(Autism) كلمة أصبحنا نسمعها دائماً في الإذاعة في الشارع في البيت في كل مكان نذهب اليه هي كلمة جاءت بترجمات متعددة منها الإعاقة الغامضة والذاتوية والاجترارية ثم التوحد الذي أصبح أكثر شيوعاً واستعمالاً. ويعرف التوحد انه احد أنماط الاضطرابات النمائية الناتجة عن خلل وظيفي في الدماغ، إلا انه يضم أنماطا أخرى تدخل جميعها ضمن ما يعرف بطيف اضطرابات التوحد ((A.D.S والذي يضم عدة أشكال للتوحد.
ويظهر التوحد في السنوات الثلاث الأولى من العمر حيث يُظهر فيه الأطفال صعوبات في التواصل مع الآخرين واستخدام اللغة بشكل مناسب وصعوبة في التفاعل الاجتماعي إضافة إلى ظهور أنماط من السلوك الشاذ وكثيراً ما تظهر أعراض التوحد على شكل أنماط كثيرة متداخلة ومتفاوتة بين الخفيف والحاد ومن أهم الأعراض التي تظهر على الطفل ذي التوحد الرتابة وعدم اللعب الابتكاري- مقاومة التغيير- الانعزال الاجتماعي– يضاف إلى ذلك المثابرة على اللعب وحده وعدم الرغبة في اللعب مع أقرانه والخمول التام آو الحركة الزائدة بدون هدف- تجاهل الآخرين حتى يبدو انه مصاب بالصمم-الصمت التام أو الصراخ الدائم المستمر بدون مسببات- الضحك من غير سبب- عدم التركيز بالنظر لما حوله(حيث تشير الاختبارات وفحوصات الدماغ إلى أن الأطفال المصابين بالتوحد يتفادون الالتقاء البصري لأنهم يرون في الوجوه التي حولهم تهديداً لهم) -حتى المألوفة والمقربة منهم-.
ومن الأعراض أيضاً صعوبة فهم الأسرة ومشاكل في فهم الأشياء المرئية- عدم الإحساس بالحر والبرد- الخوف المبالغ فيه أو عدم الخوف- وأخيراً مشاكل عاطفية ومشاكل في التعامل مع الآخرين. فالإنسان التوحدي هو إنسان يحيا في بيت زجاجي ، يرفض الخروج منه أو دخول أحد إليه ، وكأنه معزول عن العالم .
هذه كلها أعراض للتوحد ولكن هل هناك سبب محدد وواضح لهذا المرض؟ هل هو وراثي؟ وهل للبيئة تأثير فيه؟
جميعها أسئلة لم تلقى إجابة واضحة حتى الآن، فعلى الرغم من انه قد تم التعرف على مرض التوحد منذ عام 1943 إلا انه لازال إعاقة غير معروفة نسبياً، فقد تعددت النظريات والآراء التي تشير إلى أسباب التوحد، فالبعض أرجع أسباب التوحد إلى عوامل التلوث في بيئة الطفل مثل التعرض للسموم كالمعادن السامة مثل الزئبق والرصاص والالتهابات والفيروسات واخذ المضادات الحيوية بكثرة بالإضافة إلى وجود قابلية جينية وراثية لدى الطفل. ومن احدث ما ذكر هو ما قالته الدكتورة جين في مؤتمر مركز أبحاث التوحد حيث ان نظريتها تشرح أسباب التوحد بوجود عوامل بيئية مثل السموم أثناء الولادة أو بعدها والتعرض لالتهابات مع وجود قابلية جينية لدى الطفل بالإضافة إلى وجود خلفية مناعية جينية(عدم عمل الجهاز المناعى بشكل جيد) ونتيجة هذه العوامل يؤدى إلى تكون خلايا مخ غير منظمة وأيضا تؤثر على الإشارات العصبية، كذلك تؤدى إلى التهابات في خلايا المخ وكل ذلك مسؤول عن ظهور التوحد.
وفي نظرية أخرى للتوحد كتب العالم الانكليزي سيمون بارون كوهن أهم الباحثين في مجال التوحد نظريته عن العمة المخي أو تأخر نظرية العقل لدى التوحديين وهي ببساطة القدرة على فهم ما يجري في عقول الآخرين من خلال تعاملنا معهم. حيث أن هذه القدرة ضرورية لحياة البشر، فهي تمكنهم من التواصل مع الآخرين والتفاعل الاجتماعي والتعاطف. ومن المعروف أن هذه القدرات متأخرة ومعطلة لدى التوحديين.
وبعد أكثر من 15عاماً كتب الباحث نفسه نظريته الثانية في تفسير التوحد بأنه زيادة في السمات الذكورية للعقل البشري، والباعث الأول لهذه الفكرة هو أن التوحد ينتشر بين الذكور بنسبة اكبر من انتشاره بين الاناث 4/1. ولذلك وضع كوهن نظريته عن "عقل الأنثى الاعتطافي وعقل الذكر التنظيمي"، وهي النظرية التي تفترض أن الإناث أكثر قدرة واهتماماً من الذكور في فهم عقول الآخرين والتواصل معهم. بينما ينصب اهتمام العقل الذكوري على التنظيم الكلي والتخطيط للأمور الكبرى وبالتالي ضآلة قدرته على الاعتطاف مع ما يدور في عقول الآخرين.
وقام الباحث بتطوير هذه النظرية العامة عن العقل البشري إلى أن وصل إلى نظريته الخاصة عن التوحد لغياب القدرة على فهم عقول الآخرين والميل المتطرف للانتظام في نشاط محدد (لدى التوحديين أصحاب القدرات العالية) فسره بالنتيجة النهائية لتطرف السمات الذكورية.
وفي المجال الإحصائي الطبي تطور البحث في الدلائل الجينية عن استعداد الجسم لدى بض الأشخاص للإصابة بالتوحد حيث أن التوائم المتماثلة تصل نسبة إصابتهما سوياً بالتوحد الى90% بينما التوائم الغير متماثلة تصل نسبة الإصابة بينهم إذا كانوا من نفس الجنس إلى 10% فقط وهذا الفارق يثبت بلا شك دور المورثات الجينية في ظهور أعراض التوحد.
وكشفت دراسة علمية حديثة عن أحد العوامل المحتملة والمرتبطة بمرض التوحد أشارت إلى دور الجهاز المناعي عند الأمهات خلال فترة الحمل في إصابة الطفل بهذا المرض.وتقول الدراسة أن إنتاج الجهاز المناعي عند الأم أجساماً مضادةً تهاجم النسيج الدماغي للطفل بعد عبور المشيمة قد يكون له دور محتمل في الإسهام بإصابة الطفل بمرض التوحد.
ويوضح الباحثون بأن أمهات الأطفال المصابين بالتوحد أظهروا امتلاكهم لنوع من الأجسام المضادة للأنسجة الدماغية عند الجنين، والتي يمكن أن تًعبر إلى الأخير عن طريق المشيمة، لتٌسبب تغيرات عصبية قد تؤدي إلى إصابة الطفل باضطرابات النمو العصبي ومنها التوحد.
وأجرى فريق الدراسة تجارب على حيوانات مخبرية بهدف البحث في تأثير الأجسام المضادة، وتضمنت التجارب حقن مجموعة من إناث الفئران الحوامل بأجسام مضادة أُخذت من أمهات لأطفال مصابين بالتوحد. كما تم حقن مجموعة أخرى بأجسام مضادة كان مصدرها أمهات لأطفال لم يصابوا بهذا المرض، بالإضافة إلى ذلك حرص الباحثون على أن تبقى بعض الإناث الحوامل دون حقن بهدف المقارنة.
وتشير نتائج الدراسة، إلى أن الفئران التي تعرضت لأجسام مضادة من أمهات المصابين بالتوحد، كانت أكثر قلقاً وتبدي نشاطاً زائداً، كما أظهرت سلوكيات غير طبيعية حيث بدت أقل مخالطة للفئران الأخرى، وأكثر تأثراً بالضوضاء وتميل إلى قضاء الوقت في زيارة الحجرات الفارغة.
وطبقاً للنتائج فبالرغم من أن الفروق بين مجموعات الفئران بدت أقل وضوحاً خلال مرحلة المراهقة، إلا أن الأعراض المشابهة للتوحد عند تلك الفئران ازدادت مع تقدمها بالعمر.
وبحسب ما أشار الباحثون، أثبت الدراسة زيادة نشاط الخلايا المناعية الدماغية عند الفئران، التي ُحقنت أمهاتها بأجسام مضادة من سيدات أصيب أطفالهن بمرض التوحد، وفقاً لفحوص أجريت لهذا الغرض.
وعلى الرغم مما توصلت إليه الدراسة من نتائج إلا أنه من غير السليم افتراض وجود آلية واحدة تقود إلى هذا المرض. فمن المرجح أن يكون لعدد من العوامل تأثير على نشوء هذا المرض، ومنها العوامل البيئية، والعوامل المرتبطة بالمورثات، وأخرى ذات العلاقة بعمليات الاستقلاب.
وتنحصر هذه العوامل في الحالات التي تسبب إصابة الدماغ قبل الولادة أو أثنائها أو بعدها ونعني بذلك إصابة الأم بأحد الأمراض المعدية أثناء الحمل أو تعرضها أثناء الولادة لمشكلات مثل نقص الأكسجين أو استخدام آلة أو عوامل بيئية أخرى وهي تعرض الأم للنزيف قبل الولادة أو تعرضها لحادث أو كبر سن الأم كل هذه العوامل قد تكون أسباب متداخلة في حالات توحدية.
وأخيرا نرى أن هناك الكثير من النظريات التي تبين الأسباب مما يؤدي إلى شئ من التشتت ومن هنا لا نستطيع إلا أن نقول أن السبب الحقيقي مازال غامضا ولم تكشف عنه الدراسات العلمية حتى الآن.