيث يشتكي الأهل بالعادة أن طفلهم لا يستطيع الجلوس هادئا ولو لدقيقة واحدة, كذلك فالأطفال المصابون يكونون على الغالب انفجاريين وسريعي التهيج ومن السهل إغضابهم, قلقون عاطفيا, وهذه المشاكل الانفعالية تؤدي لسوء تقدير الذات والسلوك العدواني عند الأطفال, ويمكن لردود الأفعال غير المدروسة من قبل العاملين في المدرسة بالمشاركة مع النظرة الدونية للذات بسبب الفشل والشعور بعدم الأهلية inadequacies أن تولد عند الطفل شعور أن المدرسة مكان لخيبات الأمل, وتكون النتيجة سلوكا مضادا للمجتمع antisocial أو سلوكا انتقاميا punitive.
يترافق ADHD بعدة أمراض نفسية أخرى تتراوح بين اضطرابات المزاج mood disorders والقلق anxiety disorders, بالإضافة إلى اضطراب السلوك conduct disorder (CD) الذي يتميز بلوحة من التصرفات المزعجة للبيئة والمجتمع من قبل الأطفال المصابين به على شكل عدوان وتخريب ملكيات وسرقة.......إلخ, حيث أثبت ترافق CD مع ADHD في نصف الحالات.
أما علاج ADHD فيقوم على فكرة تشجيع الطفل بطريقة محببة على القيام بنشاط ما مفيد له خلال فترة زمنية مناسبة دون تململ ودون تشتت بالمثيرات الأخرى عن طريق محاولة تقليصها قدر الإمكان. ويتضمن:
- مداخلات نفسية اجتماعية psychosocial.
- مداخلات مدرسية-تعلمية school/educational related.
- مداخلات دوائية medication.
تتضمن المداخلات النفسية الاجتماعية التثقيف النفسي للأهل parents psycho education, والعلاج الجمعي group therapy, والعلاج النفسي عن طريق تطوير المهارات الاجتماعية والمداخلات السلوكية مثل التعزيز الايجابي positive reinforcement والتعزيز السلبي negative reinforcement. أما المداخلات المدرسية التعليمية فتتضمن استخدام التقييم المعرفي والسلوكي وسلالم التقييم ratting scales ومجموعة الخطوات التي تجرى في غرفة الصف مع بين الطفل والمعلم.
يتضمن العلاج الدوائي مجموعة كبيرة من الأدوية تأتي في مقدمتها منبهات الجملة العصبية المركزية CNS stimulants كـ ميتيل فينيدات Methylphenidate "Ritalin" وأملاح الأمفيتامين amphetamine salts " Adderall", وهي تساعد الأطفال المصابين على حضور الدروس بشكل جيد, وتمكنهم من التركيز أثناء الحصص المدرسية وبالتالي تحسن من الأداء المعرفي لهم.
نحصل على أفضل النتائج العلاجية بمشاركة العلاج الدوائي المراقب من قبل اختصاصي بالمداخلات النفسية, حيث يساعد العلاج الدوائي في السيطرة على الشرود ونقص الانتباه, وتمنع المداخلات النفسية حدوث اضطرابات السلوك وسوء تقدير الذات عند المصابين وبالتالي تضمن لهم نموا صحيا وتفاعلا اجتماعيا جيدا.
في النهاية أورد بعض النقاط المضيئة للبحث:
• ADHD اضطراب شائع بين أطفالنا يجب تشخيصه مبكرا قدر الإمكان.
• ADHD هو اضطراب عائلي بالدرجة الأولى, مع وجود عوامل أخرى مؤهبة.
• ADHD يمتلك مجموعة مميزة من الأعراض السلوكية تؤثر على تطور الطفل وتحرمه من فرص التعلم والاحتكاك بالمجتمع.
• ADHD قد يترافق بمجموعة من الاضطرابات النفسية المهمة لا ينبغي إغفالها.
• ADHD يتميز بثلاثية عرضية تشمل فرط الحركة ونقص الانتباه والاندفاعية.
• ADHD قد لا يظهر أثناء المقابلة النفسية, فكن حذراً أثناء التشخيص.
• ADHD قد يكون سببا مهما لاضطراب العناد ODD واضطراب السلوك CD.
• ADHD قابل للعلاج, وعلاجه يتضمن مداخلات نفسية اجتماعية, وتعليمية, ودوائية.
• ADHD يتطلب تدخلا من عدة جهات تشمل الأسرة والمدرسة والاختصاصيين النفسيين وأطباء الأطفال والأطباء النفسيين.
• ADHD يحمل إنذارا متفاوتا, فينبغي لنا مراعاة العوامل التي تحسن الإنذار.
ADHD قد يبقى لدى نصف الأطفال المصابين إلى ما بعد البلوغ و يشكل عندها اضطرابا آخر يسمى اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط عند البالغين.
*- هذه الدراسة محفوظة الحقوق للمؤلفين ومصدر النشر.
*- هي جزء من العملية التدريسية، وهي لا تخضع لمعايير الأبحاث المحكّمة.
*- منشورة للاستفادة العامة.
*- الرجاء عدم استخدامها لأغراض تجارية، والإشارة إليها عند النقل والاقتباس.
*- المعلومات الواردة في هذه الدراسة هي لأغراض البحث العلمي، وقد لا تكون ملائمة للتطبيق في الحياة الشخصية، ولا تغني عن مراجعة المختص.