كنت حينها في الصف الثامن عندما كنت أتابع مسلسلاً تلفزيونياً كان يحكي عن قصة شابٍّ أحبّ خادمةً تعمل عند معلّمه، وكان هذا المعلّم قد اعتدى مراراً على تلك الخادمة لكنه عمل على تزويجيهما، وفي ليلة الدخلة بدأ العريس بضرب عروسه وهو يقول لها من الفاعل؟ من هو الذي اعتدى عليك؟
وهنا قلت بصوت عالٍ أمام أسرتي: شو هبلة ليش قالتلوا أنو في حدى اعتدى عليها ؟؟
نظر أبي نحوي بصرامة وأخفت أمي وجهها، لم أفهم ما حصل.
وفي اليوم الثاني عاتبتني أمي كيف أقول ما قلت، والذي تسبب لها بعتاب شديد من أبي، أني ما زلت إلى الآن وأنا في الصف الثامن لا أعلم أن للفتاة غشاء بكارةٍ يعلن عن عذريتها وعن حفظها لنفسها! وهو الذي يفضحها فيما إذا أرادت أن تفعل الشيء نفسه الذي يفعله الرجل أو الشاب بعمرها أو أصغر منها..
حقاً حينما قالت لي أمي صعقت وحزنت وتألمت، غضبت وصرخت في داخلي، إذاً للمرأة شيء يغلفها ويحرمها من أشياء تتاح للرجل ببساطة كيف وضع الله العادل والمحب هذا الشيء ليحرس به مخلوقته من نفسها ومشاعرها..
يومها بدأ شيء يتغير فيي بدأت أكره نفسي كفتاة وأشعر أني مقولبه في ذلك المكان عند ذلك الغشاء، وبقيت فترة من الزمن إلى أن نسيت الموضوع أو ربما أصبح شيئا عادياً، وعدت إلى حياتي الطبيعية.
تعجّب دكتور في الجامعة وأعلن عن تعجبه أمام مجموعة من الناس أنه اكتشف أن ابنته الجامعية لا تعرف ماهي العادة السريّة!!
وتعجب آخر كيف أن هنالك فتيات يدرسن الطب في سنواتهن الأولى ولا يعرفن كيف تتم العلاقة بين الرجل والمرأة!!
تعجبت كيف تعجّب هؤلاء...!!!
من الأسرة إلى الدين إلى المناهج الدراسية تحاك قصص الكبت الجنسي. فالأسرة تضع حاجز العيب في كثير من الكلمات أولها وأغلبها تلك المتعلقة بالأجهزة التناسلية، وتصنع تعتيماً لا يفهمه الطفل حول تلك المنطقة فهي عيبٌ وحرام ولا يعرف لماذا؟ ما يجعله يبحث بنفسه دون علم أحدٍ، لا بل يصنع من هذا الموضوع لغزاً وأسراراً يتناقله مع أقرانه ليتباحثوا معاً في جلساتٍ سرّيةٍ على أسطح المنازل أو في الأقبية عما سمعوه أو رأوه من كبارهم، لدرجةٍ أنّهم في أغلب الأحيان يطبّقون ويقلّدون ما رأووه وبكل متعه فهذا سرٌّ ولغزٌ وسحرٌ من عالم الكبار.
أما الأديان فقد حبكت حول الجنس جميع المحرمات ليصبح هو المحرّم والمدنس الأكبر الذي يقوى عليه بالصيام وتشذيب النفس.
وفي المدرسة تحذف تعابيرٌ وكلماتٌ تتعلق بتكاثر الصراصير مثلاً، وتخجل المعلمة وتغضب وربما تضرب أو تعاقب التلميذ الذي يسأل أسئلة تقترب من المحرمات، إلى أن نصل إلى المرحلة الأخيرة في الثانوية والتي طالما انتظرناها طويلاً إلى درس العلوم الذي يتحدث عن التكاثر عند الإنسان، لتقفز فوقه المعلمة وتطلب منا قراءته بالبيت، فهو من محرماتها أيضاً...
وكبرنا..
وكبرت معنا عقد كبارنا ومدارسنا وأدياننا، لنصبح عقدةً لا حلّ لها، لنصبح كتلة تعودت على أن تغلف نفسها بكل ما قد يحرفها أو يجرفها عن الخير والفضيلة والترفع بالجسد ليعلوا فوق كل الدنس في الوجود لنصبح كتلة تعودت أن تدوس مراراً على مشاعرها لئلا تقع في الحفرة التي تنتظرها إن تجاسرت وتعرفت على نفسها.
وأصبح اللغز القديم الذي اخفي عنا يوما لغزا كبيرا لتزداد المسافة بين الجسدين أنثى وذكر، لنصل إلى اللحظة الحاسمة التي نحتاج بها لهذه المشاعر المكبوته منذ زمن والتي أدخلت لسنوات ضمن المحرمات لنفاجأ بأنها تلاشت، ولنكتشف أننا دسنا مراراً على عقولنا عندما فكّرت وعلى روحنا عندما تحركت فأصبحنا جثثاً هامدة صنعها مجتمع نسي جميع المحرمات ليعتبر الجنس المحرم الأعظم.
أما المهمة الصعبة الآن كيف سيعمل مجتمع كمجتمعنا أمام محطات الفضائيات وكيف سيهرب من الأسئلة والمقارنات، هل سيفكر يوما بإعادة صياغة تفكيره؟ هل سيعترف انه أخطأ وعليه أن يقوم بثورة على المناهج الدراسية والعيوب والمحرمات الغبية، أم أنه سيقف كالتينة اليابسة منتظرا الحرق؟؟